رغم الانتكاسات التي شهدتها مدينة وارسو في الماضي، لا تزال العاصمة البولندية تواصل تجديد شوارعها ومبانيها، ولا يزال بمقدور الباحث في شوارعها المختلفة أن يجد أناقتها التي كانت ذائعة الصيت فيما مضى.
كانت مدينة وارسو تُعرف سابقا بلقب “باريس الشرق” لما كانت تزخر به شوارعها ومبانيها من فنون العمارة والزخرفة، غير أن 85 في المئة من تلك المباني تحطم خلال الحرب العالمية الثانية.
يقول نيت إسبينو، أحد مؤسسي شركة “أولدغيت ستراتيجي غروب” للعلاقات العامة، والذي انتقل لأول مرة إلى وارسو قادما من سان فرانسيسكو قبل 20 عاماً: “خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة، جرى تجديد أبنية قديمة جدا لتبدو الآن في حلة باهرة”.
بالنسبة للعديد من القاطنين في وارسو، لا تكمن جاذبية المدينة في مظهرها الخارجي على الإطلاق، بل في حياتها الداخلية المفعمة بالنشاط والحيوية.
وتقول كارولينا ليزفا، المرشدة السياحية لدى شركة “انتربد ترافل أربان أدفينتشرز”، والتي انتقلت إلى وارسو من مدينة وودج بوسط بولندا: “عندما انتقلت إلى وارسو، لم أكن واثقة من أنني سأجد نفسي في مسكني الجديد”.
وتضيف: “أصبح كل شيء مألوفا بالنسبة لي بعد فصل صيفي مشمس، وعندما قضيت الكثير من الوقت على دراجتي الهوائية وأنا أرصد نبض الحياة في المقاهي الصغيرة، وعندما استرخيت على ضفة نهر فيستولا في منطقة فيسلا، وعندما كنت أقرأ عن أيام انتكاسة وازدهار هذه المدينة المدهشة”.
يتفق المقيمون في وارسو على أنها مدينة لو تحليت بالصبر كثيرا عند استكشافها، فسوف يثمر ذلك عن نتائج كثيرة مدهشة.
لماذا يعشقها الناس؟
تعد العاصمة البولندية مليئة بالمفاجآت في أماكن غير متوقعة في جوانبها. وتقول الفرنسية-الروسية ساشا ناسلين، التي انتقلت إلى هنا من بلجيكا قبل ثلاثة أعوام، وتكتب في مدوَّنة الدليل البديل للسياحة: “اكتشفت مركزاً للتزحلق على الجليد في وسط المدينة، وشاطئاً استوائياً على نهر فيستولا، ورأيت غزالاً يعيش بحرية في متنزه ويزنيسكي”.
ويقسّم المدينة نهر فيستولا إلى قسمين، لذا ليس للمدينة مركز محدد، وبالأحرى فإن لكل جانب منهما هويته المختلفة.
وتقول ليزفا: “يمتليء الجانب الغربي بالمفاتن، ويعيش حياة ليلية صاخبة، بينما أعيد اكتشاف الجانب الشرقي من قبل المغرمين بالفنون، بسبب ما يميزه من بيئة أصيلة، وأماكن رائعة تستقطب الزائرين”.
ويثمّن سكان وارسو المحليون “المساحة الإنسانية” للمدينة، حيث يسهل التنقل في أرجائها وبلوغ مناطقها المختلفة بسهولة.
وتقول ليزفا: “لكل حي (من أحياء المدينة الـ 18) سوق محلي للأطعمة الطازجة، ومتنزه يكتظ بأنواع النشاطات في أوقات الصيف، وحانات محلية، وأماكن يمكن فيها استكشاف العديد من فناني الشوارع الجدد”.
وتنبض مدينة وارسو بالحيوية التي تنبع من حالة متواصلة من التجدد والعمران في أركانها. ويقول إسبينو: “لمدينة كراكوف حانات ظلت على حالها منذ القرن الخامس عشر، بينما شهدت وارسو وجود أحياء كاملة كانت تنبض بحياة الليل، ظهرت واختفت خلال العقد المنصرم فقط”.
ويخلق هذا النشاط الدائم في المدينة، الذي يماثله نشاط آخر في مدن أوروبية مجاورة تعد تقليدياً أكثر ترحيبا بالسياح، مثل العاصمة التشيكية براغ، نوعا مميزا من الحيوية، يقارنها إسبينو بتلك الموجودة في العاصمة الصينية بكين.
كيف يبدو العيش فيها؟
إن أول أمر يحتاج قاطنو المدينة الجدد أن يتعلموه هو كيفية التنقل وسط الفوضى والزحام في طرقاتها.
وتقول ليزفا: “الحياة سريعة في وارسو، ويتوجب عليك أن تتعلم كيفية قيادة سيارة، لكن ذلك ليس كأي مكان آخر في بولندا. إذ ينبغي أن تكون سريع الحركة خلال الزحام، لتستغل كل فرصة أمامك للتقدم بسيارتك، وتتخذ قرارات سريعة لتغيير مسار سيارتك في الوقت المناسب”.
ولمن يريد تجنب مثل هذه الفوضى في الطرقات، فإن قطار الأنفاق الجديد نسبياً يوفر فترة وجيزة من الراحة ،وخصوصا في أوقات ازدحام الشوارع.
ويقول إسبينو: “زحمة السير هنا خانقة، لذا فإنني أواصل التنقل بقطارات المترو، التي تعد خيارا جيدا جداً لتفادى ساعات الذروة”.
وتعد وسائل النقل العامة ذات أسعار معقولة جداً في وارسو، وتقل أسعارها عن مثيلاتها في لندن بنحو 69 في المئة، بحسب موقع “أكسباتسيان”، لمقارنة تكاليف العيش في المدن المختلقة.
ويتحدث المقيمون في وارسو برضا وإطراء عن الأسعار المعقولة في المدينة مقارنة بعواصم أوروبية أخرى، إذ تنخفض تكاليف السكن في المدينة أيضا بحوالي 60 في المئة عن غيرها من مدن أوروبا، كما تصل أسعار الأطعمة إلى النصف تقريبا، مقارنة بلندن وباريس.
ما الأمور الأخرى التي أحتاج إلى معرفتها؟
ينبغي على المغتربين الجدد أن يبدأوا عهدهم هنا في الربيع أو الصيف، وفقا لنصيحة السكان المحليين.
يقول إسبينو: “فصول الشتاء هنا يظللها اللون الرمادي، وساعات النهار قصيرة، لكن برودة الجو ليست قارسة”.
ويمكن للانتقال إلى هنا في الأشهر الأكثر دفئا وشمسا أن يجعل ترتيب الأمور الأولية في المدينة أسهل نوعاً ما.
يتوقف الشعور بالبهجة في وارسو أيضا على إقامة علاقات صداقة مع السكان المحليين، والانخراط في أنشطة اجتماعية، وتكوين مجموعات للتواصل الاجتماعي عبر الانترنت.
“اشترك في أي نشاط، سواء في نادي للركض، أو التجديف، أو تناول المشروبات”، بحسب نصيحة إسبينو.
وأحد الأماكن التي يمكن البدء منها هي حانة “بوب كرول وارسو” لتذوق مشروب الفودكا الشهير في المدينة.
ومع وجود سجلات تشير إلى أن منشأ هذا المشروب الروحي في بولندا يعود إلى القرن الثامن، فإن للفودكا أهمية خاصة في العادات والتقاليد هنا.
ويتحدث الكثيرون اللغة الانجليزية بطلاقة في وارسو، لذا فإنه من السهل التنقل فيها كمغترب جديد، غير أن السكان المحليين يشددون على أهمية تعلم البولندية للانسجام معهم بشكل جيد.
يقول إسبينو: “يختلف البولنديون عند تحدثهم بالانجليزية، كما أنهم أكثر تحفظا في استخدامها، فهي لغة يستعملونها للحديث عن التجارة والأعمال، لكنهم لا ينزعجون أيضا من استخدامها في التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
وتقول ليزفا إن روح المدينة تتواري خلف تاريخها وحكاياتها، “لذا، أقِم صداقات مع سكان وارسو، ودعهم يأخذونك إلى أماكن يرغبون هم في الذهاب إليها”.
بي بي سي عربية