وفقاً لما ورد في بعض صحف الخرطوم الأسبوع المنصرم، فإن اجتماعاً قد التأم خلال الأيام الماضية بصورة سرية ضم قيادات رفيعة بالدولة برئيس البرلمان وبعض قادة الأجهزة الأمنية، وبعيداً عن وسائل الإعلام تمت من خلاله مناقشة شأن مقترح تعديل الدستور لإفساح المجال لبقاء الرئيس البشير لما بعد العام 2020، وفي السابق كانت الصحف قد حملت نبأ تكوين لجنة بوزارة العدل للوقوف على تعديلات دستورية بقرار من وزير العدل للوقوف على تعديل مرتقب يتضمن قانون الانتخابات والفترة الرئاسية.
تكرار
دوماً ما يتحدث البشير عن زهده في المنصب عقب الأحداث الكبيرة، وذلك يعكس حرصاً على الترّجل بـ (هيبة) ينظر إليها رجالات الجيش، على أنها فرض عين، والأعمال بالخواتيم. أيضاً قال البشير إنه لن يترشح في انتخابات العام 2015م، وذلك قبل توجه الأهالي تلقاء صناديق اقتراع 2010م، محتقباً مع أدوات المغادرة، إنفاذ اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا 2005) بكامل نصوصها، وكما قال كتابها المسطور في هيئة دستور. ثم قال بزهده في الترشح لانتخاب 2020م، مع توقعات كبيرة برفع تام للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي أرهقت كاهل السودانيين لعقدين من الزمان، لا تبقي ولا تذر سوى سبع سنوات سمان قضاها الناس في حكم الإنقاذ بلا عقوبات. ومع دالة الحالة القوية، قد لا تستقيم قصة الخواتيم مع الواقع، حيث نال التعب من البشير في مسير طويل، فقد خلاله أعزّ الرفاق، وخبر كل الأحاسيس بما في ذلك أحاسيس الحرب والسلام، ومشاعر الأخوة الصادقة، وتارات تلمظ طعم التنكر لـ (العشرة)، زد على ذلك أحواله الصحية التي تتطلب النأي عن الضغوط والكدر الذي تسببه الممارسة السياسية في بلد يعجز أشطر عالم مناخ عن التنبؤ بطقسه.
جدية خطوة
في الإجابة عن تساؤل حول مدى جدية خطوة تعديل الدستور ليسمح بإعادة ترشيح البشير وقانونيتها؟ يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ربيع عبد العاطي لـ(الصيحة) إن الأمر جائز باعتبار أن معطيات ما يمر به السودان من أوضاع وظروف تقتضي التمديد للرئيس البشير، وهو الأمر الذي يستدعي إجراء تعديل على الدستور لأنه ومع انتهاء الدورة الرئاسية الحالية للرئيس البشير لن يكون بوسعه الترشح مجدداً ما لم يحدث طارئ يتصل بتعديل هذه المواد القانونية وبإجماع الهيئة التشريعية ومؤسسات الدولة السيادية.
توافق وليس تعديلاً
أما عضو البرلمان بلجنة التشريع والعدل د. محمد الحسن الأمين، فقد أشار في حديثه لـ(الصيحة) أن الدستور قد ترقع ما فيه الكفاية، مؤكداً بأن البلاد في حاجة إلى توافق حول دستور دائم وليس تعديلاً لبعض المواد والقوانين الدستورية التي يترتب عليها مفهوم خاطئ وهو عدم قدرة السودان على وضع دستور دائم يحتكم إليه الناس بشكل دائم رغم مضي ما يزيد عن ستين عاماً من استقلاله.
وفي السياق، فقد قال الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي ووزير الإعلام د. أحمد بلال لـ(الصيحة) إن له رأياً مغايراً حول ذلك، إذ يرى أن مقتضيات الراهن السياسي ووفقاً لما تعيش فيه كل دولة من واقع وظرف سياسي واقتصادي يجعلها في حالة تقديرات خاصة وإن جاء ذلك على حساب الدستور الذي في الأصل وُجد لتنظيم حياة الناس، وتساءل بلال: طالما أن هؤلاء المواطنين يبحثون عن الاستقرار والأمان وحياة اقتصادية مزدهرة فلم لا يحدث تعديل للدستور الذي يؤهل وجود شخص من شأنه توفير كافة هذه المزايا، مشيراً إلى الرئيس البشير يعد ضامناً لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
مجرد أوراق
بالعودة إلى الوراء قليلاً يلحظ المراقب أن خطوة تعديل الدستور الانتقالي للعام 2005 بغرض تجديد ترشيح الرئيس البشير لفترة رئاسية تأتي لدواعٍ ومسوغات سياسية واقتصادية عديدة، حسب ما يرى مؤيدوها، فهناك من يرفضها وبشكل قاطع بل ويعتبرها استمراراً في نهج تكريس السلطة وعدم الإيمان بنهج التحول الديمقراطي وإفساح المجال للآخرين وهو ما عبر به عضو الحزب الحاكم ووزير الدولة برئاسة الجمهورية سابق د. أمين حسن عمر في حوار سابق مع الصيحة، حين أشار إلى أن الأمر لا يتعلق بالرئيس، إنما يتعلق بالفكرة العامة التي ظل أمين يتحدث عنها منذ بداية الحوار بأنه لا بد أن يكون هناك تجديد وتعاقبية في الساحة السياسية، ويشير أمين إلى أن موضوع الرئيس له جانب آخر .. جانب أن الدستور تحدث عن دورات محددة، وأن دستور الحزب تحدث أيضاً عن دورات محددة، وأن احترام الدستور واحترام دستور الحزب واجب علينا، وإلا فإن تلك سيكون مجرد أوراق نعلنها في وقت من الأوقات، ثم نقول: نحن الحكام عليها، والمقصود من الدساتير أن تحكمنا إذا جعلناها موضوعاً للتغيير المستمر حسب تقديراتنا الظرفية فسوف نحكمها ولن تكون هناك أي جدوى لدساتير أو نظم أساسية ترتب أوضاع الأحزاب.
تأجيل
وعطفاً على ذلك، فهناك من أضحى ينادي بتأجيل فكرة قيام الانتخابات لما بعد العام 2020 مع الإبقاء على وجود الرئيس البشير في منصبه، وهذه الدعوة تستوجب تعديلاً من نوع خاص على الدستور يفرض حالة التمديد دون انتخابات وهي ذات الدعوة التي نادى بها نائب رئيس الوزراء القومي ووزير الاستثمار مبارك الفاضل من قبل عندما دعا لبقاء حكومة الوفاق الوطني لمدة عشرة أعوام عازياً دعوته تلك إلى تجويد تنفيذ برنامج حكومة الوفاق الوطني الذي يقوم على مخرجات الحوار.
الصيحة.