محمد حامد: ما ادهشني وحيرني خواجة سائح في السودان يحفظ نماذج من غناء (الحقيبة)

لمست تصاعدا في اهتمامات الغير بالسودان ؛ وهي ملاحظة مشاهدات غير مقيدة بإحصاء وثيق المصدر ؛ اذ ظللت لايام مؤخرا الحظ افواج البيض و(الخواجات ) وقد اكتظت بهم فنادق وسط الخرطوم العجفاء ؛ يتحلقون تحت شمس الظهيرة ؛ على ظهورهم تلك الاحمال التي تماثل مناظر هبوط جنود الحلفاء في (النورماندي ) وقد الجمت فضولي مرة وعشرة ثم (غلبني ) فقصدتهم اليوم مقتحما جمعهم ؛ تخيرت عجوز يحمل كتابا ضخم مثل الغراب نحت على غلافه اسم SUDAN ؛

القيت التحية عليه ثم إحتلت بقليل انس فك فيه الغريب حذره ؛ واظنه كان يبحث عن (مواطن) يجد عنده نار للاضاءة وبعض هدى ؛ حول استفهامات ما ؛ تتعلق بالناس والحياة ؛ الكهل الذي اظنه على مشارف الثمانين ؛ كشف عن روح طريفة ذات دعابة ؛ نثرها علي وعلى عجوز رفقته اظنها زوجته ، من واقع حرصه عليها واشغال عناية منها خاصة عندما يتحلق صبية تلميع الاحذية و(الورنيش) قربه مندهشين لا ليعملوا قدر استغرابهم عما دفع هؤلاء العواجيز للقدوم ؛ كانت السيدة تشبه آل (بوش) لها تلك الملامح العريضة الاصداغ والراس المثلث والجبهة الممتدة مثل مهبط طائرات وذاك الشعر الابيض مثل راس جبل غطاه الجليد ؛ وتلك الاعين الضيقة وسمت العجرفة الضيقة الخلق ؛ كنت كل ثانية ابحلق فيها بشكل مضاعف عن فضول صبية التلميع ! حتى انها تضجرت مني ! قال لي (توموسون ) وهذا اسمه انه يعرف السودان (فري ويل ) وليدلل بفخر (الولية) التي زعمها حدثني عن ايام له في كردفان ودارفور والاستوائية في عقود للوراء ! وقد لاحظت ان لغته العربية معقولة ؛

لكن ما ادهشني وحيرني حفظه لبعض اسطر من نماذج غناء (الحقيبة ) حينها جزعت وندمت على تورطي في هذه الثرثرة الحمقاء ؛ كان يطرق بعض النصوص ؛ من دفتر عتيق اخرجه فيما اظن من جانب ظهره ؛ يفتح النص المكتوب بحرف إنجليزي مكتبل ؛ لكن حين تقرأه يعطيك جرس عربي ؛ قال لي وهو يتعسر ؛ متلعثما مثل (الخواجة عبد القادر ) في المسلسل الاشهر ليحى الفخراني ؛ قال يقرأ ما سمعت انه يقول ( مر المنام بى مقلة النعسان) ؛ سألني هل تحفظ النص كاملا ، قلت انه نص لشاعر اسمه (العبادي) ثم تجرات و(الفت) تعريف على عجالة حسنت فيه سيرة الشاعر المجيد ؛ وسيرته حسنة حتما لكني بالواقع كنت مثقوب الذاكرة فاضطررت من باب التدبر لزرع (شتول) من عندي في عتمور المباغتة الذي جرني اليه العجوز ؛ حينما اجبت استملح محدثي افادتي وعوضا عن شكري سألني عن المغني قلت سمعتها من (اللحو) وغناها غيره ؛ قاطعني واين اللحو ؟! قلت ان المطرب الكبير (بورن) في شندي لكنه (ليف) في بري ابو حشيش ! ها ؛ سمعته ينطقها ؛ قبل ان يباغتني (مر المنام بمقلة النعسان) ما تعني (اكزالتي) اي يطلب ترجمة محكمة ! ورغم اني حذق في (اللانغا) واشغال انس الخواجات هذا لكن هذا عرض جديد وشاق ؛ تحايلت للنجاة بان (الحقيبة) غناء معقد نطقا وتفسيرات ؛ حتى للناطقين بالعامية السودانية ؛ ثم ان الشعر العربي حال ترجمته يفقد خيالات الامكنة والرواة ؛ دللت بانه لو ترجم لي الان من اعظم شعراء انجلترا ؛ وفخيم فصيحهم في الادب للعربية لتحول النص ربما لقول بلا بصمة او معنى مثلما حاله في بلد المنشأ ؛

حينها وهبت لنفسي تصفيق ؛ ظننت اني هزمت العجوز ؛ الذي عافت حتى رفيقته مثابرته ؛ لكنه الح ؛ فوقفت برهة قلت له احيانا تكون مرهقا وراغبا في النوم ؛ كرر تنهيدته ..اه ؛ قلت وانت في تلك الحالة يعبرك (الاسليب) من فوق مقلتيك ؛ وانت في وضع (هاف اوف) اي انت (وسن) او تعسيلة او ترخيمة ؛ كنت انبش معجم ذاكرتي وما تعلمت وعرفت والتقطت من (نايل كورس) حتى محاضرات استاذي (نك) ولك ان تتصور جر المعني من دهاليز الفصحي ثم سودنته ثم مسحه بطيب الانجليزية ؛ فخلطت السكسون ؛ بطي وتميم ؛ ثم راندوق المدينة ؛ وبعض من خصل ناقة شوراني ، واظني اني قدمت تفسيرا للبيت انهد بسقفه على راس العجوز ؛ الذي صمت لكن قلمه كان يجري بالملاحظات ؛

كنت وقتها قد انتبهت لبائع طعمية يحاذي مجلسنا يرمقني بفخر وطني لاني (جضمت) الخواجة ؛ فاستبدت بي الحماسة فسالته هل استوعبت (مر النعاس) قال its ok ، ولمحته يعود لدفتره ، فيما استدعيت انا حار الدعاء لكي لا يكون يطلب تفسيرا من (جمجوم طبعو خاين )بيد ان السيدة العجوز انقذتني بجر عزيزها الى مشوار ؛ اظن ان هذا الخواجة من بقايا (الطنابرة) قلت احادث نفسي ثم اجزلت الحمد لان الرجل لم يسألني عن (سايق الفيات) Who Is He انتو صحي سايق الفيات الحنسو العبادي ياخد سندة دا منو ؟!

بقلم
محمد حامد جمعة

Exit mobile version