“ستات الشاي” في الخرطوم لا يعرفن عيدا ولا راحة

الشاي عند “ستات الشاي” له نكهة مميزة لامتلاكهن أسرار المهنة، لكنهن يتعرضن للكثير من المضايقات إضافة إلى العمل في ظروف شاقة في الشارع.

بسبب الظروف الاقتصادية، وأوضاع الجفاف والحرب، وتدهور مناطق الريف السوداني، لجأت نسبة كبيرة من سكان محافظات السودان المختلفة، إلى العاصمة الخرطوم، طلبًا للرزق، فامتهن الرجال مهنا شاقة لا يكفي عائدها لإعالة أسرهم ودفع تكاليف الإيجار، وامتهنت النساء بيع الشاي في شوارع الخرطوم ومحطات النقل متحديات الظروف المناخية القاسية ونظرة المجتمع لهن.

مدة أكثر من عشرين سنة، تعمل عوضية محمود كوكو بائعة شاي في الخرطوم، تحت أشعة الشمس الحارقة، متحدية الظروف والمضايقات، من أجل توفير لقمة العيش، لانتشال أسرتها من حالة الفقر المدقع التي تعيشها.

ونزحت عوضية مع أسرتها من منطقة العباسية في محافظة جنوب كردفان، إلى الخرطوم عام 1974 بسبب الجفاف والتصحر، لكنها وجدت واقعا مأزوما، وحياة صعبة في أطراف العاصمة.

تقول عوضية “وصلت إلى الخرطوم رفقة أسرتي، وحاولت الانخراط في سوق العمل بائعةَ شاي، لكنني عانيت من واقع صعب يتمثل في أن المجتمع ينظر إليّ نظرة سلبية”.

وتمتهن مهنة بيع الشاي والوجبات الخفيفة الآلاف من النساء في شوارع الخرطوم، معظمهن نزحن من مناطق النزاعات في دارفور (غرب السودان)، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق (جنوب البلاد)، لكنهن يتعرضن للمضايقات بحجة “الإخلال بالنظام الصحي”.

عدد بائعات الشاي في محافظة الخرطوم بلغ 5.748 بحسب مسح أجرته وزارة الرعاية الاجتماعية، في حين يؤكد مسح وزارة التنمية لعام 2012 أن عددهن يبلغ 13.724 بائعة، يعملن لأكثر من 12 ساعة يوميا، ويتعرضن للكثير من المضايقات، إضافة إلى العمل في ظروف شاقة في الشارع.

بائعات الشاي لا يعرفن يوما للراحة ولا يعرفن أن لنساء العالم عيدا، فكل همهن توفير لقمة العيش لأطفالهن متمنيات ألا تجبرهم الظروف على الجلوس في المناخ القاسي يبيعون الشاي للمارة.

وكشفت دراسة اقتصادية، تمحور موضوعها حول بائعات الشاي في محافظة الخرطوم، أنّ 87 بالمئة منهن يقعن في الفئة العمرية من 18 إلى 45 سنة وأن 45.1 بالمئة منهن غير متزوجات، و33 بالمئة متزوجات، و21 بالمئة أرامل ومطلقات، وتوصلت الدراسة إلى أنّ 88.6 بالمئة من بائعات الشاي في الخرطوم نازحات أو مهاجرات من مناطق ريفية، وأشارت إلى أنّ قطاع بائعات الشاي في تضخّم وازدياد، لأنّ أسباب الظاهرة متضخّمة، وهي الحرب وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع نسبة الأمية، وضعف المستوى التعليمي.

تقول عوضية “الحمد لله، بفضل بيع الشاي ابني أصبح مهندسا، وزوجت بناتي السبع، وهذه غاية مرادي في الحياة، رغم أنني أمية لا أعرف القراءة والكتابة”.

وتعاني بائعات الشاي من “كشات” رجال الأمن وما يتعرضن له من عنف وتحطيم لمعدات عملهن ومصادرتها، واسترجاع هذه الأدوات يكلف “الستات” مبالغ طائلة.

تقول باعئة الشاي الشابة مودة “ماذا عسانا نفعل ليتركنا رجال البلدية نعمل بهدوء حتى لا نضطر إلى التسول، لماذا لا يتركوننا نعمل، وهذا أفضل من التسول؟”.

بين قسوة الشارع و”كشات” رجال الأمنبين قسوة الشارع و”كشات” رجال الأمن

وعلى الرغم من قرار السلطات منع بيع الشاي في الشوارع الرئيسية إلا أن الكثير من السودانيين يحلو لهم شرب الشاي في كؤوس ملونة وهم جالسون على مقاعد صغيرة وأمامهم موائد مزركشة حول “ست الشاي” في شارع النيل بالخرطوم.

ست الشاي تبيع المشروبات الساخنة والمشروبات الباردة مثل عصير التانج، والبعض من “المشروبات البلدية” التي تلاقي إقبالا من قبل الكثير من الزبائن.

يقول أسامة الريح (موظف في الخرطوم) “الشاي عند ستات الشاي له نكهة مميزة إذ لديهن أسرار المهنة، إضافة إلى أنهن مستمعات جيدات لمن حولهن حتى أن هناك زبائن يتحدثون إليهن عن مشاكلهم الخاصة، إنهن كالأطباء النفسيين الذين يحاولون التخفيف من معاناة الزبون إذا اشتكى من مشاكل عمل أو مشاكل شخصية أخرى”.

ويقول ياسر فاروق الذي قدم مع رفاقه بعد دوام العمل “نحن زبائن دائمون لستات الشاي، نلتقي في أماكن عملهن لأن الشاي والقهوة لا يحلوان إلا من أياديهن حتى صارت بيننا وبينهن روابط؛ إذ يشاركننا نقاشاتنا ويبدين آراءهن في أحاديثنا الشبابية وهن صاحبات الخبرة في الحياة”.

واجتهدت عوضية مع زميلاتها في المهنة، “لمواجهة النظرة الدونية من المجتمع، ومواجهة الظلم الذي يعترضهن أثناء ممارسة أعمالهن على قارعة الطريق”.

كما أنها نجحت في تأسيس أضخم جمعية تعاونية لتنظيم المهنة والدفاع عن حقوق النساء ومصالحهن، وعن ذلك تقول”عام 1990 استطعت تأسيس الجمعية التعاونية لمعدات الأطعمة والمشروبات، وأنا رئيستها حاليا، كما ترأست الاتحاد التعاوني النسوي متعدد الأغراض، الذي أنشئ عام 2013 في محافظة الخرطوم”.

وتمضي قائلة “الجمعية التعاونية تضم الآن أكثر من 30 ألف بائعة شاي وأطعمة”. وتميزت عوضية بمواقف قوية في دفاعها عن النساء اللاتي يمتهنّ مهنتها، وقدمت لهن الكثير ليستقررن في أعمالهن، كما بادرت بدفع أموال حتى لا يدخلن الحبس، لعجزهن عن سداد ديونهن.

وتقترب نسبة الفقر في السودان من 50 بالمئة، وفقًا لإحصائيات رسمية، في حين تقول المعارضة إن الرقم أكبر من ذلك بكثير وتقدره بنحو 90 بالمئة، بناءً على معايير الأمم المتحدة. وتمثل ستات الشاي نموذجا للمرأة السودانية الكادحة، التي تحدت ظروف الحياة والمجتمع السوداني المحافظ وتمكنت من الحصول على قوتها اليومي بعرق الجبين.

الخرطوم _ صحيفة العرب / بريطانيا

Exit mobile version