تعيين الدستوريين عبر (فيس بوك والواتساب) .. عندما تصدق الشائعات!!

اختصاصي نفسي: السلطة تمثل نوعاً من الإدمان أخطر من المخدرات

مسؤول بوزارة الإعلام: أخبار التعيينات على مواقع التواصل مجرد تكهنات مسربة

مصدر عسكري يعتبر الشائعات مهدداً أمنياً .. مسؤولة موقع تقول تعيينات (القروبات) نقيِّمها بالحس الصحفي

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً إلى سوق عامرة لترويج الشائعات حول قضايا عديدة اقتصادية واجتماعية ورياضية، ولكنها للسياسية منها وقع خاص ومختلف، مما تسبب في إحداث ربكة في المشهد العام، وأثرت في مصداقية بعض المصادر الرئيسية الناقلة للأخبار، ووقع في فخ هذه الشائعات صحف ومواقع إخبارية خاصة في الموضوعات المتعلقة بالشأن السياسي، من إقالة وتعيين المسؤولين، وشكل ( واتساب فيسبوك) رأس الرمح في نقل وتبادل المعلومات غير الدقيقة، فتارة ترشح أخبار عن إقالة وزراء بأسمائهم وتعيين خلفائهم وتارة أخرى، تتسرب قائمة بأسماء مسؤولين كبار أحيلوا للصالح العام.
بالرغم من عدم تأكيد الشائعة أو نفيها إلا بعض منها تصبح حقائق ولو بعد حين، وهناك نمازج كثيرة رشحت أسمائها في المواقع الأسافير باعتبارها تكهنات لكنها صدقت، وهذا يشير إلى مقدرة الرأي العام على قراءة الوقائع ورسم التوقعات من خلالها.
مازج ..

ماجت (مواقع التواصل الاجتماعي) بشائعات كثيرة الشهرين الماضيين في خضم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ووجد مطلقو تلك الشائعات أرض (الانترنت) خصبة لتسويق بضائعهم، بالتركيز على إحالات المسؤولين في الجهاز الاقتصادي تارة، وجهاز الأمن تارة أخرى، فيما انشغل بعضهم برسم كشوفات لإحالات وتنقلات وكشوفات أخرى لتعيينات، ومن أبرز تلك الشائعات إقالة محافظ البنك المركزي “حازم عبد القادر”، وتأكيدات بإقالة وزير المالية، وكشف إحالة يحمل أسماء ضباط بجهاز الأمن، وأخر يحمل أسماء وزراء كبار قيل أنه التشكيل الوزاري، وهناك كثير من النماذج، فلم يكن خبر إعفاء مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني السابق إبراهيم محمود من منصبيه مفاجأً، لان الكثير من التكهنات ملأت وسائط التواصل الاجتماعي بمغادرته، أيضاً استبقت مواقع التوصل الاجتماعي الصحف السيارة في الترويج بأن هناك تعديلات مرتقبة في حكومة الوفاق الوطني، وهذا ما أكده مؤخراً مساعد رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب د. فيصل حسن إبراهيم.

علاقات شخصية

المسؤول بمكتب شؤون الناطق الرسمي بوزارة الإعلام “محجوب أبو القاسم” يقول لـ(المجهر) إن التعيينات أو التكهنات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن قراءة مواقف أو تكهنات، تظهر نتيجة لعلاقات شخصية بين أفراد تم إبلاغهم بالأمر وسربوا معلومات عن الحدث المعين لأصدقائهم، وبالتالي يسربها الآخرون على مواقع التواصل، وهذا بصورة عامة، أو تكون إشاعة يراد بها لفت الانتباه لشيء محدد وغالباً لا تصدق، ولو صدقت يكون الشخص الذي تم تكليفه هو من سرب المعلومات هذه ومن ثم تتداول عبر المواقع، وأضاف “محجوب” لا أتوقع أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مساعدة في اتخاذ القرار أو سبباً في تعيين أو إحالة مسؤول.

المواقع الفورية

رئيس تحرير موقع (باج نيوز) الأخبار “لينا يعقوب” قالت لـ(المجهر) إن الجهة أو الشخص الذي ينشر الخبر إن كان قيادياً أو صحفياً كبيراً قد يكون هناك جزء كبير من الصحة في الخبر لكن الشائعات التي تتداول عبر (القروبات) نحن نقيمها بالحس الصحفي ولا نتعامل معها إلا بعد التأكيد.
وأضافت بالنظر للسنين الماضية نجد أن أي شائعة نشرت عبر (الفيس أو الواتس) عن تنقلات الوزراء والولاة لم تصدق تماماً أو ربما تصدق منها ثلاثة أربعة حالات لكن التشكيل الوزاري لا تكون صحيحة.
وتابعت “لينا” إن بعض التشكيلات الوزارية التي تتداول عبر المواقع غالباً ما تكون انعكاسات أما لنقاشات تتم بين أعضاء المؤتمر الوطني أو من مصادر مقربة للرئيس أو أن بعض الأشخاص يريدون الترويج لشخصيات مقربة منهم حتى يظهروا كأسماء جديدة.
وقالت إن هناك بعض الأسماء التي تطرح لا تجد حظها لا في أمانة حزب أو ولاية ولا حتى مجلس تشريعي، وبالتالي يتم الترويج لها حتى تجد حظها. واسترسلت “لينا” نحن في المواقع الإلكترونية لا نلتفت إلى أي شيء ينشر في الواتساب ولا نتعامل معه إلا بعد تأكيده من مصادر موثوقة.
ولفتت إلى التعامل مع هذه التكهنات يجب أن يكون بحذر شديد، ولا بد من التأكد من الجهة الرسمية مدعم مستند رسمي وقالت ( لا نعامل مع إشاعة حائمة في الواتساب أو الفيسبوك) لأن كثيراً ما تفقد المواقع مصداقيتها.

مجتمع هش

البروفيسور “علي بلدو” استشاري الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية وعلم البرسايكولوجي في هذا الإطار يقول لـ(المجهر) إن المجتمع السياسي السوداني مجتمع هش في تكوينه النفسي، ويعاني كثيراً جداً من التشوهات، حيث أن كثيراً من الساسة والقادة الذين نراهم حولنا واضح تماماً من تصريحاتهم أنهم ليسوا على ما يرام في الكثير من النواحي القيادية والسايكولجية، والقدرة على التعامل مع المجتمع وفق التلاؤم والمواءمة النفسية والمعيارية المتعارف عليها دولياً، وهذا ساعد كثيراً في خلق بيئة سياسية صالحة تماماً لتلقي الشائعات، ويمكن أن نقول إن المجتمع السوداني والسياسي بالأخص أصبح يعيش عصره الذهبي في ناحية إطلاق الإشاعة، ومن ثم تداولها عبر الوسائط المتعددة الفيسبوك الواتساب وما شابه ذلك، بحيث أصبحنا نعيش في عالم الإشاعات الواقعي وأيضا عالم الإشاعات الاسفيري وهذا يرجع في المقام الأول والأخير إلى عدة عوامل ديناميكية واجتماعية وسايكولوجية متداخلة أدت إلى هذا الوضع الشائه وغير الطبيعي.

إدمان السلطة

ولتفسير ذلك يقول المختص النفسي المعروف “بلدو” إن معظم السياسيين الذين تقلدوا السلطة أصيبوا بما يسمى بإدمان السلطة، وهذا النوع من الإدمان من الواقع النفسي والاجتماعي يعتبر بمرات كثيرة أخطر من إدمان المخدرات، ويؤدي إلى شعور بالتعود على السلطة، ومن ثم العمل على التشبث بها بكافة الصور والشعور بالانزعاج والضيق عند التهديد بسلبها منه، وهذا يؤدي إلى إطلاق شائعات معينة عبر الوسائط بأن فلاناً سيتم إعفائه أو انه سيتم تعيينه ويكون هذا بمثابة بالونه اختبار لمعرفة رد الفعل الرسمي والشعبي، ومن ثم اتخاذ الخطوات اللاحقة من انضمام وانسلاخ أو حتى تمرد أو إنشاء حركات جديدة، وهذا ما يسمى بالونة الاختبار النفسية والذي يطلقها كثير من الساسة والقادة عند اقتراب موعد التغييرات،كما إن بعض النافذين والدستوريين تكون لديهم أغراض معينة في ممارسة حرب نفسية على عضو معين أو وزير معين، بإطلاق هذه الشائعات وبالتالي إصابته بالاضطرابات والارتباك وعدم القدرة على إدارة الأمور بصورة جيدة، وبعدها يتم الإيحاء للإدارة السياسية ومتخذي القرار بأن فلاناً
أصبح ما نافع، وبالتالي يتم إعفاؤه في واحدة من صور التصفية السياسية واغتيال الشخصية وتصفية الحسابات والشعور بالأحقاد السياسية والضغينة التنظيمية والحفر والدفن، والذي أصبح شائعاً في الأحزاب والتنظيمات السياسية السودانية الراهنة، كما أن الشعور بالرغبة في الانتقام والتشفي وتشويه الشخصية وما شابه يدفع مطلق الشائعة لعمل لستة معينة أو قائمة بالمعينين أو المعفيين حسب ظنه من أجل خلق عداوات بينهم أو إبراز عداوات سابقة وجعلها قائمة، وهذا يمنع التصافي والتصالح ويعيد الذكريات السالبة، ويعيد أيضاً التراكمات النفسية السياسية السابقة، ويقف حجر عثرة في لم شمل التنظيمات المختلفة أو لعمل الجماعات على يد واحدة وهذا يؤدي بدوره إلى التكتلات الظاهرة والصراعات المستترة ويجعل أوار الخلاف والغيرة المهنية السياسية والتشفي والحقد حاضرة دوماً في المشهد السياسي السوداني كواحدة من مظاهر التردي المريع في البيئة السياسية النفسية السودانية.
الإيحائية النفسية

ويستطرد ” بلدو” :

هناك قابلية عالية لدى الساسة ومتخذي القرار وهذا ما يسمى بالإيحائية النفسية الداخلية المتمركزة في العقل الباطن والمتمظهرة في الكثير من السلوكيات المختلفة بحيث أن مثل هذه الشائعات أو ترفع نجم شخص معين كما أنها قد تؤدي إلى انخفاض أسهم أشخاص كثيرين وهذا قد يؤدي إلى بروز أسماء لم تكن متوقعة لتشغل مناصب معينة نتيجة لهذا الإيحاء النفسي وهذا الزخم الإعلامي الكبير الذي قد يؤدي إلى برمجة عصبية لغوية سياسية جماعية، وبالتالي يؤدي إلى ما يسمى بغسيل المخ السياسي، بتعيين أشخاص ليس لديهم قدرات أو مؤهلات لمناصب معينة، ولكن كما يقولون (يقوم من نومو ويلقى كومو) بسبب هذه الإشاعات.

الفيس والواتس معارضة حقيقية

“بلدو” ختم في إفاداته لـ(المجهر) قائلاً إن الواقع السياسي السوداني الحالي في أسوء حالاته وأن الفيسبوك والواتساب وغيرهما من الوسائط هي في واقع الأمر المعارضة الحقيقية للحكومة القائمة، وهي دون شك في ظل تقبل الإشاعات والتكوين النفسي الهش وغياب الشفافية وعدم وجود قنوات للتواصل وأسلوب التعيين الذي يتم بطريقة (يا إيدي شيليني وختيني) سيؤدي أيضاً إلى أن يكون الصراع إسفيرياً وصراع رقمي مع هذه الوسائط وأتوقع تماماً أن تزداد هذه الظاهرة من قوائم للتعيينات والإعفاءات والتكهنات عبر هذه المواقع نتيجة لوجود نوع من الإثارة وحالة من حالات الملل السياسي.

حرب نفسية

مصدر عسكري مختص في الشائعات فضل حجب اسمه يقول لـ(المجهر) إن هناك تأثيرات كبيرة في الأخبار التي تطلق في شكل إشاعات حول عزل قيادي أو دستوري، وكذلك تعيين المسؤولين وترشحيهم لمناصب رفيعة مثل الولاة والوزراء، حتى التكهنات على مستوى رئاسة الجمهورية أو على مستوى القيادة العسكرية، وبالطبع لها تأثير كبير بما يكون سلبياً أو إيجابياً، ولكن بدأت بعض الجهات المناوئة للسلطة مثلاً استغلال مثل هذه الشائعات لزعزعة النسيج الداخلي والتشكيك في بعض قيادات الدولة، وهذا يعتبر أسلوب من أساليب الحرب النفسية تنشط مثل هذه الأشياء عندما تكون الرؤية غير واضحة للرأي العام وغياب المعلومات الكافية عن الموضوعات الهامة ذات الصلة.
ويضيف المصدر أن بعض الشائعات عبارة عن بالونات اختبار تطلق من جهات رسمية لمعرفة ردود الأفعال، وقياس الرأي العام، وهذا من أحدث الأساليب التي تستخدم حالياً في أغلب دول العالم بإطلاق شائعة من جهات رسمية لمعرفة نبض الشارع وردود الأفعال.
أما من الناحية الأخرى فالشائعات تعتبر مهدداً أمنياً واضحاً بالذات في مسألة تسريب أشياء لا تتحمل، وخروجها قبل أوانها قد تضر بمصلحة الوطن، وتؤثر على الخطط المستقبلية للدولة والمؤسسات التي تتعرض لمثل هكذا موضوع.
ويتابع المصدر أنه في الآونة الأخيرة أصبح انتشار الأخبار ونشر الشائعة ضرب من ضروب التباهي وكسب السبق الإخباري، والترويج بالسرعة المخيفة لكل الشائعات دون تصنيفها أو الاكتراث لتأثيراتها، فأصبحنا كل يوم نقرأ أخباراً بتعيين أو عزل أحد أعضاء الحكومة، لكن نسبة ضئيلة جداً تتحقق من هذه التكهنات، والنسبة الأكبر منها تصبح في مهب الريح.
وختم المصدر العسكري إن الشائعات المطلقة عبر أجهزة التواصل تعتبر مهدداً أمنيناً لدرجة عالية حتى في تداول الوثائق السرية التي تخص مصلحة الوطن ونشرها قد يسبب ضرراً كبيراً في كافة النواحي.

صحيفة المجهر السياسي.

Exit mobile version