2017 كان عاما مريعا لوادي السيليكون الذي يضم شركات التكنولوجيا العملاقة في الولايات المتحدة .
يبدو أن المجتمعات استيقظت من غفوتها، وبدأ كثير من الناس يدرك التكلفة النفسية التي يسببها الاستغراق في استخدام أجهزة التقنية الحديثة والتحديق في شاشاتها لأوقات طويلة.
فقد تبدت جلياً الآن سلبيات التكنولوجيا، وما تسببه الأتمتة أو التشغيل الآلي من قلق بشكل متزايد، وعلينا أن نتوقع تعاظم الإقبال على أنماط من الحياة بعيدا عن شبكات الكمبيوتر، بل حتى أعمال شغب معادية للتكنولوجيا.
إن واحدة من أكبر المفارقات في عالم الحياة الرقمية التي تدركها وتستغلها شركات التقنية العملاقة، أننا لا نطبق ما نقوله؛ فقد أظهر استطلاع وراء استطلاع في الأعوام القليلة الماضية أن الناس ينتابهم قلق إزاء الخصوصية على شبكة الإنترنت، مما جعلهم لا يثقون في شركات التقنية الكبرى في ما يتعلق ببياناتهم.
ومع ذلك، فإن هؤلاء الناس أنفسهم يواصلون التعامل مع المواقع الإلكترونية، وينشرون ويتشاركون بياناتهم مع آخرين لما توفرها لهم من سرعة وسهولة وراحة على غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان العام المنصرم “مريعاً” لوادي السيليكون، عام غلبت عليه سجالات عن الروبوتات، والتدخل الروسي والتحيز ضد المرأة، والممارسات الاحتكارية وخفض الضرائب، حتى أن مدوناً مثل جامي بارتليت اعتبر في مقال نشرته صحيفة غارديان البريطانية أن عام 2018 سيكون أسوأ، واصفا إياه بأنه “عام العداء للتكنولوجيا” حيث تحولت الأقوال “غير التقنية” إلى أفعال؛ أي أن الناس باتوا يبتعدون عن لغة التكنولوجيا ومفرداتها بعد أن سئموا من آلاتها.
وقال الكاتب إن ثمة “عداءً مهذباً”، إذا جاز التعبير، بدأ يطفو على السطح، إذ باتت المجتمعات تنظر بعين الريبة إلى التكنولوجيا إقرارا منهم بأنها تسبب من المشاكل بقدر ما تنطوي عليه من فوائد.
ولعل ما يؤرق مضاجع عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك وغوغل، وهما من أكبر شركات الإعلانات، هو مصطلح العداء المهذب للتكنولوجيا. ونقطة ضعف الشركتين تتمثل في البرامج التي تزيل أو تحول دون ظهور الإعلانات على المواقع الإلكترونية؛ فملايين من المستخدمين قاموا العام الماضي بتحميل تلك الملحقات البرامجية الإضافية للحيلولة دون تعقب تلك الإعلانات لهم عبر مواقعهم الإلكترونية.
وذكر بارتليت في مقاله أن عددا كبيرا من أصدقائه لم يعودوا يتعاملون بالهواتف الذكية، ولا يستخدمون الإنترنت في المقاهي أو يقضون عطلات نهاية الأسبوع بعيدا عن حواسيبهم، ولم يعد هذا السلوك قاصرا على المثقفين والأكاديميين، وهم شريحة الحداثة في المجتمعات.
أما البديل الذي بدأ الناس يلجؤون إليه فيكمن في اتباع نمط من “حياة بطيئة الإيقاع” أو “قليل من التقنية”. والأمثلة التي يمكن أن تضاف إلى ذلك تتمثل في ذلك الهوس المتعاظم بممارسة رياضة اليوغا والتأمل، وكل ما يشيع سلاما داخليا ويضفي معنى للحياة، ولا يقتصر ذلك على أعداء التكنولوجيا وحدهم، بل يشمل التقنيين أيضا.
ومضى الكاتب إلى أن إدراك شركات التقنية هذه الظاهرة يعد دلالة على أنها بدأت تستشعر تهديدا جديا؛ فقد أقرت فيسبوك العام الماضي بأن قضاء أوقاتا أطول على موقعها مضر بالصحة، ووعدت بأن تفعل شيئا بهذا الخصوص.
الجزيرة نت .