فضيحة شارع النيل

-1- مقطع الفيديو المنتشر بصورة واسعة في الشبكة العنكبوتية لطلاب وطالبات، يرقصون بصورة خليعة في شارع النيل، ويتلفظون بعبارات مبتذلة، يكشف حجم التصدع الذي أصاب مجتمعنا، والتلوث الذي لحق بأخلاق الجيل الجديد.

فعل كل ذلك في الشارع العام وأمام الكاميرات، يوضح أن الكارثة أكبر من كل عبارات الوعظ والإرشاد وأعمق من كل المعالجات السطحية وأقوى من كل مواد قانون النظام العام.

-2-

العلاج لهذه الظاهرة يجب ألا يقتصر على الملاحقة القانونية بالجلد والغرامة.

مشكلتنا الكبرى سيادة الذهنية القانونية التي تسطح الأزمات وترسخ ثقافة أن كل المشكلات يمكن علاجها عبر القوانين.

من المهم أن نخرج رؤوسنا من الصندوق القديم، لماذا لا نخضع حالة الشباب والشابات إلى دراسة نفسية واجتماعية عميقة، تذهب إلى جذر الأزمة ولا تكتفي بالتفاعل مع أعراضها.
ذلك يمكننا من معرفة المكونات والأسباب التي أنتجت هذا الحدث الخادش للصورة التي نضعها لأنفسنا ونتباهى بها أمام الآخرين.

-3-

صحيح التجاوزات الأخلاقية موجودة في كل المجتمعات، بغض النظر عن القيم والثقافة السائدة، وطبيعة الأنظمة الحاكمة.
ما ظهر في مقطع الفيديو لا يتعلق فقط بالتجاوزات الأخلاقية و لكن بالجرأة والمجاهرة بذلك السلوك الشاذ في فضاء عام.

ارتكاب مثل هذه الأفعال في مكان عام ومفتوح أمام المارة، دون شعور بالحرج ورقابة المجتمع وعقاب القانون، يستدعي التوقف عنده طويلاً، إذا كان هذا يحدث في الشارع العام، كيف يكون الحال في الأماكن المغلقة والمحجوبة بالأسوار والحوائط العالية؟!

-4-

البحث والدراسة العميقة يمكنانا من معرفة أن كان هذا السلوك محدوداً في نطاق هذه المجموعة، أم هو مظهر عيني لظاهرة أوسع منتشرة وسائدة في أوساط الطلاب والشباب ولكنها لم تجد الانتشار الإعلامي كما في مثل هذا المقطع؟

للأسف بزيارة إلى اليوتيوب سنجد كثيراً من المشاهد التي تشابه ما حدث في شارع النيل، ولا تقل عنه جرأة ووقاحة.
قبل فترة انتشر مقطع فيديو آخر لمجموعة من الشباب صغار السن وهم يغتصبون فتاة اتضح أنها تنتمي إلى دولة جارة شقيقة.

كان أغلب الاهتمام بتفاصيل الحدث والتلذذ بسردها، وتعالت الأصوات المطالبة بالعقاب الرادع ولكن- على حسب علمي – لم يكن هنالك بحث اجتماعي ونفسي يساعدنا على عدم تكرار ما حدث.

الدراسات ستوفر معرفة شاملة بحدود هذه الممارسات وأسبابها النفسية ومناشئها الاجتماعية.

-5-

قبل سنوات في ورشة علمية بدار الشرطة نظامها مركز البحوث الجنائية، عرضت إحصاءات ومعلومات صادمة عن الجرائم الأخلاقية بداخليات البنات.

لولا أن الجهة المنظمة فرضت على الإعلاميين عدم نشر تلك المعلومات لتسبب النشر في امتناع كثير من الأسر إرسال بناتهن إلى الداخليات الجامعية.

للأسف نحن نتعامل مع مثل تلك الحوادث بسلوكين متضادين:

سلوك يميل إلى (الغتغتة) والتستر والبحث عن طمأنينة زائفة بأننا مجتمع نظيف و مثالي.

وسلوك آخر، يميل إلى الفضائحية والتشهير والتلذذ بالسرد والنشر.

من المهم تجاوز السلوكين (التستر والتشهير) و العمل علي البحث في الظواهر ومعرفة عمقها وأسبابها وآثارها و من ثم وضع الحلول لها.

-6

مجتمعات كثيرة استطاعت أن تتجاوز كثيراً من الظواهر السالبة بالدراسة والعلم والإرادة التنفيذية القوية، وإيجاد معالجات جذرية للأزمات التي تظهر في سطح المجتمع.
وضع كل العبء على كاهل شرطة النظام العام، لن يجدي ولن يثمر معالجات وحلولاً.

-أخيراً-
آن الأوان لكثير من المنظمات والجمعيات التي لا نجدها إلا في اللافتات المضيئة والأنيقة وأنشطة العلاقات العامة، أن تبرر لوجودها والميزانيات التي تلتهمها بعمل استقصائي بحثي عميق.

حتى لا تأتي اللحظة التي يصبح فيها مثل حادثة شارع النيل، سلوك عادي وطبيعي لا ترتفع له حواجب الدهشة، ولا يجد حتى الاستهجان الهامس.

ضياء الدين بلال

Exit mobile version