يقال عن السودانيين “أنهم أمة تقرض الشعر كما تشرب الماء”، فالشعر بشقيه الفصيح والعامي حاضر في كل تفاصيل حياة السودانيين.
ويمثل الشعر ذاكرة توثيقية للحياة السودانية تاريخياً وجغرافياً وسياسياً واجتماعياً، لما تعكسه القصائد من ملامح تفصيلية لهذه الحياة، والسودانيون في معظمهم متذوقون جيدون للشعر بكافة أشكاله، وهناك مدينة في وسط السودان تسمى “طابت”، عرف أهلها بنظمهم للشعر وذات مرة طلب صحفي من أحد شعرائها أن يذكر له أبرز الذين يقرضون الشعر في هذه المدينة، فقال له الشاعر “لا أستطيع ولكن أستطيع أن أذكر لك أسماء الذين لا يقرضون الشعر في طابت”.
ومن شعراء الغناء في السودان، محمد عبد القادر أبو شورة، الذي تحدث إلى وكالة “سبوتنيك”، وقال إن” الشعر في السودان، ليس حكراً على الرجال فقط بل إن المرأة حاضرة بقوة في الساحة الشعرية، والمرأة السودانية شاعرة بطبيعتها، ونجد أن معظم شعر الحماسة والرثاء والمدح الموجود في التراث الشعري السوداني هو من نظم المرأة كالشاعرة بنونة بنت المك، و مهيرة بنت عبود، و زينب بنت عبد المجيد، و بنت مسيمس”.
ويوجد في السودان ما يعرف بشعر “أغاني الحقيبة”، وهو من الغناء القديم الذي ظهر في بدايات القرن الماضي، وسبق مرحلة الغناء بالموسيقى، ومن أبرز شعرائه: محمد ود الرضي، وأبو صلاح، والعبادي، وعمر البنا، وعميق.
وأضاف أبو شورة، أن “السودان به شعراء فحول، كتبوا قصائد عظيمة في فترة الشعر الحديث خلدها التاريخ كالشاعر محمد سعيد العباسي على سبيل المثال، وإدريس جماع، والتيجاني يوسف بشير، والناصر قريب الله، ومحمد المهدي المجذوب، ومحمد محمد علي، وصلاح محمد صالح، وحسين بازرعة، وإسماعيل حسن.
وتابع أبو شورى في حديثه، قائلا إن “من الشعراء المعاصرين محمد يوسف موسى، والتيجاني حاج موسى، وصلاح حاج سعيد، وعبد الوهاب هلاوي، وإسحاق الحلنقي، ومن النساء روضة الحاج وسعادة عبد الرحمن، وغيرهم الكثير مما لا يسعهم الحصر”.
وأشار أبو شورة إلى أن “هناك نماذج جيدة وجديرة بالاهتمام في الشعراء الشباب تحتاج إلى بعض توجيه واهتمام إعلامي، لافتا، أن “الكثير من القصائد اشتهرت بعد تلحينها وغنائها لأن الذين لحنوها كانوا متمكنين وبارعين واستطاعوا أن يلحنوا معاني القصيدة وأحاسيس الشاعر وليس الكلمات فقط، وبالمقابل هناك ألحان قزمت قصائد جيدة وأضاعت معانيها و أماتتها لعدم تذوق الملحن لمعاني الكلمات”.
وأكد الشاعر السوداني على أهمية الثقافة والاطلاع للشاعر، “لأنه بدونهما لن يكتب شعراً عميقاً جميلاً حتى وإن كان شاعراً متمكناً وهذه الثقافة والاطلاع هي ما جعل الشعراء السودانيين مجيدين، فنجد شعرهم مليئاً بالثقافة الدينية والتاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية فصار شعراً مؤثراً وخلده التاريخ”.
وتابع أبو شورة، أنه” رغم تميز الشعراء السودانيين ورصانة شعرهم إلا أنهم غير معروفين عربياً وعالمياً عدا قلة أتيحت لهم في السنين الأخيرة المشاركة في مهرجانات دولية، مثل: مصطفى سند، وسيف الدين الدسوقي، ومحيي الدين الفاتح، وروضة الحاج”.
وفي السياق ذاته قال مدير معهد “عبد الله الطيب” للغة العربية بجامعة الخرطوم، الدكتور الصديق عمر الصديق، إن “حركة الشعر في السودان حركة قوية متجذرة في المجتمع السوداني حيث يعج السودان بالكثير من الأدباء والشعراء فالشعر جزء من مكون المجتمع السوداني”.
وأضاف الصديق، أن “الشاعر السوداني، بطبعه متميز عن الآخرين من خلال البيئة التي يعيش فيها ونفسيته وتجاربه الخاصة”، إلا أنه يرى أن “الشاعر السوداني مظلوم على نطاق الساحة العربية، بسبب تنميط العرب للسودان في إطار محدد وعدم الاعتبار بالمكنون الشعري الموجود في السودان”.
وأشار إلى أن “الحركة الشعرية في السودان قد خلقت لها منابر جديدة، وفتحت نوافذ عديدة للإطلالة عبرها على العالم، خاصة مع بروز بيت الشعر في الخرطوم وأصبحت الفرصة مواتية للسودان ليتبوأ مكانه الطبيعي في الساحة الأدبية العالمية”.
ويأمل الصديق، كثيراً على الإعلام الجديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في بث حركة الشعر السوداني لوجود مساحات واسعة وفضاءات شاسعة على عكس ما كان في السابق عبر الإعلام النمطي القديم، والذي لم يعطِ الشعر السوداني الفرصة الكافية رغم تميز الشعراء السودانيين على مدى التاريخ.
وفي ذات السياق، أشار الشاعر السوداني، محيي الدين الفاتح، إلى أن “الإعلام النمطي القديم لم يعطِ الشعر السوداني فرصة كافية للانتشار عالمياً فقبع في إطاره المحلي وهذه مسؤولية كبيرة يجب على الإعلام تحملها.
ويذهب محيي الدين إلى أنه” بالرغم من تعدد المنابر الإعلامية للشعر السوداني مؤخراً إلا أن ذلك أدى إلى ظهور تجارب ضعيفة للغاية يخشى من أن تسيطر على المشهد الشعري وذلك لعدم وجود ضابط ورقيب.
وأضاف أن “غير أنه من محاسن تعدد هذه المنابر وكثرتها أنها أتاحت للشعراء السودانيين فرصاً كبيرة للظهور على المستوى العالمي مؤخراً فبرز شعراء أفذاذ حصدوا جوائز عالمية في مهرجانات كبرى وبالتالي الأمر يحتاج إلى قليل من التنظيم وضبط حتى يكون حضور الشعر السوداني أكثر تميزاً وتشريفاً”.
ويجد الشعر العامي انتشاراً كبيراً في السودان لأنه منظوم بالمحكي من ثقافة المجتمع السوداني باللغة العامية القومية السهلة أو باللهجات المحلية الأخرى والتي تنتشر في كافة أنحاء السودان وفي السودان حوالي 132 لهجة محلية، ويقول الشاعر محمود الجيلي، لوكالة “سبوتنيك”، وهو من أبرز شعراء العامية الشباب إنه “بالرغم من تميز السودانيين في مجال الشعر الفصيح إلا أننا نجد أن الشعر العامي أكثر انتشاراً وتأثيراً لسهولة وبساطة اللغة وعمقها التعبيري”.
ويضيف الجيلي، أن “الشعر العامي السوداني يمكنه بكل سهولة من الانتشار عالمياً إذا اضطلع الإعلام السوداني بدوره المنوط به فاللهجة العربية السودانية هي الأقرب إلى العربية الفصحى في المنطقة، كما أن الشعراء السودانيين عليهم كذلك دور مهم في ضرورة اقتحام المنابر العالمية لأننا نلحظ أنهم حينما يعرضون تجاربهم ومنتوجاتهم خارج السودان فإن هذا العرض يكون محصوراً في الجاليات السودانية فقط”.
وألمح الجيلي، إلى غياب الجانب الرسمي لأن هذا الحضور العالمي يحتاج إلى ميزانية كبيرة لذلك لابد من دور ملموس للدولة في هذا الأمر حتى يتمكن الشعر السوداني من تبوء مكانه الطليعي في المنطقة العربية.
هنالك نوع آخر من أنواع الشعر في السودان خلافاً للفصيح والعامي ويأخذ ملمحاً آخر وهو ما يسمى بشعر “الدوبيت”، وهو شعر الرباعيات وقد اشتهر به أهل البادية السودانية عموماً ويروى هذا الشعر في شكل حداء مربع الأبيات.
ويؤكد الشاعر محمود الجيلي أن “هذا النوع من الشعر لم يكن منتشراً في السابق وكان محصوراً في نطاق ضيق من البادية لاتسامه بالثقافة المحلية الريفية و استخدامه لمفردات موغلة في المحلية لا يستطيع فهمها إلا أهل المنطقة المعنية، إلا أن هذا الضرب من الشعر وجد مؤخراً حيزاً واسعاً من الانتشار وأصبح له معجبون كثر وذلك لأن شعراء الدوبيت، اتجهوا إلى استخدام المفردات القومية السهلة والمعروفة والمفهومة لدى كافة السودانيين بمختلف قبائلهم ولهجاتهم، كما أصبح هذا الشعر يتناول القضايا القومية والمواضيع العامة التي تهم الجميع وبالتالي خرج من عباءة المحلية القبلية إلى القومية السودانية فحقق انتشاراً كبيراً”.
الشعر الديني أيضاً له حيز كبير في المجتمع السوداني، و يتبوأ مكانة رفيعة في الساحة الشعرية، ونجد أن هذا الشعر يبرز بشكل جلي في شعر المديح النبوي والوعظ والإرشاد سواء كان بالفصيح أم العامي.
وقال أستاذ اللغة العربية بجامعة امدرمان الإسلامية، الدكتور ابن عمر محمد صالح، لوكالة “سبوتنيك”، إن “هذا الضرب من الشعر برز فيه مشايخ الصوفية بشكل خاص، حيث إنهم استخدموا الشعر لنشر توحيد الله وإفراده بالعبادة وتبيين السيرة النبوية المطهرة وأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإرشاد وتربية الناس على قيم الدين الجميلة ومكارم الأخلاق”.
وأضاف صالح، “صاغ هؤلاء المشايخ شعراً جميلاً سلساً استطاعوا من خلاله التأثير على الناس في توجيههم نحو قيم الخير منذ بداية دخول الإسلام إلى السودان عبر هؤلاء المشايخ والعلماء وإلى يومنا هذا”.
وأشار أن “الشعر الصوفي في السودان متغلغل في المجتمع، والسبب في ذلك النزعة الدينية الفطرية الوسطية للسودانيين ومحبتهم الشديدة لجناب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك نلاحظ أنهم حينما يستمعون إلى هذا الشعر سواء كان لحناً او إلقاءً فإنهم يتواجدون بشدة، ويصيحون ويبكون، ونجد أن الشعر الصوفي قد أثر تأثيراً كبيراً على الشعر السوداني خاصة الغنائي منه بل حتى ألحان الكثير من الأغاني السودانية مستمدة من ألحان قصائد المديح النبوي”.
ويوضح صالح، أن “معظم الشعراء والمغنين نشأوا داخل هذه البيئة الصوفية وبالتالي ظهرت هذه الثقافة في أشعارهم و ألحانهم”.
ويختم صالح، بأن من أبرز رواد الشعر الديني والذين يعرفون بـ “شعراء المديح” هم على سبيل المثال: أبو شريعة، ولد سعد، و لدد حِليب، ولد حاج الماحي، ولد تميم، حياتي، وهؤلاء في إطار الشعر العامي، أما في مجال الشعر الديني الفصيح فتفرد فيه وبرز “الشيخ محمد ولد يونس العركي، والشيخ الأستاذ عبد المحمود نور الدائم الطيبي، والشيخ المجذوب، والسيد جعفر الميرغني، والشيخ قريب الله السماني”.
سبوتنك.