-1- اللَّحظة التي تم فيها إعلان عودة الفريق صلاح قوش، مُديراً لجهاز الأمن والمخابرات، وضح للجميع أنها بمثابة تدشين لمرحلة جديدة.
بكُلِّ تأكيد، لم يكن مطلوباً من قوش، إعادة إنتاج تجربته السابقة، فعقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء؛ وكما قال هراقليطس: (لن تستطيع أن تعبر من ذات النهر مرتين).
كُلُّ القرارات التي اتُّخذت خلال الأيام الماضية، المُعلن عنها وغير المُعلن، في طي الكتمان، كشفت أن قوش في مُهمَّة جديدة ضد أعداء جدد.
-2-
أجهزة الأمن والصحافة الحُرَّة أهم مكونات الجهاز المناعي للدول، في مواجهة جراثيم الفساد وردْع الوالغين في إناء المال العام.
المُفسدون المُوالون، أخطر من الأعداء المُقاتلين.
الأعداء يُقابلونك في الهواء الطلق، والمُفسدون من أهل الولاء يُقاتلونك خلف أسوار الذات، في بيئة حاضنة مُغلقة على الطمأنينة؛ فإذا بها تصبح صالحةً لنشاط باكتيريا الخراب المُفضية للسقوط في الوحل.
-3-
غادر المهندس إبراهيم محمود موقعه، وجاء الدكتور فيصل حسن إبراهيم نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني، ومساعداً لرئيس الجمهورية، وهذه حلقة من حلقات التَّحوُّل المُتصاعدة.
فيصل جاء في مُهمَّة ضدَّ المُتفلِّتين ومراكز القوى و(الشلليات)، وإعادة ترميم صفوف الحزب.
أمس، تم إعفاء الفريق عماد عدوي من موقع رئيس هيئة أركان الجيش، وهو من القيادات المشهود لها بالكفاءة والتميُّز، وجاء الفريق كمال عبد المعروف (مُحرِّر هجليج) خلفاً له، ورغم أن التغيير قيل إنه روتيني وراتب، إلا أنه لا يبدو بعيداً عن مسار التغيير العام.
وقريباً سيمتدُّ التغيير إلى مجلس الوزراء؛ فقد صرَّح الدكتور فيصل بأن التغيير الوزاري ضروريٌّ ولازم، وتسريبات الصحف تُشير إلى تعديلات في قائمة الولاة، و(الحبل على الجرّار).
-4-
الناظر بتمعُّن لشخصيات القيادات الثلاث (قوش وفيصل وعبد المعروف)، يجد بعض القواسم المُشتركة بينها، وفي ذلك رسمٌ لملامح الفترة القادمة، وما هو مطلوب تحقيقه.
الثلاثة يجمع بينهم قوة الشخصية والحزم؛ وهذا لا يعني أن هذه الصفات لم تكن متوفرة في السابقين، فقد يكون لبعضهم صفات أخرى تُميِّزُهم أكثر مُلاءمةً لمُتطلَّبات مرحلتهم. أما صفات الثلاثة، فهي بمُعدَّلات أعلى بحسب احتياج الحال ومطلوبات الظرف ، وهذه ميزةٌ لا تقضي بالأفضلية في المطلق، على قول الفقهاء.
-5-
الدكتور فيصل حسن إبراهيم، بدا في أكثر من مُقابلة غير راضٍ عن وصفه بالصرامة ؛ بل يرى في ذلك الوصف شبهة كيد، وهو الوصف الذي أجمع عليه كُتَّابُ الأعمدة ومُحرِّرو التقارير الصحفية في رسم صورة تقريبية له.
لكن من الواضح أن صفة (الصرامة) المقرونة بالحكمة، مطلوبةٌ في هذه المرحلة داخل حزب المؤتمر الوطني كمزايا تفضيليَّة لمن يقود حزب بحجمه ؛ فلكُلِّ مرحلة مواصفات قياديَّة تتوافق وتحدِّياتها.
أكثر ما أفسد مجال العمل العام، التَّراخي والتَّسيُّب واللامبالاة، وضعف المتابعة والمراقبة وعدم العقاب على الأخطاء والتجاوزات، والهروب من تسديد الفواتير قبل غسل اليدين!
الخطأ الأكبر الذي ظَلَّتْ تقع فيه الحكومة وحزبها، أن تجاوزات منسوبيها – في كل مستويات إدارة شأن السلطة – كانت تُرحَّل (للحساب العام) ولا يُسدِّدُها المُخطئون من حساباتهم الشخصية بالجزاء والعقاب.
-أخيراً-
نعم، اختيار الشخصيات يوضح طبيعة المهام ويُسهِمُ في تحقيق المُراد في الراهن والقريب، ولكن سيُصبح الوضع أفضل وأمثل على المستوى الاستراتيجي، إذا انتقلت القوَّة والصرامة من الأفراد إلى طبيعة المؤسسات وآلياتها الذاتية، حتى تَنتَخِبَ الأصلح لكُلِّ وقت؛ فالأشخاص زائلون والمؤسسات باقية.
ضياء الدين بلال