تختلف جنائز الأغنياء في المغرب عن جنائز الفقراء. ولا يعدّ الاختلاف بسيطاً، إذ إنها تتسم بالبذخ في كل تفاصيلها، كالطعام والملابس
جنائز الفقراء ليست كجنائز الأغنياء في المغرب، لا شيء يجمعهما على الإطلاق. فإذا كانت جنائز الطبقات المسحوقة تشهد عويلاً وصراخاً، وتقدّم فيها القهوة والزيتون الأسود، والكسكس والدجاج في حالات أخرى، فإن للأغنياء طقوسا أخرى، وفيها أحياناً بذخ كثير.
في بعض الأحيان، يصعب على المعزّين التفريق بين جنائز العائلات الميسورة والحفلات، بسبب وجود كلّ ما لذّ وطاب من طعام، والاستعانة بمجموعات غنائية للمدائح، وارتداء أرقى الأزياء، وتوثيق العزاء بالصور والفيديوهات. الحسين عاطف، وهو طباخ سابق في شركة متخصصة في تنظيم الحفلات والمآتم، تسمى في المغرب “تريتور”، شهد الكثير من مظاهر البذخ والفرح في جنائز كان هو الطاهي المعتمد فيها، موضحاً لـ “العربي الجديد” أنّه كثيراً ما كان يسأل إن كان الأمر يتعلق بجنازة أم حفل زفاف، لولا غياب العريسين.
ويشرح عاطف أنّه بعد خروج جثمان الميت إلى المقبرة، يحضر المعزّون إلى بيت الفقيد. وخلال اليومين الأوّل والثاني، يقدّم الطاجين للمعزين، وهي أكلة مغربية تعدّ من أشهر الأطباق التقليدية في البلاد، وهي عبارة عن لحم وجزر، أو لحم مفروم مع الأرز. ويشير إلى تفادي تقديم أطباق باذخة في اليومين الأول والثاني. أما في اليوم الثالث بعد وفاة الميت، أو ما يعرف بالليلة الثالثة أو “ليلة العشاء” في البلاد، تُقدم للمعزين أطباق شهية تعدّ كلفتها عالية، وتكاد تُضاهي ما يُصرف في حفلات الزفاف.
وفي ما يشبه توديع الضيوف والمعزّين، تطلب العائلة الثريّة من منظم الحفلات إحضار عشاء فاخر مكون من أطباق تقليدية وعصرية، هي عبارة عن “طاجين” الدجاج واللحم المشوي أحياناً، مزينة باللوز والزبيب والسمسم، إضافة إلى العصائر والفاكهة بمختلف أشكالها، من دون نسيان أصناف الحلويات الفاخرة.
ومن طقوس البذخ الأخرى، بحسب منظّم آخر لحفلات الزفاف والجنائز، تقديم الأطعمة في صحون من فضة، واستقبال المعزين لمدة عشرة أيام، وأحياناً أكثر. وقد يمتد إطعام المعزين أربعين يوماً، وتشهد الليلة الأربعون طقوساً مختلفة. يقول لـ “العربي الجديد”: “تحضّر طقوس شبيهة جداً بحفلات الأعراس، من خلال الأطباق الشهية والمشروبات الغازية، والاستعانة بمجموعات غنائية للمديح والإنشاد، إضافة إلى فرق الطرب الأندلسي. إذ تسعى هذه العائلات إلى تخليد أسمائها من خلال تنظيم مآتم يضرب بها المثل في الكرم والجود، والتبذير أيضاً”.
وحول تكاليف مثل هذه الليالي، يقول المصدر نفسه، إن الأسرة الواحدة قد تدفع أكثر من مائة ألف درهم (نحو 10 آلاف دولار)، وذلك بحسب عدد الليالي التي يستقبل فيها أهل الفقيد المعزين ليقدموا لهم الأطباق الباذخة، إضافة إلى المدائح النبوية.
مظهر آخر من مظاهر البذخ في مناسبات العزاء والمآتم لدى كثير من الأسر الغنية في المغرب، خصوصاً العائلات العريقة في الرباط وفاس، يتجلّى في حرص النساء المعزيات على حضور المآتم بأزياء تقليدية راقية، مع مراعاة أحدث موديلات القفطان و”التكاشط”، دلالة على مكانتهن المادية وسط المعزّين والجيران.
ولا يتوقف التفاخر والبذخ لدى الأسر الغنية في مناسبات الموت على الأكل والشرب والملابس الأنيقة بعد توديع الميت، بل يتجاوزه إلى طريقة دفنه التي تختلف عن دفن الفقراء. ويقول حفّار القبور العربي البناي لـ “العربي الجديد” إن العائلات الغنية تتعاقد مع شركات خاصة لدفن موتاها في قبور من الخشب الفاخر. يضيف أن شركة دفن الموتى تتولّى كلّ شيء من الألف إلى الياء، بحسب رغبة العائلة الغنية. مثلاً، قد يوضع الميت في تابوت يساوي آلاف الدراهم، مشيراً إلى وجود مقابر خاصة للأسر الثرية تسمى مقابر عائلية، تتميز بمداخل وأشكال خاصة وزخرفات قرآنية. وتحرص العائلات الغنية على دفن موتاها فيها، لتمييزهم عن الفقراء.
إلى ذلك، يرى الواعظ الديني محمد سليماني، في هذه الطقوس التي تتسم بالبذخ والإسراف، سواء في العزاء أو الدفن، أمراً معيباً وعير مقبول، لافتاً إلى أنّ التبذير سلوك سيئ نهى عنه الدين. يضيف أن مثل هذا السلوك ليس تبذيراً فقط، بل تباه وتفاخر بين العائلات، وهذا مرفوض قطعاً. ويعزو تفشي هذه المظاهر لدى بعض الأسر الثرية إلى هيمنة التقاليد الغربية، التي لا تُقيم اعتباراً لفاجعة الموت. ويشير إلى أن “هذه الطقوس تجعل مناسبات العزاء أشبه بالأعراس”.
العربي الجديد