لا يختلف اثنان في أن ترهل الحكومة يعود للترضيات التي فرضتها الأحزاب السياسية والحركات المسلحة على الحزب الحاكم، والذي لا يمانع في الخطوة من أجل إرضاء حلفائه من المعارضة، ولكنه يتعمد وضعهم في مواقع ليست ذات أهمية، حتى لا تكون لهم سلطة في الحركة السياسية بالبلاد، وليس أدل على ذلك من مناصب مساعدي الرئيس الخمس، وإن كان الخامس الأكثر نشاطاً وإلماماً بالملفات الحساسة، لأن خلفيته تعود للمؤتمر الوطني، في وقت وجد بعض المساعدين انتقادات لاذعة من أحزابهم نسبة لعدم وجودهم في دائرة صنع القرار، غير أن بعضهم شكا من كونهم ضيوف داخل القصر .
بمراسيم رئاسية تعيين المساعدين
من أوائل مساعدي الرئيس كان قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي الذي دخل القصر بموجب اتفاقية أبوجا مع الحكومة في العام 2006م، قبل أن يعلن تمرده ويبعد عن المنصب، وكان يقول دائماً إنه (بلا صلاحيات)، بل وصف الرجل نفسه بأنه (مساعد حلة) .
والدكتور نافع علي نافع، والذي خلفه إبراهيم محمود، ومن ثم فيصل حسن إبراهيم قبل أيام قلائل، ويعد مساعدو الوطني الأكثر إلماماً بالملفات الهامة، والأكثر نشاطاً، غير أن الحزب الحاكم خصص نائب الحزب لتولي هذا المنصب.
ويأتي بعدهم رئيس حزب البجا موسى محمد أحمد والذي جاءت به اتفاقية الشرق في العام 2015، وظل مستمراً في منصبه حتى يومنا هذا .
وكان الرئيس البشير قد أصدر مراسيم رئاسية خلال تشكيل الحكومة في العام 2011، بتعيين ثلاث مساعدين إلى جانب موسى ونافع، في مقدمتهم نجل زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني (جعفر)، وكان حزبه معارضاً للحكومة، لكنه وافق على المشاركة السياسية معها بعد جدل واسع بين جماهير الحزب، وعقبه شقيقه محمد الحسن خلفاً له في ذات المنصب ولازال متواجداً في القصر .
كما تم تعيين العقيد وقتها عبد الرحمن الصادق الصديق المهدي، بدون موافقة والده زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، ولازال مساعداً للرئيس حتى يومنا هذا .
كما شمل قرار الرئيس تعيين الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل) الدكتور جلال يوسف الدقير مساعداً للرئيس، ولكن لم يستمر طويلاً في المنصب، كما لم يخلفه أحد من حزبه، ولم نرصد له شكوى خلال فترته، أو كما يقول العنوان (لاحس لا خبر) .
ليحل بديلاً عنه في حكومة الوفاق الوطني من جانب المؤتمر الشعبي الشيخ إبراهيم السنوسي .
عبدالرحمن قريب من الرياضة بعيد عن السياسة
اللواء عبدالرحمن الصادق المهدي، لم يسمع له صوت في العلن من قلة المهام التي توكل له، ويبدو أنه ارتضى بالنشاطات التي تتوافق مع هوايته وشغفه خاصة بالثقافة والرياضة (الفروسية)، حيث درج على افتتاح مثل هذه الأنشطة، بل ذهب الرجل إلى أبعد من ذلك عندما ضجت الأسافير بخبر نقلاً عن وكالة السودان للأنباء أن اللواء عبد الرحمن افتتح (مطعماً) بأرض المعارض ببري تملكه الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة، هذه الخطوة وجدت تداولاً وانتقاداً واسعاً للمساعد، لجهة أن دستورياً لا يجب أن يفتتح مطعماً أو مؤسسة هامشية .. غير أنه لم يشغل عبد الرحمن نفسه كثيراً بالقضايا السياسية التي تسببت في مواجهات مباشرة بين الحزب الذي يرأسه والده والحزب الحاكم، وعلى الرغم من عدم رضاء أسرته على مشاركته في هذا المنصب إلا انه ظل مستمراً حتى اليوم راضياً بما أُوكل إليه من مهام .
ويحدثني أحدهم أنه التقى بعبد الرحمن في مناسبة قبل فترة ووجه له سؤالاً: هل أنت مشارك في الحكومة فعلياً؟، فكان رد المساعد نعم مشارك، فوجه إليه السؤال الثاني هل أنت في دائرة اتخاذ القرار، أي بمعنى أنك تستطيع أن تتخذ قرار، فما كان من عبد الرحمن إلا أن يصمت و يظهر عليه علامات الغضب، بحسب ما أفادني محدثي .
موسى قريب من أهله كثير الصمت
أما موسى محمد أحمد فكانت مشاركته مثل رمزية زيه الشرقاوي، حيث صب جل اهتمامه بقضايا الشرق، ومنذ هبوطه في القصر الجمهوري قبل أكثر من عشر سنوات، كانت لغة الصمت هي الأبرز في العلاقة بينه وبين الحزب الحاكم، بيد أنه لم يشكُ من قبل من قلة المهام أو التهميش، بل إن رئيس الجمهورية منحه وساماً تقديراً لجهوده .
ويقول أحدهم انه همس في أذن موسى أثناء زيارته للشرق بالقول: (يا موسى الحكومة مثل الأم ترضع الطفل الذي يجيد الصراخ)، فاكتسى وجهه بابتسامة عريضة ولزم الصمت كعادته، ومع هذا ليس مؤملاً منه أن يقوم سوى بما يحدد له موقعه أو منصبه من مهام إجرائية وحسب، فهو لا يميل كثيراً للأضواء والثرثرة ليس لأنه زاهد فيهما، وبحسب مراقبون فإن الأضواء تجعله في مرمى النيران والنقد .. وفي الآونة الاخيرة درج موسى على افتتاح وتشريف بعض الفعاليات .
ويقول أستاذ العلوم السياسية محمد الشقيلة، إن هناك مناصب تنفيذية تدخل في إطار الدستورية، بينها مساعدي الرئيس، يعين فيها البشير من يشاء في إطار الموازنات والترضيات السياسية، وأشار إلى أنه لاتوجد مهام واضحة للمساعدين، وأنهم في الغالب راضون بذلك، بإعتبار انهم حصلوا على المناصب بنوع من الترضية والتسوية .
السنوسي قريب من الرئيس بعيد عن اتخاذ القرار
و يعتبر الشيخ إبراهيم السنوسي من أكثر المساعدين الذين يواجهون ضغوطات من جانب قاعدة حزبه المؤتمر الشعبي، بيد أن مشاركته في هذا المنصب كانت مثار جدل مسبق، ووجدت الرفض من قبل بعض منسوبي حزبه، إلا أن تنصيب علي الحاج أميناً للشعبي جاء به مساعداً، لجهة أنها كانت (مطبوخة) بحسب مراقبين لساحة الشعبي .. ومنذ أن أدى القسم لم نر السنوسي إلا في الفعاليات الدعوية والدينية والطلابية، بجانب أنه لم يدل بأي تصريح حول الاوضاع الاقتصادية، أو الحريات التي خطها الشيخ الترابي وبسببها قاد الشعبي معركة مع الحزب الحاكم، كل هذا جعل بعض قيادات الحزب تطالبه بالاستقالة من المنصب وفض الشراكة، نسبة لعدم وضوح دور له فاعل في الحكومة، وكان القيادي بالحزب كمال عمر قد قال من قبل (شيخ إبراهيم شغال في القصر يفتتح المشاريع ويحضر الزيجات والفواتح، ورضي أن يكون جنب الرئيس للونسة)، وأضاف: (المساعدون الذين أعقبوا مناوي من السنوسي إلى حد موسى محمد أحمد مجرد ديكور) .
ولكن عضو الشعبي عمار السجاد يرى غير ذلك، فهو يقول إن قيمة مشاركة السنوسي ليس في افتتاح الفعاليات، بل في أنه ممثل الشريك الأقوى في الحوار الوطني، بجانب أنه الأقرب للرئيس ميدانياً وتاريخياً من بين المساعدين بما فيهم مساعد الوطني، وأضاف أنه يمثل صمام أمان المشاركة، وأشار إلى أن هناك بعض الأمور التي يقوم بها السنوسي، لكنها لا تقال ولا يعرفها الناس.
ود الميرغني كثير الزعل قليل الكلام
ولأنه مضى سنوات طويلة في المنصب، أطلق على ممثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الحسن الميرغني صفة (كبير مساعدي الرئيس)، وهو الآخر شكا مر الشكوى من عدم تكليفه بمهام حقيقية، وعرف عنه انه عندما يزعل من التهميش يغادر مغاضباً إلى القاهرة معبراً عن عدم رضائه، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، بإطلاق مقولة أصبحت مشهورة وهي (لو كان الحسن ينتمي للمؤتمر الوطني لفصلته)، فالحسن الذي كلف بملف قاعة الصداقة اعتبره ملفاً هامشياً ولا يليق به وبحزبه، غير أن عضوية حزبه لم يرضها وجود ممثلها دون مهام تذكر، حيث شكت النائبة البرلمانية عن الاتحادي الأصل مواهب السيد من تجاوز الحكومة للحسن في تشكيل المجالس الرئاسية، رغم أنه يمثل الرجل الثالث في الحكومة بعد الرئيس ونائبه الأول . عدم تكليف الحسن بملفات موضع اتخاذ القرار، جعله يفشل في ميقات ضربه لإحداث تغييرات حقيقية على أرض الواقع، وهي 180 يوماً، وقال وقتها إنه مستاء لأنه لم يستطيع تحقيق شيء كان من المفترض يحققه، الحسن قال (هناك عشرات الناس الذين بقوا في مناصبهم لكنهم لم يقدموا شيئاً للبلد، ونحن لا نريد أن نكون منهم)، إضافة إلى أن ابن الميرغني انشغل بخلافات داخل حزبه كثيراً .
اخر لحظة.