(امتصاص السيولة)..
جدل المشكلة والحل..
* خبراء: الإجراء أثار الهلع وأدى الى نتائج عسكية
* المالية: المركزي سيتوقف عن امتصاص السيولة النقدية
* مصرفي: سحب العملاء لودائعهم زاد الأموال خارج البنوك
* اقتصادي يقترح طرح منتجات مصرفية جديدة لجذب الأموال..
* توقعات بإنهيار البنوك حال فتح السحب من الودائع..
منذ بداية العام الحالي ارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه بصورة كبيرة خصوصاً بعد إجازة الميزانية العامة التي أحدثت تحولاً في أسعار السلع الاستهلاكية تلتها قرارات متعددة فيما يخص أسعار الدولار الجمركي والتأشيري، واتخذت الحكومة عقب ذلك إجراءات للحد من المضاربات في النقد الأجنبي على رأسها امتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، بجانب إجراءات غير معلنة بتحديد سقوفات السحب النقدي بالبنوك والتي أدت الى تذمر العديد من المواطنين بعد فشلهم في سحب مبالغ كبيرة من أموالهم، وقد تباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول مدى فاعلية سياسة امتصاص السيولة في الحد من الارتفاع المستمر في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
تحجيم الكتلة النقدية
لمواجهة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة والارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية وفوقها سعر صرف الدولار مقابل الجنيه؛ عقدت الحكومة اجتماعاً رئاسياً برئاسة رئيس الجمهورية وجه بامتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، وقال وزير الدولة بوزارة المالية عبد الرحمن ضرار إنه تقرر ضرورة الاستمرار في امتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي ليتم توظيفها في المشروعات الإنتاجية، وأكد أن المركزي سيتوقف عن امتصاص السيولة النقدية خلال أيام، وأنه حاول تقليص حجم النقود المتداولة بين الناس بعد ورود معلومات تشير الى سحب مبالغ كبيرة لشراء الدولار، وكان قد سبق تلك الإجراءات توجيه رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بالتعامل بصرامة مع مخالفات بعض المصارف والشركات في حصائل الصادرات، وكشف أن هناك عميل واحد قام بسحب مبلغ (90) مليار جنيه من أحد المصارف دون أن تحديد مصدر المال وأوجه صرفه.
وكان تجار بالسوق الأسود أكدوا توقف عمليات البيع والشراء للعملات الأجنبية لعدم توفر السيولة لديهم، في وقت ارتفع سعر الجنيه مقابل الدولار، وعقب هذه الاجراءات شهدت الصرافات الآلية شحاً لافتاً في السيولة، وتجمهر عدد من المواطنين أمام البنوك وداخلها في محاولة لسحب أموالهم، ما دعا أكد بنك السودان المركزي، الى التأكيد على توفر وسلامة وضع السيولة في البلاد، ونفى صحة ما تناقلته الوسائط في ما يلي تحديده لسقف السحوبات المالية بعد فشل مواطنين في سحب مبالغ أكبر من أموالهم لدى البنوك، وقال محافظ البنك حازم عبد القادر حينها إن البنك المركزي لم يصدر أي منشور بهذا الخصوص وإنه ليس هناك حاجة لمثل هذا الإجراء، مؤكداً توفر وسلامة وضع السيولة في البلاد وأن ما يقال شائعات مغرضة. وعلى ضوء ما أحدثته سياسة امتصاص السيولة من ركود حسب خبراء في الأسواق لم يستبعد وزير الدولة بالمالية عبد الرحمن ضرار خلال الأسبوع الماضي أن يوجه البنك المركزي، المصارف التجارية باستئناف عمل نظم الدفع عبر الصرافات الآلية هذا الأسبوع بعد توقف خدماتها، وكان ضرار برر في البرلمان خطوة البنك المركزي بتقليص عرض النقود المتداولة خارج النظام المصرفي، وعدم تغذية الصرفات الآلية بالأموال، باتجاه المواطنين لسحب أرصدتهم وتحويلها الى دولار، وأقر بأن مشكلة توقف ماكينات الصرافات الآلية لا تزال قائمة، وتوقع أن يسمح المركزي بمزاولة عملها هذا الأسبوع. وقبل بدء الحكومة في امتصاص السيولة أقر رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني حسن طه بحدوث هلع لدى المواطنين بسبب انخفاض قيمة الجنيه امام الدولار مما ادى الى تزايد الطلب على الدولار، وشدد على أن ذلك يتطلب اتخاذ البنك المركزي ووزارة المالية اجراءات قوية، واعتبر أن السيولة الزائدة في الاقتصاد بالاضافة الى التوسع الحكومي في اصدار خطابات ضمان كبيرة تسبب في حدوث ذلك، وطالب بخفض السيولة في السوق والانفاق الحكومي لتقليل الطلب المتزايد على الدولار.
تحجيم السيولة
وأعلن بنك السودان الشهر الماضي والحالي موجهات جديدة بخصوص النقد الأجنبي واحتسب سعراً تأشيرياً جديداً للدولار برفعه من 18 جنيهاً إلى 30 جنيهاً، وكان قد سبقه الدولار الجمركي بزيادته 6،5 الى 18 جنيهاً، قبل أن يتراجع بنك السودان المركزي، عن اعتماد سعر الصرف لتذاكر الطيران من (30) جنيهاً مقابل الدولار، الى (18) جنيهاً. وقال الخبير الاقتصادي د.محمد الناير، إن الإجراءات المتبعة من البنك المركزي لتحجيم السيولة هي إجراءات مؤقتة لتقليل الطلب على الدولار ولا يمكن الاستمرار في تطبيقها، والوسيلة الدائمة والأفضل هي تفعيل منظومة الدفع الإلكتروني أو عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول ليتم القضاء على نسبة كبيرة من عمليات تداول النقود والدفع النقدي. ويرى الخبير الاقتصادي د.عبد الله الرمادي أن الجانب النقدي في سياسات البنك المركزي به تراكمات لأخطاء أولها المفهوم الخاطئ لدى القائمين على الأمر في نظرية الكتلة النقدية، وتابع: “فُهمت خطأ وطبقت خطأ حتى أنهم جففوا الإقتصاد من السيولة نتيجة للخطأ في الفهم، وهذا أدى الى عدم توفر سيولة في القطاع المصرفي يمكن أن تذهب الى تمويل الإنتاج من زراعة، وصناعة، وخدمات تدفع عجلة الإقتصاد الى الأمام، موضحاً في حديث سابق لـ(الجريدة) أنه تم تعطيش الإقتصاد الى أن حدث كساد، وتابع: “هو أسوأ ما يكون في الإقتصاد، أي اجتماع الضدان، وهما التضخم وفي نفس الوقت كساد، ويسمى الكساد التضخمي“.
سياسة أخرى
بدوره أوضح الخبير المصرفي إدريس علي عبد الرحمن في تصريح لـ(الجريدة) أن العملاء يأتون الى البنوك لسحب الودائع الخاصة بهم، وكلما زادت السحوبات تقل الودائع لدى البنوك، الأمر الذي يتطلب من بنك السودان المركزي أن يغذي البنوك التجارية لكي يمرر حساب الودائع وتؤدي الى معالجة مشكلة السحوبات الكثيرة، مؤكداً أن تحجيم البنك المركزي للسيولة اجراء غير سليم ويمكن التحجيم بسياسة أخرى تفيد العملاء وتخلق ثقافة مختلفة لديهم حول السحب من الودائع، مبيناً أن السياسية الحالية تؤدي الى هلع وزيادة في الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي، بينما تصبح داخل الجهاز المصرفي ليست كبيرة، مشيراً الى أن وزير المالية تحدث خلال الأيام الماضية عن وقف تحجيم السيولة خلال سبعة أيام وهو كلام غير صحيح مما يخلق عدم إطمئنان يؤدي الى إحجام الناس عن التعامل مع البنك بمعنى أن مؤشر الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي سيواصل في الازدياد، موضحاً أن البنك المركزي سيعاني خلال الفترة القادمة اذا استمرت السياسة الحالية بسبب حدوث عدم ثقة مع البنوك الأخرى في وقت تقل الأرصدة والودائع ولا يمكن للبنك أن يمول مشارعيه. وشدد الخبير المصرفي على أهمية أن تكون هناك ثقة بين العميل والبنك في التعامل لأن أقل هدم لهذه الثقة يؤدي الى إحجام العملاء من التعامل مع البنوك، ويقلل فرص البنوك في تمويل المشاريع لأن الكتلة النقدية تكون ضعيفة بسبب احتفاظ العملاء بأموالهم خارج النظام المصرفي، مؤكداً أن هذه العملية تهز الثقة بين البنوك والعملاء وتزيد الكتلة النقدية المتداولة خارج المصارف.
تنشيط الصكوك
وقال المحلل الاقتصادي د.هيثم فتحي إنه اذا كان هناك غرض من امتصاص السيولة فهو تحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي ليتم توظيفها في المشروعات الإنتاجية وخفض قيمة العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وامتصاص الجزء الأكبر من السيولة المتوقع خروجها من المضاربات في السوق العقاري وسوق العملات وسوق الذهب، مضيفاً أنه لذلك لابد من تنشيط إصدار الصكوك الحكومية، وأن تعمل على تمويل الميزانية العامة من التدفقات المالية، وامتصاص السيولة من السوق، مبيناً أنه لكن على المدى الطويل أو المتوسط له آثار سلبية تتمثل في زيادة الانكماش وتقليل التوظيف وبالتالي انخفاض معدلات النمو، خاصة أن توفر السيولة الذي يصاحبه عرض ثابت من السلع والخدمات وانخفاض قيمة الجنيع السوداني سببان رئيسيان للتضخم، وأوضح أنه سوف يستمر ضخ المزيد من القرارات والإجراءات الحكومية الهادفة إلى معالجة التشوهات المنتشرة في السوق ولها تأثير ستتركه في تصحيح الأسعار المتضخمة والتوقعات بخروج أحجام كبيرة من السيولة المضاربة في السوق نتيجة لذلك، وتوقع فتحي في ظل محدودية حجم وعدد قنوات الاستثمار المحلية بتنوعها وتعددها وزيادتها أن تتوافر القدرة لديها على امتصاص أجزاء أكبر من السيولة النقدية، مشيراً الى أنه على المصارف انتاج منتجات مصرفية جديدة تهدف إلى امتصاص السيولة النقدية من السوق بصفة عامة، لأن المنتجات المصرفية ذات العائد المالي المجزي ستوجه الأموال الفائضة لدى العملاء إلى إيداعها في البنوك، وهو ما يقلل من المعروض من النقد في السوق، وانخفاض المعروض النقدي سيؤدي إلى انخفاض الطلب، وبالتالي يؤثر إيجابيًا على نسب التضخم لتصبح موجهة أكثر إلى الإنتاج بدلاً عن الاستهلاك، وأكد أن تقليل حجم السيولة وخففض الانفاق الحكومي من السياسات المالية والسياسات النقدية الممكنة للحد من إجراءات التضخم، لأنه عند تطبيق إجراءات الإصلاح الاقتصاد ينتج عنه حدوث ارتفاع لمعدلات التضخم وذلك بسبب ضعف الهيكل الإنتاجي والاعتماد على الاستيراد.
ومن جهته أوضح أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، بروفيسور عصام الدين عبد الوهاب بوب، أن فاقد السيولة هو أمر اقتصادي عام ويهدد الاقتصاد الوطني السوداني، وقد سبق على مدى سنوات متعددة التحدث عن هذا الأمر وخطوات زيادة السيولة في الأسواق العامة، لأن لها أثر سالب على النمو الاقتصادي، وهو أحد أسباب التضخم، مبيناً أن الحكومة حاولت أن تتراجع عن طباعة النقود وزيادة حجم الكتلة النقدية، ولكن كان ذلك بإجراءات قاسية ومنها تحجيم المداولات المصرفية وتثبيت سعر الدولار، مضيفاً في حديث لـ(الجريدة) أن التضخم صحيح له أثر سلبي على دخل المواطن وصحة الاقتصاد الوطني ولكن الأخطر منه هو حدوث الكساد والذي يقتل الاقتصاد في أي بلد، بالإضافة الى أن الكساد يؤدي الى ظاهرة الركود التضخمي وهذا يوقف الاقتصاد بصورة كاملة مثلما يحدث اليوم، مشيراً الى أنه كان الأجدر للحكومة أن يكون لديها موارد حقيقية لكنها أهملت ذلك، أو أن يكون هناك كابح لطباعة العملة الوطنية، أو أن تتبع طريقة مختلفة لامتصاص الأموال الزائدة عن طريق شهادات استثمار أو صكوك، لكنها لم تفعل أي من ذلك، متوقعاً أنه عن إعادة فتح البنوك والسماح للناس بالصرف من الودائع أن تذهب كل الودائع وتنهار البنوك مباشرة.
الجريدة: تقوى موسى
صحيفة الجريدة