ظلت العلاقات المصرية السودانية في حالة مد وجزر علي الرغم من انها تعتبر ذات ارتباط وثيق وبعد عميق، وذلك مرده الي أن الحكومات المتعاقبة علي البلدين لم تواجه نفسها بضرورة الحل الشامل وازالة ما يعترض طريق تواصلهما، ولكنها اتخذت أسلوب التهدئة والتسكين للمشاكل العالقة بينهما، خوفاً من المواجهة التي يمكن ان تؤدي الي طريق مسدود بينهما كما حدث خلال الفترة الماضية التي وصلت الى شبه اعلان الحرب الباردة، الى ان البلدين قررا فتح صفحة جديده بينهما في اعقاب اللقاء الذي جمع رئيسي البلدين على هامش القمة الافريقية التي انعقدت مؤخرا باديس ابابا.
عودة دفء العلاقات
الاجتماع الرباعي بين «وزيري الخارجية ورئيسي المخابرات للبلدين» الذي التأم بالقاهرة في الثامن من الشهر الجاري يبدو انه كان خطوة لاستعادة الدفء بين مصر والسودان، و بدأت «عودة الروح» للعلاقات بين البلدين حينما اعلنت مصر في خطوة تعد في اطار تحسين العلاقة بين «الخرطوم» و»القاهرة» إيقاف البث الإذاعي لراديو « دبنقا» الذي يدار من قبل مناهضين للحكومة.
كما ان الحكومة المصرية سارعت بنفي ما «رشح» في وسائل التواصل الاجتماعية من خبر مفاده ان الخرطوم طالبت الاخوان المسلمين «المصريين» في السودان بمغادرة البلاد فورا ، واكدت عدم علمها ملاحقة السودان لقيادات إخوانية على أراضيها، أو طلبها منهم مغادرة الخرطوم، لافتة إلى أن المشاورات الثنائية المصرية السودانية، أكدت ان السودان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يأوي عناصر تعمل ضد الدولة المصرية على أراضيها. مراقبون اعتبروا ان ما قامت به مصر من تصريحات مؤخرا يعد في اطار عودة الروح بين البلدين .
إيقاف بث راديو دبنقا
الخطوة التي قامت بها مصر والتي وصفت بـ»المفاجئة» لعدد من المهتمين بإيقاف بث إذاعة «دبنقا» الموجهة لتناول الأحداث في إقليم دارفور من القمر الصناعي المصري «نايل سات» اعتبرها بعض المراقبين بانها خطوة في اطار تحسين العلاقات مع السودان.
و أصدرت إدارة الإذاعة التي تبث برامجها من هولندا، تنويها لمتابعيها قالت فيه: «نتيجة لأسباب خارجة عن إرادتها تم إيقاف البث عبر القمر المصري نايل سات يوم «الأحد» الماضي ، وإنهم تحولوا لبث البرامج إلى القمر الصناعي «إنتل سات».
وتخصص إذاعة «دبنقا» برامجها لرصد الأحداث في دارفور وأجزاء البلاد المختلفة، وتصنفها الحكومة السودانية كواحدة من أكثر وسائل الإعلام عداء لها.
تجاوز الاتهامات
وفي منحي اخر تغيرت لهجة التصريحات المصرية بشأن ما يثار في الاعلام ووسائل التواصل ويؤدي لتوترات العلاقات بين البلدين، حيث نفي المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، في مداخلة على فضائية «سي بي سي» علمها ملاحقة السودان لقيادات إخوانية على أراضيها، أو طلبها منهم مغادرة الخرطوم
، وقال «لم يتم إخطارنا بملاحقة القوات الأمنية السودانية لعناصر إخوانية هناك أو مطالبة قيادات بمغادرة البلاد». ولفت، إلى أن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، كان قد أكد «خلال اجتماع وزراء خارجية مصر والسودان أن بلاده لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تأوي عناصر تعمل ضد الدولة المصرية على أراضيها» ، وأضاف أبو زيد «الوعود السابقة أكدت أنه لن يكون هناك أي شخصٍ يعمل ضد مصر على أراضي السودان».
«الخرطوم» تنفي
وبدورها نفت «الخرطوم» وجود قيادات من الاخوان المسلمين المصريين في السودان، وقال عضو القطاع السياسي للحزب الحاكم السوداني عبد السخي عباس، لا وجود لقيادات من جماعة «الإخوان المسلمون» المصرية في السودان. واضاف عباس «لا يوجد إسلاميون مصريون بالسودان»، وزاد «وإذا كانوا موجودين لحددتهم مصر بالاسم، وطالبت بتسليمهم». ونوه إلى أن «الحديث المتداول عن طلب السودان مغادرة الإخوان المسلمين أراضيها، من بنات أفكار وسائل الإعلام». وشدد عباس على أنه «لا توجد روابط سياسية أو تنظيمية بين المؤتمر الوطني وتنظيم الإخوان المسلمين في مصر».
عهد جديد
يبدو ان عهدا جديدا بدأ بين «الخرطوم» و»القاهرة»، وتوقع مراقبون من العهد الجديد مع مصر حل مشكلة الحدود الأزلية المسكوت عنها، وإنهاء الاحتلال العسكري لحلايب وإيقاف سياسة التمصير التي انتهجها نظام حسني مبارك، واعتماد الطرفان أسلوب الحوار أو التحكيم لحل المعضلة نهائيا، وقد يكون ذلك في إطار منطقة تكامل كما هو مقترح لخدمة البلدين، ولكن في ظل الحق القانوني للسودان في حلايب ومناطق الخلاف الأخرى ،كما يحتاج السودان لتطوير علاقاته أمنيا وعسكريا مع مصر بشكل لا يدعو لإثارة البيئة المحلية والإقليمية والدولية ،بجانب إن قضية مياه النيل تحتاج لبلورة رؤية سودانية مصرية تخدم مصالح دول الحوض الأخرى .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستدوم علاقات الجوار الطيبة بين «الخرطوم» و «القاهرة» في ظل بقاء القضايا العالقة بين البلدين، بما فيها سد «النهضة» ومثلث «حلايب» لتعكير صفو العلاقات مرة اخرى ؟
الصحافة.