الجهاز، نظرة عن قرب (3)
ظل ذلك الغموض المدهش يحيط بجهاز الأمن وقياداته، ماذا وراء تلك الأسوار العالية؟
أغسطس 2009، رسم الكاتب الصحفي المعروف طلحة جبريل، صورة معبرة في صحيفة الشرق الأوسط، عن “قوش السوداني”..
حينها لم تكن الوسائط متاحة كما الآن، والخطوط الحمراء الموضوعة كثيرة.. حقائق ومعلومات سردها طلحة دلت على أن ما يحيط بالرجل لم يكن من فراغ.
هناك ما ظللنا نلمسه ونشعر به ونشاهده في حياتنا اليومية، من أفراده المنتشرين في الجامعات والمستشفيات والمؤسسات الحكومية وغيرها، وأيضاً أولئك الذين نتعامل معهم بحكم أننا صحفيون وهم أمنيون. في ذات الوقت، كانت هناك فئاتٌ أخرى قادرة على جذب مخابرات العالم إليها، وتأكيد قوتها ومقدرتها وذكائها.
إذن، هناك ما هو موجود، لكننا لا نسمع به أو نراه.
في عهد قوش كانت الاعتقالات السياسية عالية والرقابة القبلية على الصحف مشددة، كانت هناك حقائق اختلطت بعضها بالشائعات، ولم تجد التصحيح إلا بعد فترة.
وفي عهد عطا، استمرت الرقابة الأمنية وربما قلت الاعتقالات السياسية، لكنها شهدت حدثين مهمين، أحداث سبتمبر وما خلفته من شهداء، ومصادرة 10 صحف في يوم واحد.
وفي العهدين كان هو الجهاز، يعتقل ويصادر ويقلل الحريات، وهو ما يظهر لنا، ويساهم في حفظ الأمن وبسط الاستقرار وتوفير المعلومات والكشف عن الجرائم، وأشياء أخرى، وهو ما يبقى عندهم.
لكن ما الذي تغير؟ في السابق كان هناك شعور ملازم، لعدد من أفراد الأمن، أنهم أصحاب السلطة والقوة الأولى، الآمرون والناهون، الذين يُراقِبونَ ولا يُراقَبون، ما يصدر منهم غير قابل للمراجعة، بل إنهم لم يعتادوا على التحاور والنقاش. الآن، تغير الوضع قليلاً، أصبح أفراد الجهاز منشرين على مجموعات الـ “واتساب” و”فيسبوك”، يستمعون إلى الآخرين، بذات الطريقة العنيفة شاءوا أم أبوا..
ظنون الناس ومشاعرهم وأحاسيسهم حول شخوصهم وأدائهم ومؤسستهم، تصلهم مباشرةً بلا نقل أو تلوين، أو خوف.
ما يقوم به أي منهم، ينتشر خلال دقائق في العالم أجمع، لم تعد السيطرة كما السابق، لذا لم يعد التعامل كما كان.
نشاطات إيجابية كان يقوم بها الجهاز في الخفاء، بات يُظهرها في العلن، كما دخل أفراده المنتسبون إلى إداراتٍ مختلفة في حوارٍ مباشر وغير مباشر مع المجتمع.
قال صحفي، حينما شاهد بعض أفراده يعرفون عن أنفسهم وعملهم في أحد مؤتمرات السيسا، “لأول مرة أتحدث وأضحك مع الأمن، فأنا لم أقابل سوى الرقيب الأمني أو الذي يعتقلني ويستجوبني، لا أحبهم ولا يحبونني”!
الأمن لن يكتمل عمله ويصل إلى مستواه الأفضل إن لم يتعاون معه أفراد المجتمع، ويؤمنوا بأنه مؤسسة لإعطاء الحقوق وليس سلبها.
بدأ الجهاز قبل فترة، في تحسين شيء من الصورة المشوهة، نأمل أن تستمر، فإن بَسَطَ الحريات ولو قليلاً وتعامل بشيء من اللين، كسب الناس إلى صفه وبجانبه، وإن زادت قسوته، زاد ما لا تحمد عقباه!
انتهى
بقلم
لينا يعقوب
السوداني