أطلقت الحكومة مساء أمس عدداً كبيراً من المعتقلين السياسيين والصحافيين والناشطين، بعد أن قضوا فترة اعتقال منذ بداية التظاهرات في (18) من يناير الماضي على خلفية الأوضاع الاقتصادية،
ووضع جهاز الأمن والمخابرات الوطني نهاية للتكهنات والجدل السياسي حول الاعتقال الذي استمر لشهر للمجموعة الأولى وبضعة أسابيع للمجموعات الأخرى، عندما أعلن عن قرار مديره العام الفريق أول صلاح قوش عصر أمس بإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، لتطوى صفحة وتنشر صفحة أخرى في التعامل مع العمل المعارض إذا كان سليماً ولا يجنح إلى التخريب أو يرتبط بأية أجندات خارجية، ولعل لغة الحوار والتجادل بالحسنى ستكون هي الغالبة في المرحلة المقبلة، وهذه هي رسالة قرار إطلاق سراح المعتقلين.
> ما حدث أمس هو قرار حكيم وشجاع وجريء من قيادة جهاز الأمن والمخابرات، بعد التشاور مع قيادة الدولة في كيفية صنع مناخ سياسي جديد، وفتح نوافذ تجدد هواء العمل العام وتدفع في اتجاه مغاير لمنطق المواجهة والمصادمة، والسعي من المعارضة بلا هدى ولا كتاب منير لإسقاط الحكومة، فالمعارضة انكشف ضعفها وهزالها خلال محاولة الاحتجاج الأخيرة فعزلها الشعب وانفض عنها، ولم تجد لها مؤيدين يستطيعون ملء حافلة دعك عن مظاهرة، وبدا واضحاً أن الحكومة من تلقاء نفسها وثقتها في ثبات موقفها وتأييد قطاعات الشعب معها رغم الضنك وضيق العيش، سعت إلى هذه الخطوة ومد يدها بيضاء من غير سوء للجميع، إن ارتضوا الحوار والتفاهم حول قضايا البلاد مضت معهم في الطريق من أجل حالة من التراضي الوطني وقبول قواعد اللعبة بالتداول السلمي للسلطة والتعاطي بمسؤولية مع قضايا البلاد، وإن أرادوا شيئاً آخر غير ذلك فلا ضير، لكن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي وستتعامل مع كل حادث بظرفه وبما يستحقه.
> عندما تفتح الأبواب وتخفض الحكومة جناحها وتعمل على تصفير الحياة السياسية وتجعلها بلا معتقلين سياسيين على خلفية إبداء الرأي أو التظاهر السلمي، فإنها تنطلق من رؤية واضحة لا بد أن تعززها بمزيد من الحريات العامة، ولا تعاني الحكومة من أية ضغوطات عليها سواء أكانت من الخارج أو الداخل، فالعالم مشغول بحروباته وخلافاته وما يجري في دول كثيرة من تحولات، كما أن الداخل السوداني ليس فيه ما يجبر الحكومة على الإسراع بإطلاق سراح المعتقلين، ما اتخذته الحكومة تعلم جيداً أسبابه ودوافعه، وأهمها تهيئة الأجواء لمرحلة بها قدر معقول من التفاهم والحرص على المحاورة البناءة والفاعلة وتجسير الهوة مع المعارضين.
> وفي جانب المعارضة هناك كما علمنا اتصالات مكثفة كانت تجرى ولقاءات ووساطات للإفراج عن المعتقلين والناشطين السياسيين، كلها تشير إلى أن المعارضة وأحزابها وعت وفهمت الدرس، فالثورة المنتظرة التي عملوا لتفجيرها لم تأتِ، ولا الشارع المرجو منه الخروج قد خرج، والجماهير المطلوب منها أن تغضب وتثور لا هي غضبت ولا انتفضت أو ثارت!! فكل أحلام المعارضة تبخرت في الهواء وحملتها رياح الشتاء الباردة وتحت نهارات الخرطوم الدافئة.. فما الذي يمكن أن تفعله أحزاب المعارضة غير البحث عن الطريق الذي يفضي الى الحقيقة، وهي التفكير في مسار العملية السلمية والمشاركة في ترسيخ ديمقراطية مستدامة، ولن يكون ذلك بالمواجهات وحمى الصراع غير المنتج.
> ربما تكون هذه الخطوة من الحكومة بدايةً لمرحلة جديدة تضع البلاد على عتبة أخرى، وقد تكون هذه من الفرص النادرة لإعادة اللحمة السودانية إلى تماسكها، خاصة أن التحديات كبيرة أمام الجميع، فالأوطان تبنى بالاتفاق والتوافق وليس بالاختلاف والشقاق، فليس لدى المعارضة ما تكسبه إن تعنتت وليس لدى الحكومة ما تخسره في هذه المرحلة، فلعل الله يهدي الجميع إلى الصواب وينجو السودان مما يُحاك ضده وما يُدبر له بليل.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة