تابع الملايين حول العالم أول أمس الثلاثاء سليلة بني يعرب، الإعلامية الأمريكية السورية اللامعة هالة غوراني، مقدمة برنامج (هالة غوراني هذا المساء) على شبكة سي إن إن الامريكية، وهي تناقش مع عدد من الشخصيات المؤثرة التطورات المستجدة في مجال العمل المدني الدولي، في أعقاب الأنباء المروعة عن تجاوزات منسوبي منظمة أوكسفام، الأكثر شهرة في عوالم الإغاثة الدولية، المنتشرين فوق أركان الدنيا الأربعة، الأمر الذي دفع عدداً من الحكومات الأوربية المانحة للإعلان عن اتجاهها لتقليص أو إيقاف مدفوعاتها المالية لعدد من المنظمات، لا أوكسفام وحدها.
وقد كانت ضمن المستضافين المشاركين في البرنامج المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام ويني بيانيما التي أقرت بما طارت به وكالات الأنباء حول الفظائع المسندة لموظفي وعمال منظمة أوكسفام ذات الصيت والوجود المكثف في حقل العمل الإنساني الدولي. وقد تتابع الاهتمام الإعلامي فخصصت عدد من الصحف الأوربية، في مقدمتها صحيفة تايمز اللندنية مساحات واسعة لرصد وتقييم وتحليل تداعيات الحدث. ولا بد أنك، أعزك الله، قد وقعت على البيان الصادر عن حبيبنا أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة أول أمس يعلن فيه استنكاره وأسفه ويعبر عن نيته إجراء تحقيق شامل حول أخلاقيات وآليات عمل المنظمات المدنية الدولية.
أغلب التجاوزات التي أُميط عنها اللثام تتعلق بفضائح السلوك الجنسي المشين واستغلال موظفي وعمال المنظمات لأحوال الضعف الإنساني والأوضاع المزرية للاجئين بالاعتداء المباشر على النساء والأطفال والصبية أو المشاركة في تجارة الجنس والبشر عبر قارات العالم. يضاف إلى ذلك فضائح أخرى تتعلق بالفساد المالي والتقارير الكاذبة عن أوضاع اللاجئين واحتياجاتهم. أذهلني ما كَشفَ عنه بعض القريبين من تلك الملفات ومن بينهم أندرو ماكلويد الرئيس السابق لمركز عمليات الطوارئ في الامم المتحدة الذي أذهل العالم بتصريحه المدوي بأن عدد ضحايا الاستغلال الجنسي بواسطة منسوبي المنظمات يتجاوز ٦٠ ألف حالة انتهاك لأعراض اللاجئين في المعسكرات. ثم قوله: (ان آلافاً من موظفي الامم المتحدة من ذوي الميول الجنسية نحو الاطفال منتشرون عبر العالم مع حصانة تمكن الواحد منهم من فعل ما يشاء طالما ارتدى قميص اليونسيف)! ولكنني توقفت بصفة خاصة عند حقيقة أكثر إدهاشاً كشف عنها المسئول الاممي الرفيع لشبكة سي ان ان ، وهي أن أغلب منظمات المجتمع المدني الدولية لا تملك أنظمة أو لوائح للتحقيق والتحري في مثل تلك التجاوزات، بل أن قياداتها الإدارية والتنفيذية تميل إلى التستر على المخالفات عند العلم بها والعمل على تغطيتها وإخفائها.
من بين الخلاصات اللافتة التي وقفت عليها من خلال متابعة الأصداء الصاخبة المصاحبة للقنبلة الإعلامية الأخيرة ما عبَّر عنه البعض في مسالك القنوات المختلفة الاتهامات الكثيفة الموجهة للمنظمات بصفة عامة بأنها تعج بالأخطاء والمبالغات، وأنها تخضع للاستغلال من قبل أصحاب المصالح السياسية، وأكثر من ذلك وأدهى أنه يتم إغراء منسوبيها بالمال لتحقيق أهداف وغايات سياسية لبعض الأطراف. وقد يكون بعض ذلك نتاجاً لسياسات التوظيف داخل كل منظمة؛ مثال ذلك المنظمات الحقوقية الدولية التي تجد ضمن موظفيها أعضاء من الأحزاب المعادية لأنظمة بعينها والناشطين السياسيين الناهضين في مواجهة خصومهم في البلدان المختلفة التي يسعون لإضعافها. قد تذهل – رعاك الله – لو عرفت أنه توجد في يوم الناس هذا معسكرات للاجئين تديرها إحدى المنظمات الممولة من هيئة الأمم المتحدة ويفترض أنها تضم لاجئين، أو بالأحرى أحفاد لاجئين، لاذوا بهذه المعسكرات أثناء الحرب الهندية الباكستانية التي اندلعت عام ١٩٧١!! وستذهل أكثر لو اطلعت على مقدار الرفض والمقاومة لأي دعوة لإغلاق مثل هذه المعسكرات.
والسبب واضح بطبيعة الحال وضوح الشمس في رائعة النهار، وهو أن وجود هذا النوع من المناشط واستمراره يوفر مناجم لا تنضب للمال والمنافع لـ(العاملين عليها) من الموظفين وقادة المنظمات. وطالما توفر التمويل الأعمى بغير حدود فلا بد من استمرار وجود المعسكرات بلا نهاية! هل فهمنا الآن لماذا تقاتل المنظمات بأظفارها وأنيابها وتتحالف مع متمردي دارفور في شكل زواج كاثوليكي للحيلولة دون تجفيف معسكرات مثل معسكر كلمة – أو كلما؟ وكيف تفعل فتوافق على تجفيفها فتقتل بيدها الدجاجة التي تبيض ذهباً؟! أزمة منظمة أوكسفام ما زالت تراوح مكانها، ونحسب أنها ستستمر في التصاعد والتفاعل لفترة من الوقت. والأمل معقود أن تنجلي الأزمة بإشاعة المزيد من الوعي وتبصير شعوب العالم بحقيقة يفترض أن تكون بدهية وهي أن المنظمات الدولية في نهاية المطاف من صنع البشر. ولأنها كذلك فإنها مثل سائر البشر تبذل الخير مثلما تنضح بالشر.
بقلم:مصطفى عبد العزيز البطل
سودان تربيون.