قال وزير المالية الجنرال الركابي إن بإمكانه أن يتقدم باستقالته إذا كانت الاستقالة حلاً للمشكلة، ولكن السيد الجنرال لم يعلم أن معظم المسؤولين فى العالم حينما يخفقون لا ينتظرون أحداً أن يقول لهم استقيلوا، فحفاظاً على سمعتهم وسيرتهم الناصعة، ومن تلقاء أنفسهم يقومون بتقديم استقالتهم دون أن يطلب منهم أحد، ولكن أدب الاستقالة في السودان منعدم تماماً، إلا إذا ارتكب الشخص مخالفة كبيرة، وتريد الدولة أن تحفظ له ماء وجهه، فتطلب منه تقديم استقالته، ولكن عدا ذلك لم نسمع وزير أو أي مسؤول تقدم باستقالته.. لانه لم يستطيع أن يقدمها ولو فشل فى المهمة التي أوكلت له ..ولذلك على السيد وزير المالية إن كان جاداً في اتخاذ مثل هذا القرار عليه أن يتقدم باستقالته وتكون سنة حسنة على الأقل يهتدي بها الآخرون في العمل التنفيذي.
فالإنقاذ ومنذ مجيئها لم نسمع بوزير أو مسؤول من تلقاء نفسه قام بتقديم استقالته وسلم عهدته للدولة ما عدا المرحوم الباشمهندس عبد الوهاب عثمان وزير الصناعة الذي قدم استقالته من تلقاء نفسه، حينما جاء رئيس الجمهورية لا فتتاح سكر النيل الأبيض ولم يشتغل المصنع، أو لم تدار الماكينات بسبب الشفرة التى تآمر الأمريكان على السودان فيها، فأحس السيد الوزير أنه المسؤول من ذلك وقام بتقديم استقالته، إلا أن السيد رئيس الجمهورية رفضها بحجة أنه لم يكن المتسبب الأول فيها، فأما الاستقالة الثانية فكانت من وزير الري الدكتور شريف التهامي، وأظن أنه أُجبر على الاستقالة بسبب شراء بعض الآليات، فخرج من الوزارة مرفوع الرأس ولو أجبر عليها، أما البقية الذين أخفقوا، فلم يتبرع أحدهم بتقديم استقالته طالما الميري والكرسي وبقية الأشياء التى تجعل المسؤول يتشبث بالكرسي مهما وصل حد الإخفاق موجودة، إن السيد وزير المالية إذا فعلها من تلقاء نفسة يكون شجاعاً فى هذا القرار، فماذا يريد من هذه الدنيا؟ ألا يكفية أن يخرج وهو مرفوع الرأس بدلاً من النقة التى تلاحقه يومياً من المواطنين ومن الجهاز التنفيذي؟ فكرامة الإنسان أهم من هذا الميري الذي لم يجعله سعيداً لا في الوزارة ولا في المجتمع ..ففي كل جلسة يجلسها المواطنون فرح أو كره تجدهم يلوكون ميزانية وزير المالية التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة من الاضطراب، وزيادة الأسعار في معاش الناس، خاصة وأنها ليست سلعة واحدة التي أرهقت كاهل المواطنين، بل معظم السلع، سواء كانت للمأكل أو غيرها من المواد الأخرى، فنجد المواطن قد تأثر بهذه الميزانية سلباً، وحتى يريح السيد الوزير نفسه من هذا الهم.. يجب أن يخلع عباءة الوزارة لتبحث الحكومة عن شخص آخر يديرها، أو أن تبحث عن شماعة أخرى تعلق عليها اخفاقاتها بدلاً من هذا الوزير، إن الميزانية التي أوصلتنا إلى كل هذا ربما تؤدي إلى تعديل وزاري حسب ما ورد في بعض الصحف الصادرة أمس، والتي ذكرت أن الحكومة سوف تقوم بتعديل وزاري محدود خلال الأيام القادمة، فإن فعلت الحكومة ذلك فإنها قد اعترفت بإخفاقها، ويكون السيد وزير المالية ليس هو المسؤول عن كل الذي حدث، فالحكومة هي المسؤول الأول، وكان من المفترض أن يجرى تعديلها منذ أن أحست أن تلك الميزانية هي سبب هذه الكارثة التى حلت بنا، ولكن هل التعديل الوزاري إن تم سيطال السيد وزير المالية لوحده؟ أم كل الطاقم الاقتصادي بما فيه محافظ البنك المركزي؟ نحن في انتظار هذا التعديل عسى ولعل أن يكون فيه فاتحة خير للبلاد والخروج من عنق الزجاجة التي أدخلتنا فيها هذه الميزانية.
صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي