ثم ماذا بعد اللقاء ..؟

انتهى أول من أمس لقاء القاهرة للجنة الرباعية التي شكلها الرئيسان البشير والسيسي عقب لقائهما على هامش القمة الإفريقية الأخيرة في أديس أبابا لوضع حلول للتوترات بين البلدين ومعالجة تداعياتها ومضاعفاتها السياسية والأمنية والإعلامية وتأثيرها على مسار العلاقات الثنائية،

والتأم لمدة أربع ساعات اجتماع اللجنة الخميس بالعاصمة المصرية التي تضم من الجانب السوداني بروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية والفريق أول مهندس محمد عطا المولى المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، وصدر بيان ختامي عن الاجتماع يحتوي إحدى عشرة نقطة تناولت بشكل عام دون الخوض في التفاصيل رغبة البلدين في التعاون وحل الخلافات بينهما وتعزيز أواصر التواصل والترابط التاريخي وإزالة ما يتعرض العلاقة من صعوبات وتحديات ..
> بما إنه لم تتوفر معلومات كافية لوسائل الإعلام حول الخلاصات وطبيعة طرح ونقاش القضايا محل الخلاف بين البلدين وكيفية علاجها وما اتخذ فوراً في بعضها من إجراءات وقرارات، إلا أن البيان وطريقة إعلانه والمؤتمر الصحافي لوزيري الخارجي أمس عقب الاجتماع، يعطيان مؤشرات كافية لتحليل ما جرى في القاهرة وإبداء مجموعة أفكار وملاحظات قد تفيد في قراءة واقع العلاقة ومستقبلها وإمكانية تجاوز حال البرود الراهنة في العلاقة:ــ

أولاً : كان واضحاً من لغة البيان والمؤتمر الصحافي لوزيري الخارجية، أن هناك قضايا تم تناولها وطرحها بطريقة صريحة وواضحة للغاية، تمت داخل قاعة الاجتماعات مناقشتها بدقة كما هي وطرحت على الطاولة على الأقل من الجانب السوداني كيفية معالجتها، ربما لم يتم الاتفاق عليها أو الاعتراف بها كلية من الجانب المصري، ويصبح ما اتفق عليه قد تم، وما لم يتم الاتفاق عليه لم يعلن، وقد يكون هناك توافق على عدم التفصيل بشأنه حتى يرفع للقيادتين في البلدين .

ثانياً : يصلح فحوى ما جاء في البيان أساس للتعامل مستقبلاً، لكن في الراهن يحتاج الرأي في البلدين الى ما يطمئن أكثر من لغة البيانات المتوازنة ذات الصبغة الدبلوماسية التوافيقة والتصالحية، فحتى اللحظة لا يُعرف ما الذي سيكون وما يمكن أن يحدث في ملفات الخلاف الحقيقية التي لها تأثير مباشر على حياة وعلاقة الشعبين ..؟ مثل قضية حلايب أو إيواء مصر ودعمها للحركات المتمردة والمعارضة المسلحة والقضايا القنصلية المتعلقة بمضايقات السودانيين المقيمين أو الزائرين لمصر، وقوائم الممنوعين في المطارات ومنافذ الدخول المصرية وتطبيق اتفاقية الحريات الأربع، وغيرها من القضايا المرتبطة بالمواطنين أو بالشعبين ..؟ فإذا كان قد تم في هذه الموضوعات الأخيرة ذات الصلة بالمواطنين وهي ليست قضايا معقدة ولا تحتاج الى غير قرارات فورية وإجراءات واضحة، فإنها بلا شك ستنعكس مباشرة على الرأي العام وتبعث الأمل في إمكانية تجاوز الخلافات خطوة بخطوة .
ثالثاً : قضية حلايب وهي عقدة العلاقة مع مصر، لم يرد أي شيء بشأنها وسبق لوزيري الخارجية أن أعلنا بأنها متروكة للرئيسين، لكن التطورات الأخيرة بشأن الاتفاق المصري السعودي حول جزيرتي ( تيران وصنافير ) وتعديل مصر لحدودها البحرية وإيداعها مع الاتفاقية لدى الأمم المتحدة ، هو تطور لا يمكن تأجيله ليبت فيه الرئيسين يمكن طرحه والتباحث حوله والاتفاق على صيغة ترفع للرئيسين في ما بعد، لكن حلايب قضية خطيرة والمستجدات الراهنة حولها تجعل منها النقطة الأكثر سخونة في علاقة البلدين ، ربما تحولها معضلة الحدود البحرية الى أزمة إقليمية بين الأطراف الثلاث السودان ومصر والسعودية .
رابعاً : من المعلوم بالضرورة أن الملفات والقضايا الأمنية غير قابلة للأخذ والرد والتفصيل في البيانات الرسمية المعلنة، لكن تجاوزت هذه الملفات سريتها، ولم يعد الدعم المصري للمعارضة السودانية والمجموعات والحركات المسلحة أمراً مخفياً أو يتم في الخفاء، وسبق للسودان أن سلم الجانب المصري معلومات كاملة حول نوع الدعم و الإيواء وما يقدم للمعارضة من الدولة المصرية، فضلاً عن المدرعات التي ضبطت في الهجومين على السودان من ليبيا وجنوب السودان في مايو 2017م من قبل الحركات المتمردة في دارفور، بالإضافة الى ما أثير مؤخراً من اتهامات تتعلق بالنشاط العسكري والاستخباري المصري في إريتريا والهجوم المحتمل على حدودنا الشرقية مع إريتريا .

خامساً : هناك نقطة مهمة تخص الإعلام، السودان لم يكن مبادراً بالهجوم الإعلامي على مصر، فالحملات الإعلامية تصدر من الجانب المصري ووصلت دركاً وخاضت مستنقعاً لا يمكن السكوت عليه، وكلنا نعرف أن الإعلام في مصر يتم توجيهه سياسياً ومخابراتياً، وكل ما صدر من الجانب السوداني هو ردات فعل على ما يُبث ويُنشر ويُذاع في الإعلام المصري المسيء والموغل في البذاءة تجاه السودان قيادة وشعباً وتاريخاً وحضارة. فالبيان يشير الى ميثاق شرف إعلامي بين البلدين، وحتى هذه اللحظة حسب معلوماتنا لا يوجد ميثاق شرف تم إعداده أو مناقشته من قبل الجهات المعنية به، توجد اتصالات محدودة تمت لترتيب لقاءات لكن نص الميثاق ومحاوره وعناصره والتزاماته غير موجودة الآن لدى المجتمعين الإعلاميين السوداني والمصري ، وفي الغالب لا تفيد كثيراً هذه المواثيق إذا لم تعالج الشؤون والأمور السياسية والأمنية ..

 

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version