لأول مرة تتراجع الحكومة منذ توليها السلطة في الثلاثين من يونيو في العام 1989م عن قرار اتخذته بغض النظر عن وجاهته من عدمها، حيث أعلنت يوم الثلاثاء ،تراجعها عن قرار تحرير القمح السلعة الاسترايجية التي باتت تتحكم في غذاء جميع السودانيين،
وهو القرار الذي ينتظر أن يكون له ما بعده في إعادة الأمور إلى نصابها وعودة سعر «العيشة «إلى سابق سعرها قبل أن تصل جنيهاً بعد تخلي الحكومة عن دعمها للقمح.
ولم يكن القمح هو السلعة الاساسية المتحكمة في ثقافتنا الغذائية في ظل وجود عدة بدائل له متمثلة في الذرة والدخن وغيرها من انواع الحبوب ،قبل ان تشيع ثقافة القمح واكل الخبز بصورة اساسية بعد ان ابعد الكسرة والدخن من طريقه، وهو الامر الذي عده الكثيرون تطوراً سلبياً في الثقافة الغذائية السودانية، التي لم تكن تعتمد عليه في السابق.
وطبقاً للاحصائيات فان ارقام استيراد القمح تصاعفت بوتيرة متسارعة حيث كان كل الذي يتم استيراده منه سنوياً لا يتجاوز الثلاثمائة الف طن حتى العام 1990ليصل لنحو يتجاوز الاثنين مليون طن في العام حسب الاحصائيات الاخيرة، وكل ذلك في ظل الابتعاد عن زراعة القمح رغم امكانية ذلك في عدد كبير من ولايات البلاد المختلفة من بينها الخرطوم.
وظلت تبريرات الحكومة وشكواها على الدوام من انها تدعم سلعاً لصالح مواطنها لكن يشاركه في ذلك مواطنو دول الجوار الثمان التي يدخل لها القمح وغيره من السلع الاستراتيجية مهرّباً.
امكانيات مهولة تتمتع بها البلاد حتى في ظل عدم زراعة القمح والاعتماد على استيراده بكميات كبيرة عبر عدة شركات وطنية.
وكشفت جولة قامت بها مجموعة من الصحافيين لصوامع ومطاحن بعض الشركات في الميناء الاخضر بولاية البحر الاحمر، عن عدم وجود ندرة في القمح وانه متوفر بصورة كبيرة وتابع الصحافيون مراحل وصول احدى البواخر والتي وتقدر حمولتها بنحو 45الف طن من القمح ويتم تفريغها في الصوامع قبل اكتمال ترتيبات واجراءات طحنها ، ومن ثم شحنها للخرطوم والولايات المختلفة مباشرة من بورتسودان على عكس ما كان يحدث في السابق، قبل تفكير الشركة في طحن القمح وتعبئته من بورتسودان تقليلاً للمنصرفات التي كانت تدفعها الشركة لترحيل القمح الى مطاحنها في الخرطوم واعادته دقيقاً للبحر الاحمر وبقية الولايات الامر الذي يسهم في زيادة تكلفة جوال الدقيق. فيما كان في السابق تتم تعبئة القمح يدوياً من الباخرة ومن ثم للشاحنات التي تؤجرها الشركة لنقله للخرطوم وهذه العملية بطبيعة الحال ترهق كاهل الشركة وتكلفها ما تكلفها من عملات اجنبية ومحلية للعمالة في تعبئة ونقل القمح من جانب ورسوم الارضية التي تدفعها للباخرة يومياً بالعملات الحرة وفكرت الشركة عملياً في ايجاد بدائل اخرى اكثر عملية وتقليلاً للوقت ومنعاً للمال المهدر ، حيث كانت تقوم بانزال نحو الف طن يومياً لكنها اصبحت الان تنقل نحو 600طن في الساعة عبر الشفاط الذي استجلبته الشركة للعمل، وهو ما ساهم في توفير الوقت والمال المنصرف ، بجانب ذلك فقد قامت الشركة بانشاء شركة سين للنقل للقيام بعمليات نقل الدقيق للخرطوم وبقية الولايات، نسبة للكميات الكبيرة التي تستوردها ويتم طحنها في ذات الموقع وكل ذلك تقليلاً للتكلفة.
ويترقب المواطن أن يسهم قرار الحكومة في إعادة الدعم للقمح من جانب، وما تبذله شركة سين من تطور في تكاملية العملية، يسهم في عودة الخبز لسعره القديم قبل الزيادة الكبيرة التي شهدها مؤخراً، وهو ما اكدته الشركة للصحافيين خلال جولتهم في صوامعها، حيث تتوقع الشركة عودة الخبز لاسعاره السابقة خلال الايام المقبلة.
غير أن كل تلك المعالجات تظل بحسب وجهة نظر مراقبين اقتصاديين ،عبارة عن مسكّنات طويلة المدى ويرون ان الحل الناجع للمشكلة يكمن في التوسع في زراعة القمح وغيره من المحاصيل الغذائية لتقليل التكلفة وبالتالي خفض كلفة المعيشة للمواطن.
الانتباهة