من الأشياء التي تعلمتها من أخطائي وعثراتي وتجربتي القصيرة في الحياة أنني ما اتخذت موقفاً إنتهازياً لحظياً مهما بداً مكسبه لامعاً إلا ودفعت ثمنه لاحقاً.. وما اتخذت موقفاً أخلاقياً ولو كان ظاهره الخسارة إلا وسررت بعد ذلك حين يحين أوان حصاد المواقف.
وبعيداً عن تجربتي الشخصية دعونا نذكر بعض المواقف التاريخية للتيارات السياسية على سبيل المثال :
1/إنقلاب 89 الذي نفذته الجبهة الإسلامية بدا لمخططيه حينها أنه فرصة ذهبية لتطبيق مشروعها ثم دفعت ثمنه بعد ذلك ففقد الناس ثقتهم فيها وذهب مشروعها أدراج الرياح وسجن العسكر زعيمها الترابي وملأ السجون بالإسلاميين الحقيقيين آخذاً في إبطه المنتفعين والمغفلين منهم.
2/اليسار السوداني نفذ إنقلاب 1969 وأيده الجمهوريين ثم دفعوا ثمنه بإعدام قادتهم وعلى رأسهم عبد الخالق محجوب والشفيع وتم شنق محمود محمد طه على يد النظام الذي طبل له وبارك قمعه للآخرين.
3/تأييد بعض أطياف المعارضة لإحتلال هجليج بواسطة حليفها سلفاكير وفرحها بذلك دفعت ثمنه حين تحررت فخرج الشعب كله فرحاً بذلك وامتعض من مواقف تلك التيارات الإنتهازية.
4/ بلغت الإنتهازية حداً مريعاً حين طلبت بعض التيارات خصوصا الحركات المسلحة والحزب الجمهوري من الإدارة الأمريكية عدم رفع الحصار على الشعب السوداني بل وتشديده!
فعاقبها الشعب بالفرح حين رُفعت وكان موقف الحزب الشيوعي أخلاقياً جداً حين أيد رفع العقوبات عن الشعب السوداني ووصفها بالإمبريالية.
5/ الآن فرح الكثير من النشطاء بارتفاع الدولار ورقصوا رقصة الهياج نكاية في الحكومة واخذوا يتسابقون في نشر الإشاعات والهلع بين الناس ونصحوهم عبر الواتساب والفيسبوك بسحب اموالهم من البنوك وتحويلها للعملة الصعبة لأن الدولار سيصل سبعين جنيها، غير عابئين بما يفعله ذلك من أوجاع في صدور الفقراء، فأصبحت الحكومة تسحق المساكين من جهة وهم من جهة أخرى !
إستجاب البعض لنصائح النشطاء وحولوا مدخراتهم البسيطة بسعر يقارب الـ 50 جنيهاً ثم نزل الدولار إلى الثلاثينات فخسر أولئك المساكين ما يقارب نصف أموالهم!
هل تحمل أحدهم هذه النتيجة أخلاقياً؟!!
ثم يتسائلون بدهشة حين يعاقبهم الجمهور فلا يخرج معهم للتظاهر ويوليهم أدباره فينعتونه وبشتمونه جهراً وسراً (شعب جيعان لكنه جبان)..!
الجبان الحقيقي هو الإنتهازي الكذوب المختبئ خلف كيبورد!
الخلاصة : إجعل مواقفك أخلاقية منحازة للمنظومة القيمية ولن تندم أبداً.