يواجه رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما عاصفة سياسية قد تبعده عن سدة الحكم، حيث تتزايد الضغوط لرحيله قبل انتهاء فترته الرئاسية المقررة في 2019.
فمن هو زوما وهي قصة حياته؟ وكيف وصل إلى موقعه الحالي؟ وما هي قصته مع الفساد التي أوصلته إلى هذه المواجهات الأخيرة مع البرلمان والمحاكم؟!
البدايات والسجن
ولد زوما في 12 أبريل 1942 في نكاندلا بجنوب إفريقيا، وهو سياسي أصبح رئيساً للبلاد في عام 2009 وقد خدم كنائب لرئيس البلاد في الفترة من 1999 إلى 2005، وأيضا كنائب للرئيس من 1997 إلى 2007 ومن ثم رئيساً من 2007 إلى اليوم للحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، حزب المؤتمر الوطني الإفريقي(ANC).
لم يتلق زوما أي تعليم رسمي طوال حياته، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي سنة 1959 وإلى جناحه العسكري في عام 1962، الذي أطلق عليه “رمح الأمة” من قبل نيسلون مانديلا الزعيم التاريخي في جنوب إفريقيا.
وقد اعتقل زوما في عام 1963 وحكم عليه بالسجن عشر سنوات في جزيرة روبن، للتآمر بالإطاحة بنظام الفصل العنصري في البلاد آنذاك.
وبعد خروجه من السجن اشتغل على تكوين شبكة سرية لصالح “رمح الأمة”، وفي عام 1975 هرب من البلاد حتى يتفادى القبض عليه.
وظل يعمل لصالح حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لعشر سنوات وذلك من الدول المجاورة. في البدء من سوازيلاند ومن ثم موزامبيق؛ وفي عام 1977 صار عضواً في اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
الصعود السياسي
بعد أن ضغطت حكومة جنوب إفريقيا على موزمبيق اضطر زوما لمغادرتها في عام 1987، حيث ذهب إلى مقر المؤتمر الوطني الإفريقي في لوساكا عاصمة زامبيا، حيث شغل منصب رئيس الوحدات السرية ودائرة الاستخبارات.
وعندما رفع الحظر الذي فرضته حكومة جنوب إفريقيا على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في عام 1990 عاد زوما إلى البلاد وأنتخب رئيساً لمنطقة جنوب ناتال.
في عام 1991 كان قد أصبح نائبا للأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وفي عام 1994 أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية للشؤون الاقتصادية والسياحة في مقاطعة كوازولو ناتال التي أنشئت حديثاً.
وفي ديسمبر 1997، انتخب زوما نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وفي يونيو 1999 عيّن نائب لرئيس البلاد ثابو مبيكي.
الصراع مع مبيكي
كان من المتوقع على نطاق واسع أن زوما هو خليفة مبيكي على حكم البلاد، وفي يونيو عام 2005 قام مبيكي بإقالته بعد إدانة بالغش والفساد لأحد زملاء زوما المقربين وهو رجل الأعمال شابير شيك، الذي يقال بأنه استفاد من موقع صديقه في الحكومة.
وقد أبعد زوما نفسه إثر ذلك من كافة أنشطة الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، إلا أن المجلس الوطني للحزب تحدى مبيكي وأعاد زوما كعضو نشط، ومن ثم كنائب لرئيس الحزب.
في مارس من عام 2006 وقبل أن تنتهي قضية الفساد السابقة، واجه زوما مشكلة أخرى حيث اتهم في قضية اغتصاب وواجه المحكمة التي برأته في مايو من العام نفسه.
وفي سبتمبر 2006 قضت محكمة دربان بشطب قضية الفساد ضد زوما، باعتبار أن الأدلة غير كافية، وبرغم الادعاءات المتكررة من معاديه السياسيين فقد ظل زوما شخصية تتمتع بشعبية كبيرة في الحزب.
وفي ديسمبر 2007 في مؤتمر الحزب الحاكم كانت لحظات تاريخية، حيث استطاع زوما أن يفوز برئاسة الحزب ويقصي خصمه مبيكي، ومثلت تلك اللحظة أكثر المعارك إثارة في تاريخ الحزب الحاكم.
برغم ذلك وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، أعيدت الاتهامات لزوما بالفساد والاحتيال، ووجهت إليه تهماً إضافية بغسل الأموال والابتزاز والتهرب الضريبي.
أيضا تم رفض التهم من جديد على أساس تقني قانوني في سبتمبر 2008، لكن الادعاء العام تعهد باستئناف الحكم ما أثار غضب جماهير الحزب.
وكان رئيس المحكمة قد ذكر بأن هناك تدخلاً سياسياً من مبيكي أو مؤيديه في محاكمة خصمه زوما، وهو الأمر الذي أثار مزيداً من الجدل داخل الحزب الحاكم.
وبرغم أن مبيكي نفي بشدة تدخله داحضاً الادعاءات، إلا أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم وبعد أسبوع طلب منه الاستقالة كرئيس لجنوب إفريقيا، وقد وافق على القيام بذلك، رغم نفيه التدخل في شؤون القضاء لاستبعاد منافسه جاكوب زوما، أو أنه مارس أية ضغوط على أجهزة المدعي العام.
الطريق إلى الرئاسة
على الرغم من أنه كان من المتوقع على نطاق واسع أن يتم اختيار زوما رئيسا للبلاد في انتخابات عام 2009، إلا أنه لم يكن مؤهلاً للعمل كرئيس مؤقت، بموجب أحكام الدستور، إذ يجب أن يكون الرئيس البديل، عضواً في الجمعية الوطنية، ولم يكن زوما وقتذاك بهذه الصفة.
وقد فاز حليف زوما غاليما موتلانثي ليصبح رئيساً لجمهورية جنوب إفريقيا، بعد تصويت الجمعية الوطنية، وذلك بأغلبية 269 صوتاً من أصل 360 صوتاً، وذلك في سبتمبر 2008.
وفي الأسابيع التي سبقت الانتخابات العامة في عام 2009، كانت تهم الفساد ضد زوما ومزاعم التدخل السياسي تطل مرة أخرى في دائرة الضوء، ونجا أيضا زوما مجدداً ففي 6 أبريل 2009 بدا واضحاً أن التهم سوف يتم إبطالها.
وخاض زوما الانتخابات بقوة مع حزبه والتي أجريت في 22 أبريل 2009، متقدماً بفارق كبير على الأحزاب الأخرى، وكان زوما على استعداد لأن يصبح الرئيس المقبل للبلاد، وقد انتخب بالفعل رسمياً للرئاسة في تصويت الجمعية الوطنية، الذي عقد في 6 مايو، ومن تم تولى المنصب رسمياً في يوم 9 مايو 2009.
في سدة الحكم
في سنوات الحكم لم يسلم زوما من الانتقادات، وهذه المرة على المستوى الاجتماعي والحياة الشخصية، فإذا كان قد نجا من تهمة الاغتصاب سابقاً، فالرجل الذي كان ملتزماً بتقاليد قبيلة الزولو، بما في ذلك تعدد الزوجات، تعرض للنقد من هذا الجانب.
وفي مطلع فبراير 2010 كانت هناك ادعاءات بأن زوما قد أنجب طفلاً خارج إطار الزواج، وهو ما اعترف به، ومع استمرار الجدل حول هذا الحادث، ادعى النقاد، من بين أمور أخرى، أن سلوكه يظهر تجاهل صارخ لسياسات البلاد في مجال محاربة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز.
لكن ذلك لم يؤثر على نجاحات الرجل السياسية لاسيما خارجياً، فخلال فترة رئاسته، شارك زوما في معالجة العديد من الشؤون القارية، حيث اضطلع بدور في جهود الوساطة لحل الأزمات في إفريقيا نيابة عن مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية أو الاتحاد الإفريقي، في زيمبابوى وليبيا وساحل العاج.
غير أنه في الداخل لم تكن الأمور تسير على ما يرام، فعلى الرغم من إحراز بعض التقدم من قبل مبادرات الحكومة لمكافحة الفقر، إلا أن زوما واجه الاستياء الشديد على عدم تحقيق المساواة الاقتصادية التي لا تزال غائبة في البلاد.
كذلك فقد تواصلت ادعاءات الفساد ضد زوما، التي شملت التهم القديمة التي برزت مرة أخرى، ففي مارس 2012 أمرت محكمة الاستئناف العليا من جانب المدعين العامين بالولايات، بمراجعة محكمة بريتوريا العليا لقرار عام 2009، لإسقاط تهم الفساد ضد زوما قبيل الانتخابات التي قادته للرئاسة.
على الرغم من هذه المشاكل والمطبات الواضحة، إلا أن زوما أعيد انتخابه بأغلبية ساحقة رئيساً للمؤتمر الوطني الإفريقي في مؤتمر الحزب الذي عقد في ديسمبر 2012 وهو ما أثبت قدرة الرجل على تجاوز مأزقاً تلو الآخر، سواء كان مُداناً أم لا.
الأزمات مستمرة
ظل زوما أيضا مطارداً بادعاءات السلوك الفاسد أو غير الأخلاقي في السنوات التالية، ومن الأمثلة على ذلك، الجدل الناجم عن سوء استخدام الموارد الحكومية، عندما سمح لعائلة غوبتا، وهي أسرة تجارية ثرية كانت لها علاقات وثيقة جداً بزوما، سمح – بهبوط طائرة خاصة بها في قاعدة جوية حكومية مشددة الأمن، أثناء نقلها للضيوف إلى حفل زفاف عائلي في عام 2013.
وقد نفى زوما أن يكون له علاقة بهذا الأمر، وقد أثبتت إحدى التحقيقات الحكومية عدم تورطه، بيد أن ذلك لم يحرمه من الانتقادات واسعة النطاق حول هذا الحدث.
كما واجه زوما فضيحة أخرى تعلقت بتجديد منزله العائلي على حساب الدولة في نكادلا (شرق) بنحو 246 مليون راند (15.4 مليون دولار).
وظهرت المناقشات المتعلقة بالتحسينات المشكوك فيها أولاً في أواخر عام 2009، لكنها تجمعت في السنوات التالية، وبرزت مع إصدار السيدة ثولي مادونسيلا، النائب العام للبلاد (أمين المظالم الوطني ومكافحة الفساد) تقريراً رسمياً في مارس 2014 يوضح بالتفصيل نتائج سنتين من التحقيق حول الموضوع.
وخلصت مادونسيلا إلى أن العديد من التحسينات الممولة من القطاع العام والتي تم إجراؤها على منزل زوما؛ مثل بركة سباحة ومدرج وزرائب الماشية، لم تكن ذات صلة بالإجراءات الأمنية، ووجد أن زوما “استفاد بلا مبرر” من هذه التحسينات، ودُعّي إلى تسديد نسبة مئوية من تكاليف التحسينات غير الأمنية.
رغم ذلك فإن المشاكل الاقتصادية في البلاد وسُحب الفساد، لم تقلل من مكانة زوما ودعم حزبه له، الذي نجح في تحقيق نتائج جيدة في انتخابات 2014 أدت لإعادة انتخابه رئيساً للبلاد في 21 مايو 2014 وتم تنصيبه في 24 مايو.
لكن قضية منزل نكادلا لم تتوقف عن ملاحقة زوما، حيث أحال اثنان من أحزاب المعارضة قضية تتعلق بالسداد إلى المحكمة الدستورية، التي حكمت بالإجماع في مارس 2016 بأن النتائج التي توصل إليها النائب العام ملزمة، والتي قام زوما بتجاهل توصيتها بسداد الأموال.
عواصف وزوبعات
في وقت مبكر من شهر مارس 2016، برزت علاقة زوما بأسرة غوبتا مرة أخرى، اثر مزاعم بأن الأسرة وعدت بسندات حكومية لبعض الأفراد.
وفي أوائل أبريل 2017 فقد نجا زوما من حملة ضده في الجمعية الوطنية التي يسيطر عليها حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بيد أن الكثيرين، بمن فيهم بعض كبار أعضاء حزبه كانوا يشعرون بالضجر من فضائح زوما ودعوه إلى الاستقالة، مذكرين بقصصه القديمة وأن قرار عام 2009 من قبل النيابة العامة لإسقاط الاتهامات بالفساد ضد زوما لم يكن عقلانياً، وينبغي إعادة النظر فيه.
ومن ثم تكالبت عليه الأمور بمواجهة أكثر من 700 تهمة فساد ضده، وقدم زوما التماساً إلى المحكمة العليا للسماح لها بالطعن في هذه التهم، وعلى نحو منفصل، التمست محكمة الشعب أيضا من المحكمة الدستورية السماح لها باستئناف القرار.
وفي سبتمبر، رفضت المحكمة الدستورية طلب الطعن المقدم من محكمة الشعب، التي طعنت مجدداً لدى المحكمة العليا. وفي أكتوبر 2017، حكمت المحكمة العليا ضد زوما قائلة إنه لا ينبغي فصل التهم المتعلقة بالفساد ويمكن إعادتها.
وفي الوقت نفسه، أدت الفضائح والادعاءات المتعلقة بالفساد المرتبطة بزوما، فضلاً عن عدم الرضا عن أداء الحكومات التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على جميع المستويات، إلى قرع ناقوس الخطر باتجاه الحزب الحاكم.
وفي ما كان ينظر إليه على نطاق واسع على أنه استفتاء على زوما والحزب الوطني الإفريقي، فإنه في الانتخابات البلدية في أغسطس 2016، حصل الحزب على أقل نسبة مئوية من مجموع الأصوات منذ تولى السلطة في عام 1994، حيث حصل على أقل من 60 في المئة.
وفي منتصف أكتوبر 2016، كان من المقرر أن تصدر مادونسيلا، في واحدة من أفعالها الأخيرة قبل أن تتخلى عن منصبها كنائب عام، تقريراً عن تحقيق مكتبها في مزاعم تفيد بأن أفراد أسرة غوبتا كان لهم نفوذ سياسي لا مبرر له على زوما ومسؤولين حكوميين آخرين.
وذهب زوما الى المحكمة لتأجيل الإفراج عن التقرير، ولكن في 2 نوفمبر كان قد سحب تحديه، حيث صدر التقرير في وقت لاحق من ذلك اليوم نفسه.
وعلى الرغم من أن التقرير قام بتفصيل عدة حالات من احتمال التأثير غير المبرر، فقد أوصى بإنشاء فريق قضائي لمواصلة التحقيق في الادعاءات المذكورة في التقرير، ولم يوجه أية اتهامات لزوما بارتكاب أي جرائم. وفي أعقاب صدور هذا التقرير، تم التصويت على سحب الثقة من زوما في الجمعية الوطنية، لكنه فشل.
الإطار الأخير
على الرغم من ان زوما لم يخضّ الانتخابات لفترة ولاية ثالثة كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، فقد استثمر في المنافسة على رئاسة الحزب في ديسمبر 2017 التي كانت بين نكوسازانا دلامينى زوما زوجته السابقة وهي سياسية من ذوي الخبرة، ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني سيريل رامافوسا.
وقد دعم زوما ترشيح دلاميني زوما، التي قال المحللون بافتراض أنه إذا تم انتخابها، فإنها ستكون قادرة على حمايته من المحاكمة في المستقبل بتهم الفساد بعد ترك منصبه، كما تمثل رؤية دلاميني لسياسات الحزب أيضا جزءاً كبيراً من استمرار أجندة زوما نفسها.
في المقابل فإن سيريل رامافوسا ببرنامجه الذي وعد فيه بسحق الفساد وتشجيع النمو الاقتصادي، فقد استطاع هزيمة دلاميني زوما، في سباق كان شديد التنازع ومتقارب.
وفي أعقاب نتيجة الانتخابات المخيبة للآمال، واجه زوما ضربة أخرى من الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية في 29 ديسمبر 2017، والذي قال إن الجمعية الوطنية قد فشلت في واجباتها بعدم محاسبة زوما في فضيحة منزل نكادلا.
وعلاوة على ذلك، أمرت المحكمة، الجمعية الوطنية بوضع نظام مستقبلي لإقالة الرئيس من منصبه، ما يشير إلى زيادة الاحتمال بأن زوما قد يواجه مرة أخرى إجراءات الإقالة أو أن يستسلم للضغوط من داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي للاستقالة قبل أن يبعد من المنصب.
الجزيرة