هل حسم الجيش المصري بين عنان والسيسي؟

اُعتقِل مرشح الرئاسة المصرية الفريق سامي عنان بأسرع من المتوقعغرد النص عبر تويتر، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي في موضع انفعال وتوتر في حديثه الضمني منذ ترشح عنان، بصورة أكبر من حالة التعامل مع الفريق شفيق، الذي اُحتجز من مكان إقامته في أبو ظبي وسُلّم للنظام المصري.

وسواء أكان موقف الفريق شفيق خضوعا أم مناورةً؛ فهو عملياً أصبح -بعد تصريحاته- منسحباً من المشهد الرئاسي المصري، ومرناً مع إعادة تحجيمه داخل بنية النظام العميق.

فهل سيتكرر الأمر مع الفريق عنان أم إن الوضع سيختلف؟ وهل سيخرج عنان بعد تهذيبه لصالح السيسي ويصرّح بالخضوع أم سيُصر على موقفه ويحتفظ به الجيش المصري لرهان قادم، سواء أُفرج عنه بصمت أو ظل في محبسه؟

هنا نحتاج أن نبيّن مسألة مهمة، وهي: مَن المقصود بقرار التغيير في الجيش المصري؟ وأين تكمن الدولة العميقة؟ وهل فكك السيسي لصالحه هذه الدولة في الجيش والحزب الوطني ولوبي الفساد الضخم؟

أم إن كتلة هذه الدولة العميقة لا تزال تتحرك بمرونة وتستطيع إحداث الفارق، كما فعلت حين شجعت مبارك على التنازل، ثم حين نحّت عمر سليمان، ثم حين دحرجت فترة الثورة الانتقالية قبل دفنها، ثم حين فاز محمد مرسي وكمنت له في 30 يونيو/حزيران، ثم حين أسقطت الثورة كليا بانقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

هذه دوائر مستمرة، ودلالات واضحة على أن ما يُصطلح عليه بالتنظيم الخاص داخل القوات المسلحة هو الذراع الأقوى، وهو صاحب السيادة التنفيذية.

وفي نموذج أنقرة وصراع تركيا القديم، وبعد أن فشل انقلاب 15 يوليو/تموز 2016؛ خرجت تفاصيل حسّاسة لأول مرة عن تاريخ “جناح الناتو” الذي نظّم الانقلاب، واتضح أن تاريخ هذا الجناح متوارث قديماً بين الضباط المتقاعدين والحاليين.

أي أنه “لوبي” يستنسخ نفسه منذ عقود، ويُقصد بـ”جناح الناتو” في الجيش التركي كتلة الضباط التي ورثت عهد مصطفى كمال أتاتورك الفكري، ثم مزجته بعلاقة قوية مع واشنطن عبر البنتاغون، وكانت صداقتها بتل أبيب قوية وموثوقة، وسيطرت على كتلة سياسية وإعلامية واقتصادية في تركيا.

وكانت تخضع دائماً لقرارتها وتوجهاتها في إدارة الحياة السياسية بتركيا، حتى وقع الانقلاب الأخير، وقد نفّذ الرئيس رجب طيب أردوغان سلسلة تفكيك منهجية لهذا الجناح، الذي يرى مراقبون أنه لا يزال له حظوظه وقواعده في القوات المسلحة التركية، لكن الرئاسة أنهكته كثيرا.

فأين يكمن المقابل في الحالة المصرية؟ وهل بقي هذا النظام الخاص في وضعه؟ وهل المشير محمد حسين طنطاوي هو رأسه أو له قوة رمزية فيه رغم تقاعده؟

وكيف تحوّل سامي عنان -الذي كان يُشار له في حملات سابقة في غالب خطاب حراك 25 يناير والإخوان المسلمين بأنه واجهة للنظام الخاص- إلى عسكري مرموق وسياسي مقبول؟ فهل تمرَّد عنان على النظام الخاص أم إن السيسي اخترق هذا النظام وأعاد تشكيله؟

وهل صحيح ما كان يسوّق بكثافة من وضع كبار ضباط القوات المسلحة المصرية في نمط واحد، من حيث هيمنة فكرة المصالح والعلاقات الجديدة مع أبو ظبي كراعٍ للمشروع السياسي الذي أسقط ثورة 25 يناير في كل مراحله، وأن التنظيم الخاص ذو العلاقة الوثيقة بالبنتاغون أيضا -مثل نظيره التركي- يُهمين على كل شخصيات العسكر المصري.

وبالتالي لا توجد هناك مساحة متاحة للتغيير أو إعادة تشكيل الحياة السياسية في مصر، بصورة أقل سوءا من الواقع الذي أنتجه عهد السيسي. والحقيقة أن هناك مساحة غموض لكشف هذا التنظيم الخاص القوي في الجيش، كما أن القول بأن كل ضباط القوات المسلحة متطابقون -في الفكرة والموقف- محل شك، كما أظهرت شخصية عنان وبعض رسائله، فضلا عن رسائل أخرى نُقلت عن ضباط آخرين في القوات المسلحة المصرية.

وبالتالي فإن هناك مساحة لم تُحسم في المستقبل السياسي القريب لمصر، ونرجح أنه قريب في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، وليس بالضرورة في موسم الانتخابات الكرنفالية الذي تعده مهرجانات السيسي.

ونلاحظ هنا مسألة مهمة، وهي أن روح أبو ظبي وطريقة تعاملها -التي نُفذت على شفيق والشيخ عبد الله بن علي آل ثاني وفشلت- تكررت مع عنان، ونفذها السيسي لكن بتوتر بالغ.

وهنا نقطة مهمة جداً، وهي أن أبو ظبي فقدت غالب حلفائها الذين استخدمهم التنظيم الخاص في 30 يونيو/حزيران 2013، ولم تبدِ الرياض أي موقف بشأن ما يتردد عن علاقة عنان وطنطاوي بها، وهذا خاضع لارتهان قرارها اليوم لدى مشروع أبو ظبي.

غير أن زيادة اضطراب علاقة السيسي بفريق مؤثر في التنظيم الخاص، والخشية من أن سياساته ستوصل إلى إسقاط كامل اللعبة السياسية، لن تقف معه كتلة الجيش أمام مشروع أبو ظبي صامتة.

كما أن الرياض مستقبلا -وبالذات لو تعثر مشروع ظَبْيَنَة الجنوب اليمني- قد تختلف حساباتها، خاصة برفع الغطاء عن السيسي، والغالب أن التنظيم الخاص في الجيش يرصد هذه العملية والأوضاع الإقليمية التي قد تؤثر على أي حراك مفاجئ قد يقوم به، سواء بدفع السيسي لانتخابات أخرى والزج بعنان فيها، أو بتنفيذ انقلاب عسكري.

هنا وحين نعيد المراجعة إلى المشهد السياسي القومي؛ سنلاحظ أن القوى السياسية باتت منهكة، وفشل المعارضة متصاعد، ولذلك سقط خيار التمسك بعودة الرئيس مرسي.

وليس ذلك -بحسب هذه القوى- تخلّياً عنه، وإنما عملياً تحول وضع الرئيس مرسي والمضطهدين من حركة 25 يناير إلى مشاريع قتل في سجون السيسي ومطارداته اليوم. وتحت ملف إنساني اضطراري لا سياسي؛ باتت القضية هي تأمين سلامة من تبقى منهم بعد مذابح السيسي.

وهذا يعني أن أطيافا واسعة أدركت أن لا سبيل للعودة إلى ثقافة ثورة يناير دون تحريك المياه الراكدة، داخل القوة الكبرى والوحيدة في التأثير وهي الجيش المصري، وإطلاق عنان المتوقع للمعتقلين، ورفع المطاردة الأمنية كي تتنفس مصر، ولنلاحظ هنا أن هذا الموقف مشترك داخل بعض دوائر النظام وداخل المعارضة.

وبالتالي فإن أي سيناريو يتبناه الجيش المصري في هذا الاتجاه سيكون مرحبا به وطنياً في المعارضة وطواقم الحكم، ومرحبا به إقليميا وعربيا ودوليا. وتبقى المشكلة في موقف تل أبيب ورئاسة دونالد ترمب، ولكنها لن تواجه أي تحرك ينهي عهد السيسي، خاصة أن التنظيم الخاص سيضمن مصالحهم الرئيسية.

ويبدو للمراقب أن هذا السيناريو قابل للتطبيق، حتى لو صعَّد ضده إعلام السيسي مرة أخرى، فاليوم تتفاقم الأزمة أمام لوبياته والإشكالات السياسية، ولا يوجد تحالف قوي متماسك يدعم أبو ظبي -لا في الداخل ولا دوليا- لتثبيت السيسي.

ومن الواضح أن حماقات نظام السيسي، والمهرجان الإعلامي المصاحب له، تساعد على توسيع دوائر المعارضين له، وتُعزز الإعداد للحظة تغيير جديدة، وهو تغيير يظل داخل قواعد اللعبة بالنسبة للتنظيم الخاص في الجيش المصري، لكنه قد يُخفّف واقع الأوضاع السياسية الضاغطة، ويفتح نافذة جديدة.

ويبقى هنا السؤال الكبير: هل استعدت المعارضة العلمانية والإسلامية للجولة الجديدة؟ وهل أنجزت الحركة الإسلامية في مصر متطلبات أي تحدٍ جديد؟ لتصنع من فكرها مشروع شراكة وطنية مختلفة كلياً عن فكرة الدولة الدعوية، فيؤمّن شبابها الرهائن في قبضة التنظيم الخاص، ويصعد بمصر خطوة نحو تمهيد طريق النهضة.

المصدر : الجزيرة

Exit mobile version