كان مفترضاً أن أواصل التذكير بمرجعيات عبدالعزيز الحلو التفاوضية مقارناً بينه وبين عرمان، ولكن توغل الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان داخل الحدود السودانية بمنطقة هجليج وقتله (18) مواطناً سودانياً من قبيلة المسيرية وفقدان أكثر من مئة آخرين – اعتبرهم كذلك في عداد القتلى – وجرح العشرات ونهب حوالي (8000) رأس من الأبقار والهروب بها إلى داخل دولة الجنوب (منطقة ميوم) بولاية الوحدة وقتل أكثر من (600) من الأبقار التي خلفها الجناة جراء ذلك العدوان الغاشم ، ذلك وغيره ألحّ عليّ أن أخصص هذا المقال لذلك الاعتداء الأثيم من جار السوء الذي أبتلينا به والذي لا نزال ، حتى بعد أن غادرنا إلى أرضه ، نتجرع صنوفاً من كيده وتآمره رغم كل الإحسان الذي ظللنا نبذله له ، فيا حسرتاه.
القوة التي ارتكبت تلك المجزرة قوامها (13) عربة لاندكروزر وأربعة دبابات مجنزرة توغلت بأكثر من سبعين كيلومترا في منطقة الضرابة على تخوم هجليج وكانت ، حسب تصريح معتمد أبيي السابق محمد الدوريك ، بقيادة فول منانج وقد حمل الدوريك الحكومة السودانية مسؤولية ما حدث لتجريدها الرعاة السودانيين في المنطقة من السلاح ومن عرباتهم دون أن توفر الحماية اللازمة لهم.
وفقا للخبر الذي أوردته (الانتباهة) فقد قال عمدة المنطقة محمد سالم حمدي إن الهجوم على المنطقة ليس بجديد (عقب تجريد القبائل من السلاح والعربات).
بالله عليكم من المسؤول عن قتل وفقدان وإصابة هؤلاء المواطنين الأبرياء ومن نهب أبقارهم؟!
لقد نبّه نواب المجلس الوطني والصحافة الحكومة مراراً وتكراراً إلى عواقب تجريد المناطق الحدودية من السلاح والعربات قبل تأمينها تماماً والتحقق من وجود البديل الكفيل بحماية المواطنين وممتلكاتهم وها هي الأيام تثبت صحة ما تخوف منه أولئك الناصحون.
كنت ولا أزال من أكثر الداعمين لقرار جمع السلاح وزادت قناعتي بعد الزيارة التي قمت بها مؤخراً في صحبة قيادة المجلس الوطني إلى شمال دارفور التي رأيت فيها بعضاً من ثمار تلك الحملة التي تنزلت برداً وسلاماً وأمناً واستقراراً رأيته يرفرف على سماء تلك الولاية التي لطالما عانت واخواتها الأخريات من الانفلات الأمني الذي أهلك الحرث والنسل ودمّر وخرّب وشرّد مواطنيها وشوّه سمعة السودان وعوّق مسيرة التنمية.
لا خلاف البتة في صواب قرار جمع السلاح من حيث المبدأ بل ونزعه ممن يرفض التجاوب معه ولكن العدوان الأخير يقف دليلاً حياً وقوياً على أن الأمر يحتاج إلى المراجعة العاجلة بعد أن تبين الآن بالدليل القاطع أن (الاندعارة) التي قاد بها نائب الرئيس حسبو محمد عبدالرحمن تلك الحملة لم تراع تلك المخاوف التي عبر عنها المحذرون
من عواقب الحملة قبل اتخاذ التحوطات اللازمة.
أخشى ما أخشاه أن تكون القوات المسلحة وقوات الدعم السريع التي كانت تحرس منطقة هجليج التي عانت من العدوان الأخير .. أخشى أن تكون قد تم تحريكها إلى الحدود الأريترية أو إلى اليمن أو أن تكون المنطقة غير محروسة أصلاً، وذلك في كل الأحوال خطأ لا يغتفر دفع ثمنه أولئك الأبرياء الذين عانوا من ظلمين كبيرين كونهم جُرِّدوا من السلاح الذي كانوا يدافعون به عن أنفسهم ثم لم تُوفّر لهم الحماية وتُرِكوا لقمة سائغة لأولئك الأوباش فما أفظعه من ظلم؟
خلال زيارتنا الأخيرة للفاشر ومليط علمت من خلال التنوير الذي قدمته لنا اللجنة الأمنية أن عربات الدفع الرباعي التي صُودرت من المواطنين في إطار حملة جمع ونزع السلاح أن من صُودرت عرباتهم لم يُعوضوا عنها وأثرت تلك القضية أمام اللجنة الأمنية والوالي عبدالواحد يوسف ورئيس المجلس الوطني بروف إبراهيم أحمد عمر وقلت إن أولئك المواطنين ظلموا بعدم منحهم مستحقاتهم سيما مع تناقص القيمة الشرائية للجنيه السوداني مع تصاعد قيمة الدولار .
لو لم يكن هناك من عوار لحملة جمع السلاح غير عدم تسليم المواطنين مستحقاتهم لكان ذلك كافياً لإحداث المراجعات اللازمة فقد لاحظت أن تعامل ولاة الأمر مع قضية العدالة يشوبها كثير من الضعف واللامبالاة وينسى هؤلاء أن دعوة مظلوم واحد يمكن أن (تغطس حجر) النظام كله وهل من ظلم أبشع من ذلك الذي لحق بمن قُتلوا ونُهبوا وجُمعت أسلحتهم عنوة وتركوا للبغاة والمعتدين ثم صُودرت عرباتهم بدون أن يُعوضوا عنها؟!
أما جار السوء دولة جنوب السودان فماذا نقول بعد أن بح صوتنا غير حسبنا الله ونعم الوكيل ؟! إن دولة الجنوب التي نستقبل الملايين من جوعاها رغم ضيق الحال بشعبنا الصابر المحتسب هي التي تكيد لنا وتقتل أبناءنا وتنهب ممتلكاتهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة