كان يوما للتسامح الأكبر وتناسي مرارات الماضي القريب، في عديلة الظليلة خلع الكل ثوب القبيلة وارتدوا ثوب القومية ووحدة الولاية، فزيارة حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية إلى عديلة نهار “السبت” الماضي كانت العنوان الأبرز بأن ولاية شرق دارفور تجاوزت خط العبور.
كلمات الناس وتعابير وجوههم تحكي عن رغبة كامنة في نفوسهم لتجاوز المرحلة، الملاحظة الأكثر تأثيرا هي حرص قيادات القبيلتين “معاليا ورزيقات”، وقيادات الولاية النظراء على الظهور معا، فعندما اعتلى المنصة ناظر عموم المعاليا لحق به وكيل ناظر الرزيقات وكذا معتمد عديلة والضعين وهكذا وهم يقفون إلى جوار بعض ملوحين بالنصر على المكاره والحرب، اللوحة أثارت إعجاب الكل.
(1)
قال اللواء عبدالرحيم حمدان دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع معلقا على ذلك: “هذه لها دلالات كبرى في مسيرة وتاريخ المنطقة”، فيما قال الصافي عبد الحميد مادبو رئيس كتلة نواب الولاية في المجلس الوطني وهو رجل من الرزيقات: “نقول لأهلنا في عديلة جميعا السماح لله”، واعتبر أن لقاء اليوم هو عيد لأنه لقاء للتصافي والتسامح مع الأشقاء ومكتمل الأوصاف، ونوه إلى أن الحشد الذي تم في الاستقبال لم ير مثله ويدل على الطيبة وجمال الروح والنفس، وكذا قال عثمان قسم حسن معتمد أبو كارنكا: “ما كان هذا ليحدث في السابق لولا جهد نفر كريم أولهم نائب الرئيس”.
(2)
الكثير من الحنين يتدفق بين ثنايا كلمات المتحدثين مما يؤكد أن الخلافات التي كانت في السابق ربما هي عابرة أو مفتعلة، قال نائب الرئيس متسائلا: “إذا كان هذا هو حال الناس فأين المشكلة وهل تقف وراءها جهات اخرى تستهدف الحكومة عبركم؟”.. بدا الصافي مادبو بلغة تحمل الكثير من الأسف وهو يتحدث عن عديلة المنطقة والجغرافيا قائلا: “إذا تحدثنا عن عديلة بين المحليات التسع نجدها كوكبا مضيئا لكل الولاية وإذا تحدثنا عن الشهامة نجدها قدر الاحترام والتقدير من الناظر إلى الوكيل” وأبدى الصافي تمنياته بأن تجد المنطقة الاهتمام من الحكومة في التنمية حتى تصبح عديلة العديلة، وختم الرجل كلماته بترديد: “سلام سلام عديلة سلام” والجميع يردد خلفه.
(3)
من بين سبع محليات طافها الوفد الرئاسي أخذت محليتا عديلة وأبو كارنكا النجومية دون منازع تنظيما وجمالا وترتيبا ودقة، في ميدان مدينة عديلة الورافة التي يتوسطها خط السكة حديد المتهالك، تجمع المواطنين بكل فئاتهم، فالنساء بزي متناسق والفرق الشعبية برقصاتها المميزة والأطفال بجمالهم وبراءتهم وبينهم أصحاب الهجن.. فديار المعاليا من أكثر المناطق في الولاية امتلاكا للهجن وثروات أخرى، تميزت المدينتان بالنفير الشعبي الذي أصبح ثقافة تجذرت بعيدا في نفوس الناس هناك، وذلك ربما كان استثنائيا في ظل واقع شرق دارفور لجهة أن النفير كمفهوم لا زال بعيدا عن التفكير، يقول بريمة يوسف معتمد عديلة إن شعار النفير تحول من “الجود بالموجود إلى الجود قطع من الجلود”، والفارق بين العبارتين يحمل الكثير من المعاني، وبحسب بريمة فإن كل المشروعات وحتى الصروح الحكومية أنجزت بجهد شعبي بعد أن فكرت المنطقة عقب استتباب الأمن في كيفية استغلال هذه السانحة من الاستقرار، منوها إلى أن البداية كانت عبر نفير “الكورة” وهي وضع إناء مفتوح في موقع مورد المياه ليضع فيه أي شخص مبلغا مساهمة في الجهد، وأشار المعتمد إلى أنه طيلة سبعة أشهر ماضية مرت المنطقة بهدوء أوقف فيه نزيف الدم وزرع الأمل في النفوس واكتست الأرض حلة زاهية وعاشت في جو من التسامح والرضى بفضل وجود القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، موضحا أن الاستجابة لحملة جمع السلاح كانت كبيرة وأن العملية تمت دون أن ينفق فيها مليما واحدا فقط عبر نداء إعلام الطواف أن هلموا إلى تسليم السلاح.
(4)
في همس سابق لإجراءات الحكومة الخاصة ببسط هيبة الدولة كان الحديث عن قوات الدعم السريع ومدي قدرتها في قبول التحدي بأن تحفظ الأمن في ولاية شديدة التعقيد، لا يخفي بعض مثقفي المعاليا في الخرطوم وعبر الأسافير تخوفاتهم من تلك القوات بناء على صورة ذهنية موغلة في التفسيرات الخاطئة، ولكن الواقع خذل كل ذلك وتشكلت سريعا علاقة حميمة بين الدعم السريع والمواطن لكون أن الأخير شعر بالأمن وأدرك الدور الذي تلعبة تلك القوات.
قال معتمد أبو كارنكا: “معظم الناس يعتقدون أن مشروع جمع السلاح لن ينتهي لكن قوات الدعم السريع أدت المهمة بمهنية دون تحيز حتى تمنى شبابنا أن يكونوا جزءا من هذه القوات”، وكذا عبر عن ذلك دقلو بقوله: “نحن اليوم مرتاحون لأن لدينا تجربة مع أهلنا في عديلة وشكرا لكم وأنتم أول من استقبل قواتنا ونحر الإبل وقال ناظركم: “إذا كان السجن يحقن الدماء فمرحب بالسجن”، وأضاف: “عندما جئنا إلى عديلة كان اليوم أسود والآن أصبح أبيض”، وتبرع بعدد من المؤسسات باسم الشهيد عبدالرحيم دقلو تمثلت في مجمع ديني وكأس للمضمار وزي رياضي كامل.
اليوم التالي.