قال بروفيسور شريف فضل بابكر أستاذ الهندسة بجامعة الخرطوم (كنت ضمن فريق كبير من المهندسين الذين شاركوا فى تصميم و تنفيذ نظام إتصالات كبير يوضع فى الطائرات و يمكن أجهزة الطائرة بإرسال و إستقبال معلومات عبر الأقمار الصناعية بين الطائرة و نقاط التحكم و المراقبة فى الأرض و يوفر خطوطا هاتفية و شبكة انترنت للكابتن و غيره. و يعمل هذا النظام بنجاح كبير فى آلاف من الطائرات اليوم).
وأضاف بروفيسور شريف فضل بحسب متابعة محرر موقع “النيلين (بعد عدة شهور من بدء إستعمال النظام فى طائرات الركاب وصلنا تقرير عن فشل فى إحدى الطائرات التابعة لشركة أمريكية و تحيرنا من طبيعة تقرير الفشل. و بعد عدة أيام وصلنا تقرير آخر عن فشل النظام فى نفس الطائرة. و توالت التقارير عن نفس طبيعة الفشل فى نفس السفرية؛ و الأغرب من ذلك فقد تأكد أن الفشل يحدث عندما تصل الطائرة نفس المنطقة من الكرة الأرضية).
وأضاف بروفيسور شريف فضل بحسب متابعة محرر موقع “النيلين (كنا نعلم أن تلك المنطقة مغطاة بثلاثة أقمار صناعية و ليس هنالك اى سبب يمنع التواصل مع الأرض بطريقة طبيعية عبر أى من تلك الأقمار. فما الذى يسبب ذلك الفشل؟ لم تكن لدينا إجابة منطقية لذلك السؤال.. و لكن يجب حل تلك المشكلة الخطيرة).
ثم أكل شريف منشوره الرائع مساء الأربعاء على فيسبوك: تتنقل تلك الطائرة بين عدد من المدن الأمريكية ثم تتجه إلى مدينة أوروبية ثم إلى طوكيو فى اليابان و منها إلى بكين فى الصين و تعود فى نفس المسار. و فى منطقة ما بين بكين و طوكيو يفشل النظام و يفقد التواصل بالأرض و لم تكن المعلومات المتوفرة لدينا من ال Fault Logs كافية لمعرفة سبب المشكلة و كنا فى حوجة ماسة لمزيد من ال logs من ذلك النظام اللعين.
تحرك بعض الفنيين إلى المدينة التى تتوقف فيها الطائرة فى أمريكا و قاموا بتركيب وصلة Ethernet مع الجهاز القابع فى مكان بعيد بين مئات من أجهزة الطائرة و تركت نهاية الأسلاك مخفية فى آخر مقعد فى الطائرة و حجز ذلك المقعد لكل السفرية لحين عودتها للنقطة الأولى. و عند وصول الطائرة إلى بكين تسلل أحد المهندسين إلى تلك الطائرة يحمل laptop و جلس فى ذلك المقعد ليجد وصلة تمكنه من الإتصال بالجهاز و كنا قد تأكدنا أنه قد تدرب على كيفية التعامل مع الجهاز ليتمكن من إستقبال تفاصيل ما يحدث فى ذلك النظام. و تمكن بالفعل من تنفيذ المهمة بنجاح و ترك الطائرة فى طوكيو و أرسل لنا من داخل المطار عدة ملفات تحتوى على ما سجله من تفاصيل عمل الجهاز؛ و إنتهت مهمته بذلك بنجاح.
و بعد نصف ساعة من وصول تلك الملفات كنا قد عرفنا سبب فشل الجهاز. فقد كنا نحتفظ بقيمة الزمن منذ بدء عمل الجهاز فى متغير ذى أربعة بايت 4 byes. و كانت دقة الزمن 0.1ms. و عليه فأن ذلك المتغيير يستنفذ حجمه الكلى بعد حوالى 50 ساعة و يحدث ما يسمى ب overflow. و تتوقع كل أنظمة الأتصالات أن يكون الزمن المستعمل لدى العميل ذا دقة معقولة؛ و عليه يرفض النظام الأرضى التخاطب مع أنظمة الطائرة عبر نظامنا لأنها تتدعى أن الزمن مختلف عن زمن الأرض بحوالى 50 ساعة تقريبا.
كان الحل بسيطا جدا رغم خطورة النتائج تلك. فقد غيرنا نوع المتغير الذى يحتوى على الزمن ليصبح ثمانية بايت بدلا عن أربعة. و عند وصول الطائرة إلى تلك المدينة الأمريكية كان البرنامج المعدل فى إنتظارها و تمت إزالة تلك الأسلاك و غادر المهندسون المطار و لم نسمع عن ذلك الفشل مرة أخرى.
لا تتنازل عن بحثك للنجاح بسبب فشلك مرة و مرات و إن كان ذلك الفشل كبيرا و محرجا.
الخرطوم/معتصم السر/النيلين