ليتكم تفعلونها!

-1- أسوأ ما في العمل العام في السودان، حين يُغادر مسؤولٌ موقعَه، ويأتي آخر مكانه، وأوَّل ما يفعله القادم الجديد، هدم وإزالة ما فعله السابق، وتصفير العداد، وبداية إعلان تاريخ جديد للمؤسسة!
هذه من المشكلات المُزمنة التي تُعيق عملنا العام، وتحدُّ من انطلاقنا في مدارج التقدم والصعود إلى الأمام.
كانت حكومة ما بعد جعفر نميري، تبذل أغلب الجهد وما بوسعها، في إزالة آثار النظام السابق، أكثر من سعيها لتقديم جديدٍ يُحسِّن أحوال المواطنين ويُرقِّي أوضاعهم.
-2-
والي البحر الأحمر السيد علي حامد، ظلَّ يعمل بكُلِّ ما يستطيع من قوَّة ومُثابرة، لإزالة آثار الوالي السابق محمد طاهر إيلا؛ فماذا كانت النتيجة؟
لن تجد أكثر من الذباب فصاحةً لتقديم تقريرٍ عن ما حدث، بعد رحيل إيلا وقدوم حامد!
هل سمع أحدُكم بأسرة أو أصدقاء قرَّروا السفر من الخرطوم لقضاء حفل رأس السنة في بورتسودان؟!
لا أظن.
أكثر من مليون شخص، كانوا يذهبون من كل أنحاء السودان، في مُستهلِّ كُلِّ عام، لقضاء رأس السنة ببورتسودان، حيث النظافة والجمال وروعة البرامج والمكان.
وقتذاك، كانت تتَّسع الشقق وتزدحم الفنادق، ويضيق رصيف الأحمر بالمارَّة والجالسين، وتنتشي جيوب الأدروبات، وتحلو القهوة مع (الونسات).
مضى ذلك الوقت، وجاء زمان كلَّما ابتسمت بورتسودان لزائريها، حطَّ على شفتيها الذباب!
-3-
كانت بادرةً طيِّبةً من الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، والي الخرطوم، وهو يستضيف في اجتماعٍ بمجلس وزرائه، الوالي السابق دكتور عبد الرحمن الخضر، وعدداً من ولاة الولايات (أحمد هارون، آدم الفكي، ميرغني صالح).
كان الهدفُ من الاجتماع عرض تجربة جهاز التحصيل المُوحَّد للموارد، عبر التقرير السنوي للإيرادات للعام 2017.
التجربة هي الأولى في كُلِّ ولايات السودان، والهدف منها تنمية الموارد المالية للولاية، من خلال الإسناد المعرفي والاستخدام الفعَّال للتطبيقات الحديثة، وتأسيس الشراكات الذكية مع المُموِّلين.
-4-
من خلال العرض الذي قدَّمه مديرُ جهاز التحصيل دكتور عماد الدين العوض البشير، كان واضحاً نجاح التجربة من خلال تصاعد الأرقام والنِّسَبِ مُقارنةً بالأعوام السابقة.
مصدرُ النجاح الطريقة العلمية التي يُدار بها الجهاز، من خلال تخطيط مُحكَمٍ وتنفيذٍ مُجوَّدٍ وهمَّةٍ عاليةٍ لإنجاز المُهمَّة على أكمل وجه.
ضحكَ البعضُ وتبسَّم آخرون، حينما قلتُ لوالي الخرطوم، وهو يمنحني الفرصة للتعليق أثناء الاجتماع:
ما فعلتموه أمرٌ جيِّدٌ يستحقُّ الإشادة والثناء؛ لكن نتمنَّى بذات الحرص والدِّقَّة والاهتمام والهمَّة العالية في الحصول على الموارد؛ أن تُنشِئوا جهازاً آخر بذات المواصفات والروح، لتنظيم وتحديد أولويات الصرف الحكومي وبنوده، بشفافيةٍ ووضوحٍ رقمي، حتى يعلم المُواطن الذي تُصليه الزيادات وتُقلق منامَه ويقظته الرسوم والجبايات، أين يذهب كل جنيه، يتم جمعه من عرق المواطنين وكدحهم، عبر جهاز الموارد؟!

-5-
قلت: إن سؤال المواطن الآن لا عن فلاحِكم في جمع الموارد الجبائية، ولكن عن كيف ستُسهم هذه الموارد في تخفيف أعباء المعيشة عليه، مع ارتفاع الأسعار ووطأة المُعاناة!!
والي الخرطوم ذكر أنهم لا يستطيعون تقديم ما يُفيد المواطن في معاشه ويُخفِّف الضغوط عليه، إذا لم تكن هناك موارد حكومية كافية في متناول اليد. وعرض سعادة الفريق، دون تفصيل، ما يفعلونه في الولاية لدعم معاش الناس وتسهيله.
-6-

للأسف، إلى الآن لا تُوجد مشاريع مُبدعة وخلاقة، لتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين؛ فأسواق البيع المخفض لن تُحقِّق الغرض.
الجروح عميقة والمُعالجات سطحية.
الميزانية الأخيرة غير مسبوقة في قسوتها.
المُعالجات ضعيفة ومُرتبكة، والحلول المطروحة محدودة الأثر، لا تُبرئ الجرح ولا تُخفِّفُ الألم.
المعالجات الأمنية ستكون مُؤقَّتة وقصيرة النفس، ولن تردع التجار الجشعين.
-أخيراً-
بذات المهارة والحرص، اللذين مكَّنَا ولاية الخرطوم من زيادة نُموِّ دخلها إلى أكثر من 108%، لو تمَّ البحث عن مشاريع إنتاجية وخدمية غير تقليدية، تزيد دخل المواطن وتُحسِّن من معيشته وحاله؛ ستكون الولاية قد حقَّقَتْ مراد السياسة والحكم في الدين والتاريخ: تحسين أوضاع المواطنين وتجنيبهم مآسي الفقر والعوز.

ضياء الدين بلال

Exit mobile version