بدت حيثيات الملف برمته غامضة وغير مألوفة التفاصيل، وربما بدت خططه مدفوعة الثمن.. جرجرت المنطقة الى حافة الحرب هو المشروع. تقودنا تلك التفاصيل المريبة الى السؤال عن تلك الأيادي التي ظلت تعبث بأوراق الملف وصفحاته تقلبها كيفما تشاء..
ما هي الجهات الخارجية التي لها مصلحة في إشعال المنطقة على تلك الوتيرة المتسارعة؟..
وما هو دور المراكز الأجنبية والمخابراتية وجهات بعثية في الدفع بدول المنطقة الى خط المواجهة وحافة الحرب ولمصلحة من تم ذلك؟..
الى حافة الهاوية
بدا التقرير الذي انتجه مركز (استراتفور) الأمني المعروف بتبعيته لوكالة الاستخبارات الأمريكية وكأنه يحاول جرجرة دول المنطقة الى مواجهة حامية الوطيس، ومن ثم الدفع بها الى حافة الهاوية، منذ تفجر أزمة سد النهضة بين دول المنبع والمصب، وبدا المركز يطرق على الملف على نحو لا يدعو الى استقرار تلك الدول ولا الى دعم الوصول بالملف الى نقطة التسوية التي تضمن تعاون دول حوض النيل.. وعلى نحو ما بدت تقارير المركز تسبح بدول الملف عكس تيار النيل.. فقد استعرض تقرير دفع به المركز أواخر العام 2017م مستقبل نهر النيل على ضوء بناء سد النهضة الإثيوبي، تحت عنوان (مصر تستعد لفقدان السيطرة على نهر النيل)، ولفت الى أنه خلال العقد الماضي، تحول ميزان القوى في سياسة نهر النيل لصالح دول المنبع، والتي بدأت في تحدي نفوذ مصر على استخدام موارد النهر. وأشار التقرير إلى أن مصر ستواصل الحفاظ على اللهجة العدوانية ضد إثيوبيا في محاولة لإجبارها على الاستسلام لمطالب القاهرة، ولكن في النهاية سيتم الانتهاء من بناء السد. وأكد التقرير أن بناء السد أصبح أمراً واقعاً، فيما تفقد القاهرة ميزة التفاوض، وقال إن قدرة إثيوبيا على تقديم تنازلات لمصر أصبحت محدودة، ولفت إلى أن مصر تقدمت بشكوى إلى شركائها في الجامعة العربية وإلى البنك الدولي، ولكن دون جدوى، بسبب اتساق إثيوبيا في رسالتها بأن الري ليس جزءاً رئيساً من خطة السد. ولفت التقرير إنه “من المرجح أن تجبر مصر على العودة إلى طاولة المفاوضات عاجلا ًوليس آجلاً، وأضاف أن نقص الخيارات أمام القاهرة، وتراجع قدرتها على التوحد مع السودان ضد دول المنبع، واستمرار بناء السد “يظهر عدم جدوى تكتيكات القاهرة القديمة، وأن دول المنبع تكتسب النفوذ في سياسات مياه حوض النيل”..إلى ذلك حاول التقرير لفت الانتباه الى أن تكتيكات القاهرة التي نعتها بالقديمة غير ذات نفع..
ودفع المركز في يناير من العام الماضي بتقرير آخر تحت عنوان (منافسة على ضفاف النهر.. الجزور التاريخية للصراع المائي بين مصر وإثيوبيا)…لافتاً الى أنه رغم التعاون الذي تضطر إليه مصر كونها لا تملك حلولاً بديلة لإيقاف بناء السدّ، استمرت المخاوف التاريخية بين القاهرة وأديس أبابا. وظهرت مرّة أخرى اتهامات بدعم مصر لمقاتلي المعارضة الإثيوبية. وقد دخلت بلدان أخرى على الخط أيضاً، على أمل الاستفادة من سدّ النهضة الإثيوبي العظيم في التأثير على مصر، التي سعت مؤخرًا إلى قدرٍ أكبر من الاستقلال في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، ومقاومة أية محاولات لوضعها تحت تأثير خارجي. وذهبت الدراسة الى أن الجغرافيا تؤكد أنّ المنافسة بين مصر وإثيوبيا سوف تستمر، وأكد التقرير أنه مع تزايد عدد سكان مصر، فإن تحديات إدارة إمدادات المياه لن تكون أسهل في العقود القادمة، مشيراً إلى أن مستوى العجز المائي في مصر، أقل من العديد من الدول في الشرق الأوسط، ولكن أي انخفاض في معدلات وصول مياه النهر، حتى ولو لفترة قصيرة، من شأنه أن يزيد من التوتر بسرعة وفي العام 2014 نشر مركز استراتفور الأمريكي الاستخباري مقالاً للمحلل السياسي الأمريكي روبرت كابلان، أشار فيه الى “أن نقطة المياه في السنوات المقبلة ستكون أغلى من البترول، متخذاً من مصر وإثيوبيا مثلاً، فكل منهما يتزايد عدد سكانه ونصيبه ثابت من المياه”.
ولم يكتفِ “كابلان” بالتلويح بالحرب، بل دخل في تفاصيلها أكثر، قائلاً: “إن مصر أقوى عسكرياً من إثيوبيا، ولكن من أجل الحرب يلزمها تعاون كامل مع السودان وهو أمر مستبعد حالياً، نظراً لأن مصر يحكمها نظام عسكري علماني، بينما السودان متقارب مع جماعة الإخوان وهو ما يجعل الحرب صعبة ولكنه خيار غير مستبعد”.
تهيئة المسرح الإريتري
تركيز إقليمي وأجنبي ظل يلوح بثقل إريتريا العسكري حال نشوب حرب وما تحويه من قواعد إسرائيلية وأخرى لدول عربية بالمنطقة أنشأتها وتحاول إنشائها حالياً. وفي هذا المنحى ذكرت تقارير ستراتفور، أن إسرائيل لديها قواعد عسكرية في إريتريا، وأنَّها تحتفظ بمحطة للاستماع المخابراتي في ذروة “امبا سوير” وهو جبل يصل ارتفاعه إلى 3 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر وفي المراسي في (أرخبيل) و(دهلك) بالبحر الأحمر. وحسب مؤلف كتاب حرب المياه على ضفاف النيل، فإنه منذ اعتلاء أفورقي السلطة في إريتريا تحولت تلك الدولة الى أقوى حلفاء إسرائيل في المنطقة. ويتواجد بها نحو 650 ضابطاً إسرائيلياً يعملون على تدريب قواتهاً.
وحسب صن دي تايمز، فإن إسرائيل تتحكم في جزيرتين بإريتريا تستخدم إحداهما للتنصت والأخرى لتزويد غواصاتها في البحر الأحمر، واستناداً الى تقرير الصحيفة، فإن الغارات التي شنتها إسرائيل على السودان في العام 2009 انطلقت من قاعدة إسرائيلية في إريتريا. الى ذلك أكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن التواجد الأمني الإسرائيلي في إريتريا صغير من حيث العدد، إلا أنه مؤثر للغاية وحقق الكثير من الإنجازات الإستراتيجية لإسرائيل.
سيناريوهات الحرب
خلال مايو الماضي تناقلت وسائل الإعلام على نحو مفاجئ الأخبار عن قيام مصر بإنشاء قاعدة عسكرية في إريتريا في منطقة (نورا) بجزيرة (دهلك) بالبحر الأحمر وهي جزيرة تتواجد على أرضها فواعل عسكرية إسرائيلية كثيفة وتعد بمثابة قاعدة لها، ورغم أن نواقل الخبر مصادر أجنبية، إلا أن تلك الأخبار قوبلت بنفي على لسان بعض المصادر المصرية، الأمر الذي يضفي غموضاً آخر على حقيقة الأمر والغرض لكشفه إن كان واقعاً.
وفي يونيو من العام 2014م استعرض معهد “ستراتفور” الأمريكي في تقرير له عن الخيارات المصرية العسكرية لضرب سد النهضة الإثيوبي، مشيراً لوجود قيود كبيرة على استخدام مصر الحل العسكري للتعامل مع أزمة “سد النهضة”، مشيراً إلى أن هناك خيارات عسكرية تقف بين البلدين حائلاً في أن ينفذها الجيش بشكل كامل، متوقعاً أن يضغط المجتمع الدولي بشكل جاد، لإبقاء الأزمة بين البلدين في إطار الحل الدبلوماسي.
ورجح المعهد البحثي الأمريكي، المعروف بتبعيته لجهاز الاستخبارات الأمريكي، في تقريره، أن مصر قد تلجأ لضرب السد أثناء بنائه، تفادياً لإغراق السودان، وحتى مصر، بفيضانات كبيرة إذا هاجمته بعد إنشائه، إلا أنه أشار إلى أن القاهرة يجب أن تكون حريصة على ألا تضرب السد في وقت مبكر جداً حتى لا تعيد إثيوبيا بناءه مرة أخرى -حسب المعهد.
ونبه تقرير “ستراتفور”، الذي بدا وكأنه يستعدي دولاً للانقضاض على السد وتدميره، وظل يقدم السيناريوهات لذلك بصورة لا تدخل في فعل وأهداف المراكز البحثية المتعارف عليها.. نبه في تقريره إلى أن مصر يمكن أن تعتمد على قنابل يتأخر انفجارها من خلال توزيعها على مستوى ارتفاع منخفض تماماً، مضيفًا أن الحل العسكري الأفضل من ذلك يتمثل في استخدام ذخائر الهجوم المباشر، التي تنفجر بعد وقت، ويتم توزيعها على ارتفاع متوسط، مؤكداً أن المسافة بين البلدين تقف عقبة كبيرة في استهداف سد النهضة، وأن مصر لم تستثمر في التزود بالوقود الجوي، مما يصعب الأمر أكثر، فيما يصبح استهداف السد من الأراضي السودانية الحل الوحيد لمصر. وحذر من أن انطلاق الطائرات المصرية من السودان يعد أمراً معقداً من الناحية السياسية، نظراً للعواقب الدولية على مصر والسودان، وتعرض الأخيرة لانتقام عسكري مباشر من إثيوبيا.
وتناول “ستراتفور” خياراً عسكرياً آخر أمام مصر يتمثل في تسلل فرقة من قوات العمليات الخاصة المصرية إلى السودان، وتتحرك عبر حدودها إلى إثيوبيا في محاولة لتعطيل بناء السد، أو تخريب بنائه تحت ستار من المسلحين، موضحاً أن هذا الخيار يمنح الخرطوم الفرصة للتنصل من المسؤولية عن تسلل المسلحين إلى إثيوبيا، ولفت التقرير الى أن الحل العسكري يعمل على تأجيل المشروع فقط وليس إيقافه. وحدد المعهد البحثي العقبات التي تواجه فرقة العمليات الخاصة لتدمير السد، التي تتمثل في حماية البنية التحتية للسد بشكل جيد عن طريق وحدات عسكرية متخصصة، بالإضافة إلى حاجة الفرقة إلى الحظ والمهارة للوصول إلى السد بنجاح، فضلًا عن قدرتهم البدنية لتحمل ما يكفي من الذخائر التي تحدث ضرراً بالسد..على ذلك النحو بدت تقارير ستراتفور..تدعم انفجار المنطقة ودول الإقليم، وتحرضها جراً الى حافة الحرب على حساب استقرارها المنشود..
الانتباهه.