بائعة كسرة: المحلية فرضت علينا رسوماً وحددت سعر “الطرقة” بجنيه
موظف: الإخلال بواجبات الأسرة يولد توتراً في العلاقة ويقود إلى الطلاق
نفسي: هناك مفارقات واضحة في العمل بين الجنسين
جاء في إحدى الصحف السياسية الصادرة الأيام الماضية خبر يوضح أن عدد النساء العاملات فاق عدد الرجال بنسبة كبير لم يذكرها الخبر، وأن هناك منافسة شرسة بين الجنسين للحصول على الوظيفة، ويضيف الخبر أن المرأة احتلت النسبة الأكبر في العمل الهامشي والمشاريع الإنتاجية في الأسواق بالسودان عامة، قررت (الصيحة) تناول القضية وبحثت حول طبيعة الظروف التي جعلت من المرأة أن تكون عائلاً لللأسرة، ونوعية المجالات التي تمارس فيها أنشتطها للحصول على دخل، والنظر في ما إن كانت هناك عوامل مساعدة أو معوقة للمرأة في ممارسة العمل، كما بحثت حول نظرة المجتمع إلى عمل المرأة حينما يكون ضرورة تحتمها الظروف، وعندما يكون غير ذلك.
صعوبات كثيرة
ظلت تعمل في بيع (الكسرة) بسوق الرميلة منذ أربعة أعوام .. (إسلام عمر) (35) عاماً .. أم لأربعة أبناء.. تقوم بمساعدة زوجها المريض الذي لا يستطيع العمل بصورة مستمرة، تقول لـ(الصيحة) إنها أتت مع زوجها من (نيالا) من أجل العلاج، وعندما زادت حالته التي أقعدته في المنزل، عمدت إلى العمل في بيع الكسرة من داخل المنزل وفي السوق، لتربية أبنائها الأربعة وتوفير العلاج لزوجها ورعاية والديه كبار السن، واشتكت من الرسوم التي تفرضها المحلية على النساء العاملات بالسوق والتي تبلغ حوالي (50) جنيها شهرياً، كما أنها قامت بإرسال مبعوث ليحدد لهن أن طرقة الكسرة الواحدة بـ (بجنيه) وتشير أن هذا السعر من الصعب تنفيذه نسبة لأن الزبائن باتوا يهربون، بالرغم من أن المردود لا يغطي احتياجات الأسرة، وتضيف: أصبح عمل المرأة خارج المنزل ضرورة تحتمها الظروف الأسرية الخاص ، سواء كانت أرملة، أو مطلقة أو العائل الوحيد للأسرة .ومضت قائلة: أحياناً تجد صعوبة في التوفيق بين العمل والقيام بدور البيت فهي ترى أن البيت يحتاج لوجود الأم.
صانعة العطور
أما (فاطمة محمد إسماعيل) ـ مطلقة ـ وتعمل في تجارة (المدققات)، وصناعة العطور السودانية وبيعها بالأحياء، تعول أسرة مكونة من ثلاثة أفراد وهم (ابنها البالغ عشر سنوات ووالدتها المريضة وابنة أخيها المتوفى)، تقول إنها جاءت من (بابنوسة) إلى الخرطوم بحثا عن العمل، لكنها تفاجأت بالعذاب، فهي تقضي اليوم بأكمله خارج المنزل من أجل تسويق البضاعة متأرجحة الدخل ، ووالدتي اشتكت أيضا من الرسوم التي تفرضها المحلية عليهم في سوق الخضار والبالغ قدرها مائة جنيه شهرياً، تقول الـ(الصيحة) أحياناً الظروف المعيشية الصعبة تجبر المرأة على العمل حتى وإن كان هذا العمل يجعلها تقصر في واجباتها المنزلية، وعندما يكون للمرأة عدة أطفال وجميعهم يحتاجون لرعاية هذا ناهيك عن متطلباتهم المدرسة اليومية، إن عجز الزوج في توفير تلك المستلزمات خاصة وإن كان دخله الشهري بسيطاً لا يكفي متطلبات أطفاله لابد للزوجة أن تعمل من أجل أبنائها ومستقبلهم حتى وإن عملت في الأعمال الهامشية، فيكفي أنها استطاعت أن تجعل المستحيل ممكناً من أجلهم، وتضيف أنها خرجت من أجل توفير اللقمة لأسرتها، وأنها ظلت تعمل في المجال منذ عشر سنوات، وبالرغم من مضايقة المحليات برفع البضاعة ووضع تعرفة تقدر بـ(100) جنيه لاسترجاعها إلا أنها ما تزال تقاوم الظروف المناهضة لعمل المرأة من أجل الحياة الكريمة التي تقيها سؤال الناس.
عدم تقدير
أما المعلمة (م-ع) تعمل منذ تسع سنوات أستاذة لغة عربية بمرحلة الأساس، تقول إنها تساهم بجزء بسيط في المصروفات المنزلية، وإن المرأة العاملة خاصة في مجال التدريس لا تجد التقدير الذي تستحقه من المجمتع عموماً، وتمنت أن تساهم التكنولوجيا الحديثة في مجال التعليم ومواكبة التطور، وقالت أن مهنة التعليم خصمت من رصيدها الاجتماعي، وقللت من تواصلها مع الأهل والمعارف، مبينة أنها تخصص ساعات من وقتها لزيارة الأهل ما بين الفينة والأخرى، وتقول إن الأفضل للمرأة البقاء بمنزلها والاهتمام بتريبة الأبناء بدلاً من العمل الذي أجبرتها الظروف عليه، ودحضت بشدة ما يشاع بأن الأسلم للمرأة العمل كمعلمة قائلة إنه يؤثر على صحة المرأة من نواحٍ بصرية عطفاً على الوقوف الساعات الطوال إلى جانب تأثرها بضغوط العمل.
من جانبها ترى (ميمونة الزين) ـ موظفة ـ العمل ضرورياً بالنسبة للنساء لأنه يطيل العمر بحسب نظرتها، وتضيف لعدم إمكانية تفرغ الأم لرعاية الأسرة والأبناء فهناك (الجدة ـ الخالات ـ دور الحضانة) وغيرها، وقالت إنها لا ترى في العمل ما يمنع المرأة أن تكن رائعة وزوجة صالحة ومثالية، وقالت إنها من واقع خبرتها كامرأة موظفة تستطيع التوفيق بين عملها وأسرتها حتى إذا كان على حساب راحتها ،وهي ترى أن الأهم في ذلك موافقة الزوج والتنسيق مع الزوجة في تسيير الحياة.
أهمية العمل
وأجمع بعض الأزواج الذين التقتهم الصيحة على أهمية عمل المرأة نظراً للظروف المعيشية الصعبة وغلاء المعيشة التي جعلت جميع النساء يعملن من أجل توفير مستلزمات الأسرة بالإضافة إلى ارتفاع الأسعارو ضرورته وشرعيته ونجاحها فيه، وقال حامد عبد الباقي ـ موظف ـ إن عمل المرأة ضروري وضمان لتقلبات الدهر، فالزوج أو الأب المتكفل بها اليوم قد لا يكون موجوداً في الغد، متسائلاً أيهما أفضل أن تمد يدها للغير أم تعمل، هناك بعض الأزواج يبخلون على زوجاتهم وأبنائهم، ويضيف إن الدين أقر عمل المرأة ومثال لذلك العديد من الصحابيات كن يمارسن التجارة ولم يعترض الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، لكن علي المرأة أن تبعد نفسها عن الفتنة، وضرورة التوفيق بين العمل واهتمامها بأسرتها، إذ أن التقييد الذي يفرضه نظام العمل في الوظيفة جعلها غير قادرة على الاضطلاع بواجبات المنزل من طهي وترتيب واستذكار دروس الأولاد، وأصبح حرصها على مواعيد الاجتماعات وكتابة التقارير الخاصة بالعمل أكثر، ويرى أن هذا الإخلال يولد توتراً في علاقة المرأة بزوجها، قد يقود إلى الطلاق فيضيع الأبناء.
فجوة كبيرة
وتقول دراسات اجتماعية لمراكز بحوث متخصصة إن (60%) من الأسر السودانية تعولها نساء عدد كبير منهن ولجن الأعمال الهامشية مثل العمل في الأسواق وغيرها من المهن الهامشية الأخرى، ومن الإحصائية يتضح أن العمل أصبح يمثل ضرورة وفرض عين لا كفاية لعدد كبير من النساء في البلاد، باعتبار أن المرأة منهن هي العائل الوحيد لأسرتها في ظل الظروف المعيشية الصعب ، وأوردت دراسة أعدت بإحدى الجامعات أن نسبة النساء من السكان حوالي (50%) وأن (57%)منهن يعشن تحت خط الفقر فيما يعاني الـ(53%) من الرجال الفقر، وتقر الدراسةب وجود فجوة في الدخل بين الرجال والنساء بنسبة (18%) أي أن الذكور يشكلون (59%) من الدخل بينما الإناث 41%، وطبقاً للدراسة التي اعتمدت على إحصائيات بتاريخ (2013)، فإن المرأة بالسودان تشارك بنسبة(51%) في الوحدات الحكومية الاتحادية والولائية، وتتبوأ (343) امرأة وظائف قيادية عليا مركزية من جملة القوى العاملة في الوزارات ، من مجموع العاملين البالغ عددهم (10,448) وتكشف الدراسة أن معظم النساء الموظفات يعملن في الدرجة التاسعة ويقل عددهن في الدرجات العليا، بينما ينعدم في الأولى والثانية والثالثة، وقدمت الدراسة إحصائيات حسب التاريخ الذي أجريت فيه بأن عدد القاضيات كان حوالي (67) وضابطات بالجيش رتبة عقيد (11) وحصلت حواء السودانية في ذلك الحين على مقعدين وزاريين من جملة (27)وزيراً اتحادياً و(6) وزيرات دولة من مجموع (54) من الرجال، بجانب (20) وزارة مقابل (167)وزيراً.
مفارقات واضحة
ويقول أستاذ علم الاجتماع عبد الرحيم بلال إن العمل يؤثر على المرأة بصورة إيجابية فهي تكون مستقلة ولديها مشاركات خاصة بالمجمتع، وذلك ينعكس على تربية أبنائها، لكنه يضيف لـ(الصيحة) أن المرأة من خلال العمل تستطيع أن تربي أبناءها بالطريقة المثلى.
فيما ترى أستاذة علم نفس (سلوى أيوب) أن هناك فرقاً واضحاً بين عمل المرأة والرجل عموماً، فالمرأة المتزوجة ولها أبناء تزداد أعباؤها اليومية ، بالعمل داخل وخارج المنزل، وإذا كان الزوج يستطيع إعالة العائلة فلماذا لا يعتبر عمل المرأة في بيتها عملاً؟ وأي عمل فهو عمل لا ينتهي، ومجال التطور والإبداع فيه لا ينتهي، والتربية لا تنتهي، وتبادل الخبرات أيضاً لا ينتهي، وتضيف دائماً دعاة تحرير المرأة والمساواة لا يهتمون بهذا الجانب، ولايظهرون عمل المرأ ، بل يعتبرونه من صور البطالة، وكثير من الزوجات العاملات تحتجن الى شغالات في المنزل من باب سد الفراغ، وبصورة تشبه أن يستخدم الموظف رجلاً يعمل في مكانه لكي يتوظف هذا في وظيفة أخرى، وتؤكد أن عمل المرأة في الإسلام تدعو له الضرورة فقط، مع الحفاظ التام على العفة.
ليس واجباً
ويؤكد الشيخ محمد أحمد الزاكي على ضرورة عمل المرأة في حالة عدم وجود الزوج أو إذا كان الدخل المادي للزوج ضعيفاً فيسمح لها أن تعمل من أجل مساعدة الزوج في تربية الأطفال، ولكن عليها التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية والالتزام بالزي المحتشم، ولكنه سرعان ما تراجع وقال : عمل المرأة خارج البيت ليس واجباً ولا أمراً حتمياً تجبر عليه في الإسلام ، بل هو في حقها جائز ومباح شرعاً وهناك فرق كبير بين الواجب والجائز والمباح الذي لا ينبغي أن تمنع منه إذا ما رغبت فيه وتوفر لها ما لا يتعارض مع وظيفتها الأساسية في القيام بشؤون البيت وواجبات الأمومة والزوجية مع موافقة الأب والزوج بالإضافة إلى أن تكون مجالات العمل ملائمة لطبيعة المرأة مثل التعليم، التوظيف، والطب، والحياكة، والإدارة والبيع، وأن لا يكون العمل فيه خلوة أو اختلاط دائم مريب.
تحقيق: مي عبد الله
صحيفة الصيحة