قبل إعلان حالة الطوارئ بولاية كسلا الأسبوع الماضي، كانت هناك ثمة تسريبات بوجود نشاط عدائي للجارة إريتريا على طول الشريط الحدودي ،وهو ما أخذته السلطات المختصة مأخذاً جاداً جعل من إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود أمراً واقعاً لا محالة.
وهو ما جعل الأمور لدى الجانب الآخر تأخذ سرعةً محمومة في عدد من المناحي. ها هُنا بعضٌ من القصة الكاملة للطوارئ التي تعيشها ولاية كسلا. مع تزايد نشاط المخابرات الإريترية بولاية كسلا وبتنسيق واضح مع المخابرات المصرية على طول الحدود التي تربط الدولتين، كان لا بد من خطوة استباقية تجعل الجارة إريتريا في وضع الثبات الحركي وليس الحركة الحرة. وهو ما كان من إغلاق الحدود والتدقيق في هويات وأغراض الخارجين من وإلى الدولتين. تم هذا بعد أن توافرت معلومات مؤكدة حول وجود قيادات من المخابرات المصرية داخل العاصمة الإريترية أسمرا. وبمعاونة ثلاثة من المعارضين السودانيين المعروفين وذلك بفندق (أ).
بتاريخ 5 يناير الماضي وردت معلومات للسلطات المختصة حول وصول معدات عسكرية متقدمة من إحدى دول الجوار مع توفر خبراء عسكريين كذلك.
إزاء كل هذه المعلومات كان قرار حالة الاستنفار الذي أعلنه والي الولاية الأستاذ آدم جماع ، وهو ما تبعه كذلك من تمشيط للحدود بين الدولتين.
مع كثافة الأخبار والتعليقات والتحليلات السياسية والعسكرية للأمر. كانت هناك وخارج حدود الدولتين مخططات تسير وفق تناغم واضح لجعل الحدود مكان موقعة عسكرية وشيكة الوقوع.
ففي كمبالا العاصمة اليوغندية التأم يوم الأربعاء الماضي اجتماع ضم أحد ضباط المخابرات المصرية، برفقة نائب مدير المخابرات الإريترية واثنين من قادة الحركات المسلحة بدارفور. وذلك بغرض إرسال مقاتلين للقتال إلى جانب القوات الإريترية.
ومع كل هذا الزخم العسكري والمخابراتي الذي انتشر بين عواصم ثلاث من دول الجوار”كمبالا ــ أسمرا ــ القاهرة” كان هناك ما حفز الحكومة الإريترية على التمادي في عدائها للسودان. وهم مجموعة من مقاتلي حركات دارفور لا يتجاوز عددهم الـ175 وهم موجودون في معسكر “ساوا” القريب من الحدود بين البلدين.
على صعيد متصل فقد أمكن للحكومة الإريترية الحصول على أموال مقدّرة من الحكومة المصرية، بغرض تجنيد أعداد مقدرة من الشباب العاطل عن العمل بالقرى الإريترية، ويقول مصدر مطلع بأن أعداد الذين التحقوا بمعسكرات التدريب لم يزد عددهم عن 120 شاباً.
الغذاء للإريتريين منذ الأسبوع الماضي
في مواجهة كل هذه الأحداث المتسارعة على طول الشريط الحدودي. كان الوضع الغذائي لسكان الشريط الحدودي على الجانب الإريتري وبعد إعلان حالة الطوارئ يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
لاعتماد هؤلاء السكان في معاشهم مأكلاً ومشرباً على تجارة التهريب السلعي والتي انحسرت منذ عامين من الآن، إلا في حدود ضيقة للغاية. وهو ما صرح به المسؤولون في الولاية إذ يبلغ الشريط الحدودي 375 كيلومتراً. وهو ما يصعب مراقبته.
خير دليل على ما ذهبنا نحوه من قولٍ هو حجم الضبطيات الكبيرة والتي شاهدناها بكل من حوش الجمارك وحوش شرطة ولاية كسلا، إذ تم في ويوم واحد وهو يوم الأربعاء الماضي الموافق 10 يناير ضبط أطنان من المواد الغذائية تشمل العدس والدقيق والشاي والعصائر والخضروات والزيت وبكميات ضخمة.
في إفادة لأحد العناصر قريبة الصلة من الأوضاع بكسلا. وهو من مواطني المدينة ،ذكر بأن الجوع والمسغبة قد ضربت المواطن الإريتري بعد إعلان إغلاق الحدود.
في جانب أمر التهريب السلعي للجارة إريتريا فقد خرجنا بعدد من الإفادات المهمة، ومنها أن جملة السلع التي تُهرّب لإريتريا هي سلع تم دعمها للمواطن حتى ينعم باستهلاكها، وهو ما يمثل تخريباً متعمّداً للاقتصاد الوطني.
جملة الملاحظات السالبة حول التهريب السلعي تتلخص في عدم وجود مراقبة أمنية للشخصيات التي تقوم بالتهريب السلعي، أو حتى مراقبة مخارج المدينة للحد من الظاهرة.
قد يقول قائل بأن طول الحدود مع إريتريا يبلغ 375 كيلومتراً وهو ما يجعل أمر مراقبتها أمراً بالغ الصعوبة. بيد أن ضبط السلع على متن الشاحنات داخل المدينة يُعد أمراً ميسوراً إن قامت السلطات بذلك.
تجارة وتهريب البشر ــ الهاجس الأكبر
في تصريح لمدير شرطة ولاية كسلا ،اللواء حقوقي يحيى الهادي، ذكر بأن المحاكم الخاصة بتجارة وتهريب البشر نظرت خلال عام واحد 91 قضية ، ما يؤكد حجم العمل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المختلفة.
وأضاف بأن يوم الأول من يناير الماضي كان يوم انتصار لقوات الشرطة بولاية كسلا ، إذ تمت عملية نوعية للغاية في مجال مكافحة عمليات تهريب البشر إذ تم القبض على مهربي للبشر وبرفقتهم 95 من الضحايا. وهو الإنجاز الذي جعل نشاط تهريب البشر على طول الحدود بين الدولتين يتوقف بعد هذه الضبطية.
محلية ريفي كسلا ــ واجهة الأحداث
داخل محلية ريفي كسلا، وهي تبعد عن عاصمة الولاية حوالي 75 كيلومتراً، كانت جولتنا بها وهي منطقة تعتبر واحدة من المناطق ذات الأهمية للولاية ،إذ يقبع بها معبر عواض المعروف. وهو المعبر الأهم نحو الجارة إريتريا.
حيث ذكر معتمد محلية ريفي كسلا، الأستاذ صلاح عمر إبراهيم، بأن المهدِّدات الأمنية بالمحلية موجودة ،وهو ما حدا بحكومة الولاية بنشر قوات إضافية بها وهي من قوات الفرقة 11 التابعة للواء 41 بكسلا ، مع تقييد حركة المواطنين في الدخول والخروج لدواعي الأمن والسلامة.
وتضم محلية ريفي كسلا مناطق ذات أهمية قصوى في كبح النشاط المعادي للدولة أمنياً واقتصادياً.
المنظمات الدولية ــ الصمت على جريمة تهريب البشر
يقول مصدر حكومي بالولاية بأن جريمة الاتجار بالبشر لا تخص الحكومات التي تقع هذه الجريمة داخل أراضيها ، بل هي مسؤولية مشتركة ما بين الحكومات والمنظمات الدولية. وهو ما يفتح الباب واسعاً لتعاون دولي لإيقاف الظاهرة أو الحد منها نهائياً.
وفي هذا المنحى فقد أشادت المنظمة الأممية من قبل بالدور المتعاظم الذي تقوم به الحكومة السودانية في هذا الأمر وهي إشادة دون تقديم عون مالي أو لوجستي، مع علم هذه المنظمات بصعوبة مكافحة هذه الجريمة في دولة يبلغ طول الشريط الحدودي بها 372 كيلومتراً.
الأوضاع بكسلا ــ أمنياً ــ اقتصادياً
مع انتشار القوات ذات المهام المتعدِّدة على طول الشريط الحدودي كان انعكاس الأمر على حياة المواطنين واضحاً ، إذ قلت حالة التهريب السلعي. مع خلو مضابط الشرطة من بلاغات التهريب وتجارة البشر ، وهو الأمر الذي جعل كذلك الوفرة الواضحة في السلع في الأسواق أكثر من تلك الوفرة التي كانت موجودة من قبل.
كميات الضبطيات للسلع ماذا تعني؟
الطماطم ــ البامية ــ الزيوت ــ الدقيق ــ القمح كلها سلع تم ضبطها قبل دخولها لإريتريا وهو ما يعني تدفق هذه السلع لها من قبل المهرّبين.
أحد مواطني كسلا ذكر في معرض حديثه لنا بأن هذه السلع كان أولى بها المواطن داخل الولاية، لأنها في الأصل مدعومة اقتصادياً من الدولة.
السؤال: ماذا إن استمر إغلاق الحدود لأشهر قادمات؟. وهو السؤال الذي طرحناه على أحد الصحافيين من مدينة كسلا من مرافقينا. فكانت إجابته كالآتي:
ستحاول الحكومة الإريترية إيجاد منفذ لأزمة مواطني الحدود مع السودان، وكذلك عدد مقدر من مواطني الدولة وحتى العاصمة أسمرا لإيجاد تقارب سياسي لانقشاع الأزمة حتى لا يتضرر المواطن الإريتري من إغلاق الحدود وانعدام الغذاء. خاصة في ظل عدم سماح سلطات الحدود بدخول الأجانب للسودان. خاصة المنطقة القريبة المتاخمة للسودان.
ويضيف المصدر المقيم بكسلا بأن هناك حالة من التململ وسط المواطنين الإريتريين وذلك لعدم وجود الغذاء الذي يأتي من السودان.
أخيراً:
تظل قصة طوارئ كسلا واحدة من أسباب صناعة التوتر الذي تقوم به دولتا مصر وإريتريا في المنطقة، زائداً محاولاتهما لخلق حالة من التوتر الممزوج بالترقب دون فعل مواجهة قد تكون محتملة أولاً.
وتظل الحقيقة أن السبب الرئيس لكل ذلك يكمن في ما لا يمكن تصديقه بكل بساطة ، وهو القتال بالوكالة مقابل ماذا ولمن؟ هذا ما سنكشف عنه قريباً.
الانتباهه.