أزمة إدارة الاقتصاد.. أزمتنا !
عندما قررت وزارة المالية مع بنك السودان المركزي رفع سعر الدولار الرسمي من (6.5) جنيهات إلى (18) جنيهاً، كنا نظن أنهم رتبوا حالهم ليوفروا النقد الأجنبي للمستوردين بسعر (18)، بدلاً من اللجوء للسوق الموازية، لكن خاب ظننا كالمعتاد، واكتشفنا أن زيادة السعر هدفه حساب الديون في الموازنة، ولا علاقة له بتوفير دولار أو يورو أو ريال سعودي !
وهكذا استمرت ماكينة الدولار تطحن شعبنا تحت وطأة الأسواق المستعرة كل صباح .
لم يعد هناك سعراً للنقد الأجنبي لليوم، صار السعر متحركاً بالساعة.. وتبعاً له أسعار كل السلع استهلاكية ورأسمالية ومدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي !
أهم من رسوم الجمارك.. سعر الدولار الذي تستورد به السلع، فكلما تحرك.. تحركت معه كل الواردات من لبن الأطفال و(البامبرز).. إلى البقوليات والصابون والمعجون.. إلى مواد البناء والسيارات.. إلى مدخلات طباعة الصُحُف من ورق وأحبار.. (ارتفعت فاتورة الطباعة بنسبة (40%) ما يهدد العديد من الصُحُف بالإغلاق وهو ما تريده الحكومة !! ).
ولهذا كان مضحكاً ومحزناً في ذات الوقت أن تحدثنا وزارة المالية عن إلغاء رسم الـ(3%) على ورق الطباعة ومدخلات الصناعة، فنكتشف أنها ألغت مبلغ (270) جنيهاً ( مئتين وسبعين جنيهاً) على الطن الواحد من الورق البالغة تكلفته (20) ألف جنيه !!
لماذا بلغ الـ(20) ألفاً، رغم أنه لم يزد على متوسط (600) دولار عالمياً، ولم يتجاوز هذا السعر منذ سنوات؟
ببساطة لأن الدولار يرتفع عندنا كل يوم، بينما السلع أسعارها ثابتة في دول المنشأ !!
هذه الحسابات تجعلنا دولة معزولة اقتصادياً عن محيطها تدريجياً، بسبب التكلفة العالية لأي معاملات مع الخارج، فأقرب دولة لنا وهي الأكثر استقبالاً للسودانيين يومياً هي “مصر”، وقد انخفض فيها الدولار من (20) جنيهاً العام الماضي.. إلى (17.5) جنيهاً حالياً في الصرافات والبنوك، وهذا يعكس قدرات الفريق الاقتصادي الذي أدار اقتصاد الأزمة هناك حتى أفلح في توحيد السعرين الرسمي والموازي وتثبيته إلى أدنى، وليس إلى أعلى ودون توقف كما يحدث عندنا !
لدينا أزمة إدارة اقتصاد، لابد من حلها عاجلاً.. لوقف المزيد من النزيف.
الهندي عز الدين
المجهر