حين أعلن الفريق أحمد علي أبوشنب معتمد محلية الخرطوم نهاية العام الماضي عن تخصيصه ليوم في الأسبوع لأجل سماع شكاوى المواطنين، كانت آمنة التي تعمل بائعة للشاي والقهوة في وسط الخرطوم أول من سعى لمقابلته، لكنها للأسف لم تكن محظوظة بالقدر الكافي لتتمكن من لقائه وفقاً لحديثها لـ (اليوم التالي)، فعادت على أمل تكرار المحاولة مجدداً، وبعد ثلاث محاولات متتالية صرفت النظر عن الفكرة وعادت لممارسة مهنتها الشاقة.
آمنة التي يتراوح عمرها بين الـ (50-60) عاماً، قالت إنها سعت لمقابلة معتمد الخرطوم لتطرح عليه سؤالاً وحيداً، وهو: لماذا تأمر بمطاردتنا وحرماننا من العمل، ونحن في أرذل العمر؟
سؤال مُلح
بالتأكيد، لم تكشف آمنة عن اختيارها لهذا السؤال بالذات من قائمة ألف سؤال يمكن طرحها على أبوشنب بخصوص مطاردة محليته لبائعات الشاي. فمثلاً كان يمكنها أن تسأله سؤالاً مختصراً بشدة، وهو: ما البديل عن بيع الشاي بالنسبة لهؤلاء النسوة ؟
لكنها وبمحض إرادتها اختارت ذلك السؤال الذي من شدة حرصها عليه، ظلت خلال ذهابها لعدد ثلاث مرات لمقابلة أبوشنب تعقد عزمها على السؤال نفسه، ولم تفكر في تغييره أبداً، ورغم فشلها في طرحه على مسامع معتمد الخرطوم، إلا أنها لم تتخل عنه، بل صار بالنسبة لها كالتعويزة، تتساءل به أمام زبائنها، كلما رأت دفار محلية الخرطوم والكتيبة البشرية التي تصحبه يقومون بمهمتهم التي تتمثل في مصادرة أدوات بيع أدوات الشاي الخاصة بالنساء!
يبدو أن حزن آمنة وبحثها عن إجابة لسؤالها ليس مرده لحرمانها من عملها فحسب، لأن عملها كما تصفه، لو تركوها تمارسه ليلا ونهارا لما سد حاجة ستة أطفال تعولهم بكدها وكدحها، إنما حزنها الأعمق على عدم إحساس ولاة الأمر، وعلى رأسهم هذه المرة الفريق أحمد علي أبوشنب بالمعاناة التي تتعرض لها بائعات الشاي جراء هذه المصادرة غير القانونية والمطاردة المذلة التي يتعرضن لها من معتمد محلية الخرطوم الذي يُسخر جهوداً جبارة لأجل حرمانهن من العمل دون أن يوفر لهن بديلاً شريفاً يعملن فيه.
غضب ضار
هنا يظهر جلياً سبب تمسك آمنة بسؤالها: لماذا تأمر بمطاردتنا وحرماننا من العمل، ونحن في أرذل العمر؟
فالسؤال الذي ظنه البعض توسلاً منها له، يكتشف من يقلبه على وجوهٍ عدة أن كلماته تنضح بالمرارة والألم والغضب، وهذا ما تؤكده السائلة لـ (اليوم التالي) حيث تقول: “شدة حزني ليس في أن أطفالي يتضورون جوعاً حين تتم مصادرة الكانون والكبابي والفناجين التي أعمل بها، بل أحزن حزناً مضاعف عندما أفكر في العقلية التي يتعامل بها أمثال أبوشنب معنا نحن النساء بائعات الشاي”.
وتستطرد آمنة “هذا الرجل، ألا يعلم أن بائعات الشاي يعُلن أُسراً محترمة كأسرته؟ أليست لديهن بنات وأولاد يرغبن في تربيتهم بعرق جبينهن، أم يعتقد أننا نخرج لبيع الشاي كما يذهب هو للتنزه؟ هل يظن أن بيع الشاي من شروق الشمس لغروبها هو نزهة محببة للنساء؟ فإن كان المعتمد يعتقد أن بيع الشاي هو نزهة أريد أن أخبره أنه مخطئ، ويجب أن يراجع حساباته وتقديراته، وليعلم أن ما نقوم به هو أكل عيش بالنسبة لنا، ولن نتركه مهما مارس علينا من صلف وعنجهية، نرى أنها ليست في محلها”.
إصرار وتحدٍّ
ليس وحده إصرار آمنة ومثيلاتها على ممارسة بيع الشاي مهما اشتدت عليهن ضراوة حملات محلية الخرطوم، هو ما يطرح الأسئلة الملحة، بل الطريقة الطريقة المتبعة لدى أفراد الحملات التي ترسلها المحلية هو ما يثير الدهشة حقاً!
ووفقاً لإفادات عدد من النساء اللائي يعملن في مهنة بيع الشاي أن بعضهن ظل يعمل لمدة (15) عاماً في ذات المكان الذي تحاول محلية الخرطوم طردهن منه، ولكنهن – أي النساء – كلما تمت مصادرة أدواتهن يأتين بأخرى جديدة ليعملن بها. المؤسف أن بعض النساء وصل بهن الحال أن يأتين بأوان من منازلهم لعدم قدرتهن على شراء أخرى بديلة عقب مصادرة أوانهن، وبحسب إحداهن، فإن حملة أبوشنب صادرت لها كباب وأدوات أخرى تُعد أقيم ما تملكه في البيت، لأن هذه الأدوات المصادرة ورثتها من أمها المتوفاة قبل عشرة أعوام، ومن لا تملك أواني في بيتها صارت تضطر لاستخدام الحجارة والطوب كمقاعد الزبائن ومواقد للنار، فطوب الأرض وحجارتها أرق وأعدل من هؤلاء، في نظر النسوة.
المخزي أن بعض النسوة يضطررن لدفع غرامة مالية مقابل أدواتهن التي يأخذها أفراد الحملة المعروفة بالكشة، ويمكن أن يعود أفراد الكشة ذاتها وأخذ الأواني مجدداً في نفس اليوم، ترى هل ترى المحلية هذا عدلاً؟
اليوم التالي.