رغم كل الذي قيل في وعن خطاب السيد رئيس الجمهورية في ليلة 27 يناير إلا أن هناك شبه إجماع على أن به نفسا جديدا على أنفاس الإنقاذ المعروفة وفيه اعتراف ضمني بأن حالة البلاد يصعب علاجها على يد المؤتمر الوطني وحده وأن السلام والحرية ومحاربة الفقر وتكييف هوية السودان يحتاج إلى جهد جماعي من كل أبناء البلاد وأن الذي يجري الآن من حراك سياسي لن يكون ذا جدوى إن لم يكن شاملا لكل ألوان الطيف السياسي في السودان ومع أن كل هذا يمكن تلمسه من خطاب الرئيس (في الليلة ديك ) إلا أن هناك اجماعا على أن الخطاب جاء ممعنا في التجريد ويحتاج إلى خارطة طريق توضح أن المؤتمر الوطني جاد فيما قاله بيد أن المؤتمر الوطني دفع بالقول إنه يريد أن تأتي خارطة الطريق من الحوار مع الآخرين لأنه لو تقدم بأي مقترح عملي سيقال أنه شرط مسبق.
لكل الذي تقدم استغربت لما قاله الدكتور الدرديري محمد أحمد أمين العلاقات الخارجية بالحزب صباح الأربعاء بمركز دراسات المستقبل من أن المؤتمر الوطني مقدم على التغيير وهو في تمام عافيته وواثق في قوته وجماهيرته وأنه يمكن أن يدخل الانتخابات القادمة وهو على ثقة بأنه سوف يكتسحها. كنت أود ومثلي آخرون مناقشة الدريري في عبارته تلك بيد أنه خرج بمجرد أن قدم مداخلته، عليه في تقديري إن كان المؤتمر الوطني ينظر لنفسه بأنه على خير وكل شيء فيه تمام التمام مطلوب منه أن يجيب على سؤال محوري ما الذي دعاه للدعوة للتغيير؟ والأهم هل حالة المؤتمر الوطني من غير حال السودان؟ بعبارة أخرى إذا كانت حالة السودان تصعب على الناظر فكيف تكون حالة المؤتمر الوطني بخير وهو يمسك برسن السودان لربع قرن من الزمان؟ ام أن السيد الدرديري لا يرى ما جاء في خطاب الرئيس صحيحا ؟
إن التعمق في رؤية دوافع المؤتمر الوطني للتغيير ليس ترفا ذهنيا وأمرا أكاديميا ولا من قبيل التنظير والتجريد إنما هو أمر عملي ويؤثر تأثيرا كبيرا على الحوار الدائر والذي سيدور وعلى مخرجاته فلو كان المؤتمر الوطني يرى أنه بخير والبلاد بخيرين تلاتة وأنه يريد أن يصطحب معه الآخرين من باب صحبة راكب أو فضل الظهر أو صدقة جارية يريد بها ثواب الآخرة يختلف كثيرا عما إذا كان يرى أن البلاد تمحقت عليه وان الشيلة أصبحت صعبة عليه وأنه يريد من الآخرين أن يشيلوا معه الشيلة ويختلف عما إذا كان المؤتمر الوطني يرى أن مناخا إقليميا ومحليا مواتيا لوفاق وطني يحكم مسيرة البلاد السياسية ويجنبها شر الاستقطاب الداخلي والمحلي الحاد وهكذا يمكن أن نعدد الدوافع التي يمكن أن تحمل المؤتمر الوطني على العمل على تغيير الواقع السياسي الراهن.
يمكن للمحلل السياسي الموضوعي أن يضع ألف سبب وسبب لداوفع سياسة التغيير لدى المؤتمر الوطني وقد يصيب بعضها ويخطئ البعض ومن المرجح أن تتداخل الأسباب ولكن تبقى نظرة المؤتمر الوطني للتغيير هي الأهم لأنها هي التي سوف تحدد الطريقة والمآلات حتى يستبين للجميع أن المؤتمر لا يريد اللعب على عنصر الزمن وكسب الوقت ثم يقوم بهجمة مرتدة في طياتها المزيد من الإقصاء للآخرين والمزيد من الانفراد. إن جسد البلاد لم يعد فيه موضع لجرح أو طعنة جديدة والمتغطي بالزمن عريان عريان عريان.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]