منذ عام 2017 والعلاقات السودانية- المصرية تشهد توترات مكتومة على المستوى الرسمي، رغم تأكيدات من الجارتين على متانة وتاريخية العلاقات بينهما.
لكن تصريحات لمسؤولين سودانيين، مؤخرا، أظهرت مدى هذا التوتر، الذي بلغ ذروة، الأسبوع الماضي، باستدعاء الخرطوم لسفيرها لدى القاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، للتشاور.
ورغم عدم توضيح أسباب استدعاء السفير، إلا أن النزاع بين الخرطوم والقاهرة على مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد الحدودي قد يكون أحد أبرز دوافع هذه الخطوة.
وتصاعد التوتر والتراشق الإعلامي بين البلدين، عقب زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للسودان، الشهر الماضي، وطلبه من نظيره السوداني، عمر البشير، منح جزيرة “سواكن” (شرق) لتركيا “على سبيل الاستثمار”.
واعتبرت وسائل إعلام مصرية أن هذا الطلب يمثل محاولة من السودان وتركيا لتهديد الأمن الإقليمي، وإدخال طرف غريب (تقصد أنقرة) في معادلة أمن البحر الأحمر.
وهي معاجلة إعلامية أبدى وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، اندهاشه منها، وأوضح أن الرئيس أردغان يعني جزيرة “سواكن”، وليس كل منطقة “سواكن”.
وشدد غندور على أن الرئيس البشير وافق على الطلب التركي “لتكون هذه منطقة سياحية تعاد سيرتها الأولى، لينطلق منها الحجاج، وتكون سياحة وعبادة (…) هي شراكة استثمارية بين بلدين، وهذا أمر طبيعي”.
وتابع: “واضح أن هناك من لا يفهم كيف تدار العلاقات بين الدول، لو لم تكن الزيارة ناجحة جدًا ومهمة جدًا لما أثاروا تلك النقاط، لذلك من يمت بغيظه فليمت”.
وتأكيداً على حضور المثلث الحدودي في أعلى قائمة القضايا الخلافية بين البلدين، قال غندور: “قدمنا اعتراضًا للأمم المتحدة على الاتفاقية الموقعة بين الأشقاء في مصر والسعودية، حول ترسيم حدودنا البحرية، ودخول شواطئ سودانية في ذلك التحديد”.
وترصد الأناضول في الإطار التالي أبرز محطات وقضايا التوتر بين الخرطوم والقاهرة منذ 2017:
** مارس/ آذار 2017
استنكرت الخرطوم معالجة وسائل إعلام مصرية لزيارة الشيخة موزا بنت ناصر، والدة أمير قطر، للسودان.
ورأت الحكومة السودانية أن هذه المعالجة الإعلامية تناولت الحضارة السودانية وضيوف الخرطوم بشيء من “التقليل والإهانة”.
وقال وزير الإعلام، المتحدث باسم الحكومة، أحمد بلال عثمان، إن تعليقات في وسائل إعلام أجنبية تسيء إلى الآثار والحضارة السودانية، وشدد على أن الخرطوم ستتعامل مع هذه التعليقات “بكل جدية وحسم”.
منعت السلطات السودانية رئيس ومؤسس حزب “مصر القوية” المصري، عبد المنعم أبو الفتوح، من دخول البلاد، للمشاركة في المؤتمر العام لحزب “المؤتمر الشعبي” المعارض، دون أن توضح أسباب منعه.
**أبريل/ نيسان 2017
أعلنت الحكومة السودانية فرضها تأشيرة دخول على المصريين الذكور بين 16 و50 عاما، بعد أن كان مسموحا لكل المصريين دخول جارتهم الجنوبية دون تأشيرة.
وقالت الخرطوم إن هذه الخطوة تأتي تطبيقاً لـ”مبدأ المعاملة بالمثل”، حيث تفرض الحكومة المصرية تأشيرة دخول على الفئات العمرية نفسها من السودانيين.
منعت السلطات في مطار القاهرة الدولي الكاتب الصحفي السوداني، الطاهر ساتي، من دخول مصر، وأعادته إلى السودان.
فيما أعلن مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) في السودان، إبراهيم محمود، أن “استراتيجية الدولة تتمثل في تصفير الصراع مع مصر وكل دول القارة الإفريقية”.
وأضاف محمود أن “العلاقات مع مصر تحتاج إلى نظرة ثاقبة ومتأنية، بعيداً عن المجاملات والعواطف”.
ومضى قائلا: “حريصون على علاقات جيدة مع كل دول الجوار، وهذا يحتاج إلى جهود”.
بعد أيام، احتجزت السلطات المصرية الصحفية السودانية، إيمان كمال الدين، لساعات، قبل أن تعيدها إلى بلدها، دون تقديم أسباب.
وهو ما دفع اتحاد الصحفيين السودانيين (غير حكومي) إلى دعوة السلطات السودانية إلى عدم السماح لنظرائهم من الصحفيين المصرين بدخول السودان.
**مايو/ أيار 2017
قال المركز السوداني للخدمات الصحفية (مقرب من الحكومة) إن “دورية للجيش المصري أطلقت الرصاص على منقبين عن الذهب، في منجم إبراهيم حسين داخل الحدود السودانية قرب وادي العلاقي، فقتلت أحدهم”.
وعادة ما تقول القاهرة إن المنقبين السودانيين عن الذهب ينتهكون السيادة المصرية على المثلث الحدودي.
أعلن أمين حسن عمر، مبعوث رئيس السودان للمفاوضات والتواصل الدبلوماسي بشأن إقليم دارفور (غرب)، أن “فصائل متمردة هاجمت دارفور، بعد دخولها من دولتي ليبيا وجنوب السودان، مستخدمة مدرعات وعتادا حربيا مصريا:.
بعدها بأيام، قال الرئيس السوداني، عمر البشير، إن الجيش السوداني صادر عربات ومدرعات مصرية كانت بحوزة مسلحين خلال المعارك بدارفور، في مايو/ أيار الماضي.
وأضاف البشير: “المصريون لم يدعمونا عندما كنا نواجه التمرد المسلح، بحجة أنها شؤون داخلية بكل أسف”.
وأضاف: “حاربنا مع المصريين منذ 1967 (ضد إسرائيل)، وظللنا نحارب (ضد المتمردين) لمدة 20 سنة ولم يدعمونا بطلقة، والذخائر التي اشتريناها منهم كانت فاسدة”.
ومرارا، نفت القاهرة تقديم أي دعم للمتمردين السودانيين، وقال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي: “لم ولن نتآمر على السودان أو نتدخل في شؤون اي دولة”.
ومع تصاعد حدة التصريحات تجاه القاهرة، قال وزير الخارجية السوداني إن العلاقات مع مصر يجب أن تدار بـ”اقتدار وحساسية”.
وأضاف غندور: “لا نريد للعلاقات السودانية المصرية أن تعود للوتيرة التي كانت عليها مطلع التسعينيات من القرن الماضي”.
**يونيو/ حزيران 2017
أخضعت سلطات مطار القاهرة الدولي المواطنين السودانيين القادمين إليه للحجر الصحي، خشية من نقلهم وباء “الكوليرا”.
وقال مدير الحجر الصحي في المطار، مدحت قنديل، إن “المطار شدد الرقابة الصحية على القادمين من السودان؛ لحماية البلاد من تسلل وباء الكوليرا، تنفيذا لتعليمات منظمة الصحة العالمية”.
غير أن منظمة الصحة العالمية نفت إصدارها أي توجيه بإخضاع المواطنين السودانيين المسافرين إلى خارج بلدهم لحجر صحي، خوفا من نقلهم لوباء الكوليرا.
وقالت ممثل المنظمة في السودان، نعيمة حسن القصير، للأناضول، إن المنظمة “لا تنصح أي دولة باتخاذ قرار أحادي لفحص المسافرين الداخليين أو الخارجين من البلد”.
**يوليو/ تموز 2017
اتهم مسؤول سوداني محلي قواتا مصرية بـ”الدخول في مثلث حلايب ومطاردة معدنين (منقبين) سودانين، ما أدى إلى وفاة اثنين منهم، وفرار نحو 341 آخرين إلى مدينة (أوسيف) عاصمة حلايب، ومدينة بورتسودان (شرق)”.
وأضاف معتمد (محافظ) محلية حلايب (شمال)، عثمان أحمد السمري، للأناضول: أن “أحد المعدنين تُوفي عطشاً جراء هروبه من مطاردات السلطات المصرية، والآخر سقط من منحدر جبلي في مناطق التعدين (شمال)”.
**أغسطس/ آب 2017
قال وزير الخارجية السوداني إن “تمصير مثلث حلايب (شمال شرق) لن يعني أنها أراضٍ مصرية”، وإذا لم تُحل هذه القضية “ستظل خميرة عكننة للعلاقات التاريخية بين البلدين”.
وأضاف غندور: “على حكومتا البلدين أن تعمل على حلها بعيدًا عن الإعلام”.
ومضى قائلًا إن السلطات المصرية “تقوم بتصرفات في حلايب تضايق المواطنين السودانيين، مثل اعتقال المواطنين داخل المثلث”.
واتهم ما أسماها “عناصر داخل دولة مصر” بـ”العمل على استخدام قضية حلايب لتعكير الأجواء”، وشدد في الوقت نفسه على أن “حلايب لن تكون سببًا للمواجهات بين البلدين”.
** نوفمبر/ تشرين ثاني 2017
تعقيباً على اتهامات من القاهرة للخرطوم بتهديد أمن مصر المائي، صرح وزير الري السوداني، معتز موسى، بأن “السودان لم يتآمر على مصر في قضية بناء سد النهضة (الإثيوبي على نهر النيل)”.
وأضاف: “كان السودان واضحاً في مواقفه، ويستند في حديثه عن القضايا الخلافية المتعلقة ببناء السد، على المستندات القانونية”.
وتخشى القاهرة أن يؤثر السد الإثيوبي، تحت الإنشاء، سلبا على حصة مصر السنوية، البالغة 55 مليار متر مكعب، من مياه نهر النيل، المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة لها.
وتقول أديس أبابا إن السد سيحقق لها فوائد عديدة، لا سيما في إنتاج الطاقة الكهربائية، وإنه لن يُضر بدولتي المصب، السودان ومصر.
**ديسمبر/ كانون أول 2017
أعلنت وزارة الموارد المائية والري والكهرباء السودانية أن “كل نسخ خرائط السودان في أرشيف الوزارة منذ عهد الاستعمار البريطاني تثبت تبعية مثلث حلايب وشلاتين للحدود السودانية”.
وقالت المتحدث باسم الوزارة، محمد عبد الرحيم جاويش، للأناضول، إن “الخرائط التي نُفذت بها مشروعات لصالح مصر داخل السودان، مثل خزان جبل أولياء (وسط)، والخريطة التي تم بموجبها إغراق مدينة وادي حلفا (شمال) لملء بحيرة السد العالي (المصري- جنوب) تشير إلى تبعية المثلث للسودان”.
فيما أعلن سامح صقر، رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الموارد المائية والري المصرية، أنه تمت معاينة موقع إنشاء سد كبير فى منطقة شلاتين بمحافظة البحر الأحمر (جنوب شرق)، لتخزين سبعة ملايين متر مكعب من مياه السيول.
وهو ما اعتبره رئيس كتلة نواب دائرة حلايب في المجلس الوطني (الغرفة الأولى لبرلمان السوداني)، أحمد عيسى عمر، “محاولات فاشلة لاستمالة المواطنين وإضفاء الطابع المصري على المثلث المتنازع عليه”.
**يناير/ كانون ثانٍ 2018
نقلت وسائل إعلام سودانية عن مصادر إثيوبية لم تسمها، الأسبوع الماضي، أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أبلغ رئيس وزراء إثيوبيا، هيلي ماريام ديسالين، طلب السيسي بدء مفاوضات ثنائية حول سد “النهضة”، برعاية البنك الدولي بصفته جهة محايدة، مع استبعاد السودان من المفاوضات.
وقال وزارة الري السودانية إن الخرطوم لم تتلق أخطارا رسميا بذلك.
بيد أن مسؤولين وبرلمانين سودانيين تعاملوا مع هذه التقارير الصحفية بجدية، ونقلت صحف سودانية، الأحد الماضي، عنهم تدشين مبادرة لوقف إطلاق اتفاق الحريات الأربعة (الدخول، الإقامة، العمل والتملك) بين السودان ومصر.
كما دعا هؤلاء المسؤولون والبرلمانيون الخرطوم إلى اتخاذ خطوات رسمية لمواجهة ما قالوا إنها إساءة توجهها إعلام مصرية إلى السودان.
وأعلن وزير الخارجية المصري، مساء الأحد الماضي، أن سبب استدعاء السودان لسفيره لدى القاهرة هو النزاع حول مثلث حلايب الحدودي.
ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي منذ استقلال السودان عام 1956، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه.
الخرطوم/ حسام بدوي/ الأناضول