السودان أزمة خبز أم أزمة ضمير

كنت فى السودان قبل أيام وكنت أراقب المشهد السودانى عن كثب ، وكنت انظر لكل شئ بعين الناقد فتارة ابتسم وتارة اندهش وتارة يعتصرنى الألم ..

المشهد الأكثر ايلاما هو مشهد الناس التراجيدى وهم يتكدسون ويتكومون أمام الطرق وأمام محطات المواصلات رجال ونساء وشيوخ وأطفال وهم يهرولون هنا وهناك وقد بلغ منهم العناء والتعب والنصب مبلغا جعل الحكماء منهم يخرجون عن طورهم .. وأنا حقيقة لا أرى أي سبب مقنع لهذه الأزمة المفتعلة والتى فيها الكثير من الإساءة إلى القيم والموروثات والأخلاق الحميدة والتى تربينا عليها والكثير من الابتزاز والاستغلال للمواطن وظرفه القاهر الذى أخرجه من بيته .
ولو كان هناك قرار رشيد وضمير يقظ لما وصلنا إلى هذه المهازل ، ولما قبلنا بهذا الواقع الأليم ونحن ننتظر بناتنا العائدات من الدراسة أنصاف الليالى عند شوارع الاسفلت المظلمة .

حقيقة من هنا اتضح لى جليا ومما لا يدع مجالا للشك أن الأزمات فى السودان ليست أزمات موارد فقط ولكنها مشفوعة وممهورة بأزمة ضماير خربة جهلا أم عمدا لها ايادى خفية تعبث باحتياجات ومصالح الناس ..
وأنا قد تكون لى رؤية مختلفة فى شأن ارتفاع أسعار الخبز اليوم ولا أرى أن هناك مشكلة كبيرة إذا طبقت قوانين المواصفات والأوزان المعتمدة ، فحجم رغيف الخبز عندنا لا يشبه شكل ووزن أي رغيف فى العالم .. والحكومة لا تمشى قراراتها إلا على المواطن الضعيف والمسكين والمغلوب على أمره .. ولكن تغفل عينها عن أصحاب المخابز وتجار الدقيق والسماسرة والمتلاعبين باقوات الشعب .

وقد يكون الارتفاع فى أسعار الخبز بشارة خير وحافزا للمزارعين ولكن هل قابل ذلك زيادة فى رواتب العمال والموظفين والشرائح الضعيفة ؟ وهل عمدنا على دعم مدخلات الإنتاج وقمنا بالدور الريادى والرقابى السليم .
وأخيرا أؤكد أن الأزمة ليست أزمة خبز ولكنها أزمة ضمير ، ولن ينصلح حالنا بفرض المزيد من الضرائب ولن يتحسن اقتصادنا بقصم ظهور الناس بسوط الصولجان بعيدا عن عطف وحكمة السلطان .. وبدون الإنتاج وتحويل الاستثمارات الوطنية والخارجية إلى الزراعة والصناعة والتقانة ستظل سلة غذاء العالم فارغة وخاوية ولن تملؤها إلا دموع الأطفال وضراعات النساء ونحيب البؤساء .

بقلم
أحمد بطران

Exit mobile version