من الطبيعي أن تتوقع الحكومة ردة فعل ما، جراء ما ترتب على الميزانية التي أجيزت من البرلمان مؤخراً، من زيادات في الأسعار وغلاء مبالغ فيه يطحن المواطن طحناً، ويجب على الحكومة أن تتعامل بوعي كافٍ وصراحة منجية من الإنزلاق مع مواطنيها.
> فالوضع الاقتصادي القاسي الذي تمر به البلاد، لا يحتاج فقط إلى فنيين ومختصين في مجال الاقتصاد لشرحه للناس وتبيان مواضع الخلل فيه، وإنما يحتاج للسياسة أن تلعب دورها بلغة واضحة وبسيطة، حتى يتفهَّم المواطن حقيقة ما يجري، لكننا في كل مرة نجد وزارة المالية أو وزير المالية، يقف في الحلبة وحده ليدافع وينافح عن الميزانية وطبيعة وحقيقة العلاج الاقتصادي الذي بين يديه، وفي الغالب يعجز الوزير ووزارته عن مواجهة الشعب بما لديه من أدوات الكي التي يتم بها العلاج.
> نحن الآن في حال يستدعي أن تتحرك الدولة من أعلى هرم السلطة الى أدناه، ومن الجهاز السياسي كله، لامتصاص رد الفعل أو غضب الجماهير من ارتفاع الأسعار وتصاعدها الجنوني، ولن يتم ذلك عبر خطاب سياسي خالٍ من أي مضمون مقنع وسليم، فالمجتمع لا يريد أن يسمع خطب رنانة أو خطاب إنشائي خاوٍ من أية بشريات وطمأنينة. فهناك عجز في خطاب الدولة الاقتصادي الموجه لعامة الناس، كما هو عجز في لغة الخطاب السياسي البعيد عن الواقع ..
> إذا كانت الحكومة تتوقع بعض الاحتجاجات هنا وهناك، وتظاهرات غاضبة من بعض الفئات والشرائح، فذلك أمر طبيعي يحدث كل مرة. فإن عليها أن تتقدم خطوات في التعامل الواقعي مع ما يجري، وأن توجه براعتها وعبقريتها إلى الكيفية التي تُهدِّئ بها ثائرة المواطنين، ويجب أن تُظهر قدرة الحكومة في احتواء ما يجري في حسن تعبيرها عن الحال الراهن واعترافها بصعوبة الدواء المُر الذي تريد من الشعب أن يتجرعه ويكرعه دفعة واحدة ..
> الحكومة تملك وسائل الإعلام الرسمية، ولديها أكبر قاعدة شعبية لم تتوفر لحكومة من قبل في تاريخ السودان، ما يقارب الثمانين حزباً وعدد من الحركات تتشارك حكومة الوفاق الحالية، فهذه القاعدة العريضة، يجب أن تخاطب بخطاب يعضد ويدعم القناعات والتوجهات الإصلاحية لتجاوز اختلالات الاقتصاد المعروفة، ولا نقصد خطاب تبريري سمج، وإنما خطاب سياسي وإعلامي يحمل قناعات ومفاهيم قريبة من أفئدة العامة وعقولها ، هناك طريقة مستفزة لدى بعض المسؤولين عندما يتحدثون عن الاقتصاد ونوع من المخاطبة تزيد من الاحتقانات، فهل يعجز العقل السياسي للحكومة عن إنتاج لغة جديدة تعبر بها عن الدوافع وراء الزيادات الحالية في أسعار السلع الضرورية والكهرباء والوقود وغيرها؟. ومن المؤسف حقاً ألا تتداعى الخبرات السياسية والإعلامية لأهل الحكم للتفاكر في كيفية المعالجة الإعلامية لمرحلة ما بعد إجازة الموازنة وارتفاع الأسعار، ومن المؤلم أن يجد كثير من الناس أنفسهم في حالة من الحيرة جراء عدم الاستفادة من خبراتهم السياسية والتوجيهية عند الخوض الحكومي في الوحل اللزج للاقتصاد وقضاياه وهمومه ومنزلقاته وتحدياته! ..
> ما يمكن قوله، أن هناك حالة من الفصام بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي. فالاقتصاديون وبطبعهم يميلون إلى الجوانب الفنية العلمية المحضة، بينما أهل السياسية هم أصحاب قدرة على تسويق الأفكار الاقتصادية ورسم معالم الكليات والأُطر التي تندرج فيها السياسات الاقتصادية وجعلها قريبة من قلوب الناس وتخاطب عقولهم مهما كانت.
> ما نراه اليوم وزير المالية ( الفريق الركابي ) ومن معه من قيادات وزارة المالية ، ينقصهم حُسن التدبير السياسي، ويتحملون وزر هذه الكلفة السياسية الباهظة للميزانية التي أثارت الأغبرة وأقضت المضاجع .. يجب أن تتحرك السياسة وأن يترك دهاقنتها الصراعات الجانبية والتنازعات الداخلية ويتفرغ الجميع للتصدي درءاً للأخطار والتحديات التي تواجه البلاد ..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة