طالب البعض بإعفاء الطاقم الاقتصادي بمبررات فشلهم، لكن هل الأزمة فقط في الشخوص أم السياسات المتبّعة

بالنسبة لنائب رئيس مجلس الوزراء القومي رئيس القطاع الاقتصادي في حكومة الوفاق الوطني القيادي بحزب الأمة الذي كان توقيعه على وثيقة الحوار الوطني مدخله لشغل منصب وزير الاستثمار في حكومة مخرجات الحوار الوطني، فإن مبارك الفاضل المهدي يرى أن 65% من الشعب السوداني لا علاقة لهم بالخبز، وبالتالي فإن من يستفيد من دعم السلعة (المهرّبين). لم يقف الفاضل عند أمر التهريب وإنما أضاف له بأن أصحاب المخابز يقومون بتقليص حجم الرغيفة وبيع الفائض من كوتة الدقيق المدعوم الذي يحصلون عليه؛ خلاصة ما أراد قوله وزير الاستثمار في ظهوره الإعلامي أن الإصلاحات التي تطبّقها الحكومة لا مفر منها وعلى الجميع الصبر من أجل تحصيل المستقبل.
1
قَبل مبارك كان وزير آخر في قطاع الحكومة الاقتصادي يمضي في ذات الاتجاه؛ يقول حاتم السر وزير التجارة، في مؤتمر كشف تفاصيل الميزانية الموضوعة للعام 2018، إن الحكومة لا تستهدف طحن الشعب وهو الأمر الذي لا يمكن تصوّره بموضوعية بالنسبة لممثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في الحكومة، فإن الإجراءت استدعتها الظروف الخاصة بالبلاد وإن هدفها الرئيس هو العمل على معالجة الاختلالات في المعادلة الاقتصادية في البلاد، وهو أمر ممكن في حال اتجه الناس من أجل زيادة الإنتاج باعتباره الخيار الأفضل لمعالجة الأزمات. وكأنّما يتجه نحو جماعية المسؤولية، يقول وزير المالية بأن هذه ميزانية حكومة الوفاق الوطني ولا يجب أن يتم نسبها لشخص حتى وإن كان ذلك الشخص هو الفريق (الركابي) وزير المالية في الحكومة.
2
ويسألؤنك هل الأزمة في البلاد هي أزمة اقتصاد؟ يجيب الكثيرين بالإيجاب ويُلقي فريق بأحمالها على القطاع الاقتصادي في الحكومة، وينعتونه بالفشل في إدارة شأن الناس.
في وقت سابق كان رئيس القطاع الاقتصادي في المؤتمر الوطني الدكتور حسن أحمد طه يعترف علناً بأن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجها حزبه أرهقت المواطنين وأفرزت جراحات غائرة في جسد الاقتصاد! بالطبع فإن مثل هذا الحديث ينبغي أن يكون متبوعاً بحملة إقالات أو استقالات، فليس من المنطق أن يخرج المسؤول الاقتصادي الأول في الحزب الحاكم ليعترف بأنهم أوردوا البلاد والعباد موارد الفقر والهلاك، ثم يمضي دون أن يتحدث عن محاسبة المتورطين في ذلك، ودون أن يشير إلى أن صُنّاع القرار الاقتصادي قدموا استقالاتهم، تكفيراً لما اقترفوه من جرائر في حق هذا الشعب المسكين ما لم يقوم به مسؤول قطاع الاقتصاد في الحزب الحاكم نطق به آخرين من قياداته الوسيطة حين طالبوا بضرورة تنحي قيادات القطاع الاقتصادي وإبدالهم بشخوص يملكون القدرة على معالجة المشكلات ولا يفاقمونها.
3
لكن هل الأزمة الاقتصادية التي تمسك بتلابيب البلاد هي أزمة شخوص؟ يرد المحلل السياسي والمتخصص في الاقتصاد الدكتور خالد التجاني باستدعائه لأمر آخر حين يقول ليست مجرد أزمة الاقتصاد السوداني في قبضة (الصندوق). يشرح التجاني ما بين القوسين حين يعرف الصندوق بأنه صندوق النقد الدولي ويكتب بما يشبه السخرية من تعاطي نواب البرلمان مع الميزانية وهم يعتبرون مرجعيتها الرئيسة في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بينما الأمر غير ذلك تماماً الحقيقة المرة أن المرجعية الفعلية لموازنة العام الجديد لا هذه ولا تلك، بل هي للأسف الشديد توصيات، إن لم نقل إملاءات صندوق النقد الدولي التي استجابت له الحكومة هذه المرة بلا مواربة، ولا ندري أن كانت طائعة مختارة، أم مغصوبة مأمورة، وهو الأمر الذي أثبته بيان وتقرير المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في ختام مشاورات المادة الرابعة للعام 2017 لخبراء الصندوق مع الحكومة السودانية، الذي تم وافق عليه في 29 نوفمبر الماضي، وتم الإعلان عنه في 11 ديسمبر.
4
بحسب التجاني فإن الأزمة لا تبدو في كونها أزمة شخوص بقدر ما هي أزمة سياسات اقتصادية يتم تبنّيها على مستوى الدولة وهي امتداد لما عرف بالدعوة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المعلن منذ انفصال الجنوب وأن دور الوزراء لا يتعدى تنفيذ الإستراتيجيات المعلنة من قبل الحكومة. من المفيد الإشارة هنا إلى أن خضوع الاقتصاد السوداني لسياسة صندوق النقد الدولي ليست جديدة تماماً في عهد نظام الإنقاذ، بل بدأت منذ أن تبنّى سياسة السوق الحرّ، أو ما تُعرف بسياسة التحرير الاقتصادي في العام 1992، وما هي في حقيقة الأمر سوى سياسة “توافق واشنطن” التي تبنتها مؤسسات “بريتون وود” مع صعود النيوليبرالية في عهدي مارقريت تاتشر في أنجلترا، ورونالد ريغان في الولايات المتحدة، وتزامن ذلك مع سقوط حائط برلين وانهيار الكتلة الشرقية، وهي سياسة تقوم على تطبيق برامج “إصلاح هيكلي وتكيّف” ذات سمّات رأسمالية متوحشة، لا تلقي بالاً لكلفتها الاجتماعية العميقة على الشرائح الضعيفة في المجتمع.
5
لم تعد الدعوات من أجل إقالة مسؤولي القطاع الاقتصادي في السلطة مجرد همس يدور في مجالس الحاكمين بل بدت وكأنها رغبة شعبية لقطاعات واسعة من المجتمع فكثيرون يرون أن العلاج لا يمكن أن يأتي باستخدام ذات الشخوص وأن الحل الوحيد المتاح الآن هو تغيّرهم وجلب أشخاص آخرين لإدارة شأن الناس الاقتصادي ومعالجة ما يمكن معالجته لكن هذا الأمر بحسب الكثير من المراقبين فإنه لن يكون ذو جدوى على مسار البلاد الاقتصادي فالأزمة بدت وكأنها أعيت من يداويها، وأنه لو تم جلب أي شخص في هذا التوقيت فإنه لن يغير في المشهد شيء وأن الأحوال ستظل على ما هي عليه فكلّ ما يقوم به وزراء القطاع الاقتصادي الآن هو تنفيذ إستراتيجيات مرسومة سلفاً ولا يمكن تغييرها باعتبارها آخر طرق المعالجة.
6
في سياق ذي صلة يمضي فريق في اتجاه مختلف وهو يقرأ تداعيات الواقع الاقتصادي في البلاد وذلك من خلال ربطه بالواقع السياسي العام، فالميزانية وبحسب أرقامها المعلنة تمضي في اتجاه ترجيح كفة تحقيق الأمن وذلك من خلال رفع سقف الصرف على مؤسسات الدفاع على حساب المؤسسات الخدمية وهو اتجاه يجد من يبرر له في سياق وجود المخاطر التي تحيط بالبلاد من جهات متعددة وعلى رأسها الحروب والنزاعات فهي عوامل تساهم بشكل كبير في استنزاف الموارد بالإضافة لدورها في تعطيل عجلة الإنتاج، وهو ما دعا رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار الصادق المهدي للقول بأن الأزمة الاقتصادية تتطلب في الأساس معالجة سياسية تنتج تسوية شاملة بين كافة مكونات المجتمع السوداني ولا تستثني أحد وهو ما يؤكد على أن الأزمة هنا تتجاوز الشخوص إلى السياسات برمتها.
فيما يطرح آخرون سؤالا يبدو موضوعياً في حال غادر كل من الفاضل ممثل حزب الأمة منصبه في الاستثمار، ولحق به حاتم السر ممثل الاتحاديين في التجارة، ومعهم موسى كرامة صوت “الشعبي” في وزارة الصناعة، وبالطبع بشار أرو ممثل “العدالة” في الثروة الحيوانية، فما هو مستقبل عملية الحوار الوطني؟ فيما يمضي فريق ثالث في اتجاه له منطقيته بدعوته رفع الدعم عن الدستورريين والبرلمانيين، فالصرف عليهم عبء آخر يحمله الشعب ويحتمّله.

اليوم التالي.

Exit mobile version