استدعاء السفير.. وصلت الرسالة
الوضع الداخلي مع بداية العمل بهذه الموازنة القاسية، محتقن جداً، حتى وإن كان احتقاناً في صدور الناس، فإنه يستوجب التعامل بحكمة وحذر في كافة الملفات الخارجية، وتأجيل أية مواجهات دبلوماسية محتملة مع الخارج.
فإذا كانت قيادة الدولة ترى أن في استدعاء سفيرنا لدى مصر رسالة احتجاج واجبة وملحة في ظل تمادي الإعلام المصري المنحرف في الإساءة لدولتنا ورمزها السياسي، فإننا مع القيادة قلباً.. وعقلاً.. وقلماً و(كي بورد)، فقد طفح كيل الصفاقة الموجهة على شاشات القنوات المصرية المملوكة لرجال أعمال مصريين موالين لدولتهم ومساندين لرئاستها، وجميعهم معروفون بأسمائهم وألقابهم وتوجهاتهم.
غير أننا نرجو بعد أن بلغت الرسالة عنوانها، أن تتوقف إجراءات التصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي بين البلدين، وأن يعود سفيرنا “عبد المحمود عبد الحليم” إلى القاهرة.. عاجلاً غير آجل.
لقد حاربنا يوغندا وحاربتنا عشرين عاماً طويلة، دعمت خلالها التمرد في جنوب السودان بالسلاح والتدريب وتوفير الغطاء الدبلوماسي وفتح الأراضي لمعسكرات الجيش الشعبي وبعدها دعمت حركات دارفور، وما يزال بعض قادتها هناك، لكن دولتنا رغم كل هذا التاريخ المشحون بالمواجهات الحربية لم تسحب سفيرها من “كمبالا”، ولا هم سحبوا سفيرهم من “الخرطوم”، وكان هذا مفيداً عندما انصلح الحال، وتطورت العلاقات بين بلدينا وزار الرئيس “البشير” “عنتبي” قبل شهرين، وقضى يوماً رائعاً في مزرعة الرئيس “موسيفيني” الذي قابله بحميمية وخصوصية أدهشت جميع أعضاء الوفد المرافق لرئيس الجمهورية.
وحاربنا تشاد وحاربتنا، ودخلت قوات تشادية مع قوات حركة العدل والمساواة “أم درمان” في العام 2008 م، وقبلها توثقت اتهامات دامغة عن دعم الدولة التشادية لحركات التمرد في دارفور بتمويل “ليبيا القذافي” حتى احترقت دارفور في العام 2003 واستمر الحريق لأكثر من عقد من الزمان، ورغم ذلك لم نسحب سفيرنا في “انجمينا”، ولا هم سحبوا سفيرهم في “الخرطوم”.
إننا في السودان لن نتنازل عن حقوقنا في إبرام ما نراه مناسباً لبلادنا ومفيداً لشعبنا من صفقات اقتصادية أو عسكرية، وليس من حق مصر ولا أي دولة عربية أو غربية التحفظ أو الاعتراض على حقنا الطبيعي في السيادة على أرضنا وبحرنا وسمائنا.
ليس من حق تلك الدول أن تعترض، خاصة وأنهم ظلوا يتفرجون على حصارنا وضيقنا وفقرنا، ولم يمدوا يد العون، ولم يوقف غيرهم تدخلاتهم في ليبيا جارتنا الغربية، ولم يقطعوا مالهم وسلاحهم عن “حفتر” و”سيف الإسلام القذافي”!
على حكومتنا أن تمضي في خططها وبرامجها دون الاستجابة لأية استفزازات أو تحرشات خارجية، كما عليها إعادة سفيرنا إلى مباشرة مهامه في “القاهرة”.. فعلاقات الشعبين يجب ألا تنقطع مهما بلغت التوترات.. ومصالح الشعبين يحميها سفيران.. هنا وهناك.
الهندي عز الدين