استدعاء السفير عبد الحليم.. حسم استفزازات القاهرة

لم يعد خافياً على أحد ان العلاقات السودانية مع دولة مصر دخلت منعطفا خطيرا وذلك بعد استدعاء الخارجية السودانية لسفيرها لدى القاهرة عبد المحمود عبد الحليم للتشاور, وجرى في العرف الدبلوماسي ان مثل هذا الاستدعاء يعني أكثر من مؤشر لسلبية الاتجاه.

وتترقب الأوساط الرسمية والشعبية بالبلاد ما ستسفر عنه خطوة الخرطوم التي يبدو ان صبرها على القاهرة نفد والعلاقة تدخل نفقا غير مألوف, وهذا بدا واضحاً من معالم التوتر، خاصة منذ زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان الذي وصفته البلاد بالضيف الكبير وقضائه لـ 3 ليال أبرم خلالها العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية الضخمة.

اتساع مساحة الأفق
أعلنت الخارجية السودانية عبر ناطقها الرسمي السفير قريب الله الخضر في تصريح مقتضب مساء أمس (الخميس) استدعاء السفير عبد المحمود عبد الحليم بغرض التشاور وسط جدل وتأييد واسع للخطوة التي اعتبرها المراقبون انها جاءت لتصحيح مسار العلاقات وإظهار الوجه الحاسم للسودان للرد على الاستفزازات المصرية, وبالمقابل كانت الخارجية المصرية قد أعلنت انها تتنظر لتقييم الموقف عقب استدعاء الخرطوم لسفيرها.
علاقات بين القاهرة والخرطوم ظلت متأرجحة لسنوات طويلة, فهي لا يمكن تصنيفها ضمن خانة العلاقات الجيدة، حيث اختلف عبر حقب رؤسائها بالقدر التي كانت الخرطوم تتعامل فيه بمقدار الاحترام للجيرة والمصالح المشتركة وساهمت في حروبها مع اسرائيل.
وفي منتصف التسعينات احتلت مصر حلايب وشلاتين, ومنذ ذلك الوقت ظلت البلاد تحتكم الى الصبر واتساع مساحة الأفق وتقديم شكوى لدى مجلس الأمن تجدد سنويا غير ان الأمور ساءت جدا في عهد الرئيس السيسي رغم اللقاءات الرئاسية المتكررة، في وقت ظل إعلامه الرسمي يكيل الشتائم والسخرية للسودان بصورة غير مسبوقة.
وأثناء زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان كثقف الإعلام المصري هجومه على الخرطوم وكرر استفزازاته بنقل شعائر صلاة الجمعة من حلايب مباشرة إضافة إلى بناء (100) منزل بها بجانب طلبه بالتفاوض الثنائي حول سد النهضة غير أن أثيوبيا رفضت الطلب المصري ومؤخراً انتشرت أنباء رسمية عبر عدد من وكالات أنباء عن وصول قوات مصرية مدججة بالسلاح بقاعدة ساوا الإرتيرية, تزامن ذلك مع إغلاق السلطات السودانية الحدود مع اريتريا وسحب الشرطة وارتكاز القوات المسلحة بمنافذ الحدود.

استخدام الخبرات
الخبير السياسي والقيادي بالوطني د.ربيع عبد العاطي قال ان خطوة استدعاء السفير هي بمثابة خطوة ستليها خطوات, واضاف خلال حديثه لـ(الإنتباهة) ان الخطوة جاءت بعد تقارير توافرت للحكومة اتخذت بموجبها مثل هذا القرار، واشار الى انه لا احد يستطيع المجادلة بمقدرة الخرطوم بالتعامل مع المواقف منذ حرب الجنوب, وبالتالي أتوقع ان تستخدم البلاد كل ما لديها من خبرة بخصوص مصر.
وعلق عبد العاطي ساخرا على طلب مصر قبيل أيام باستبعاد الخرطوم من التفاوض فيما يخص سد النهضة, وقال لـ(الإنتباهة) ان الطلب وكأن مصر تقول انها الذنب والرأس اثيوبيا, ولا يوجد جسم ثالث, وزاد : لا يعقل هذا السودان هو العمود الفقري الذي يربط بين الرأس والذنب فيما يخص عملية التفاوض بخصوص سد النهضة، واضاف عبد العاطي الى ان مسألة العلاقات بين الخرطوم والقاهرة في حاجة ماسة للتجرد ونقاش هادئ يضع الأمور في نصابها خاصة وان الشد والجذب الذي ظهر مؤخرا سيترك أثرا سلبيا في ادارة العلاقات السودانية والمصرية ، واسترسل قائلا : اذا كان هنالك حكم راشد في مصر ينبغي ان يسكت مثل أصوات الإعلام النشاز الذي ظلت تعكر العلاقات مؤخرًا .

لجنة مياه نهر النيل
الخبير السياسي البروفيسور حسن الساعوري قال لـ(الإنتباهة) ان موقف الخرطوم باستدعاء السفير موقف ناقص وجاء متأخرا خاصة وان القاهرة ظلت تكيد المؤامرات ضد السودان وعدم تفاوضها بشأن حلايب وتساءل : (يجب ان نقطع العلاقة كليا هو الإجراء السليم .. ليه السودان يسكت)، ودعا الساعوري الحكومة الى اتخاذ موقف أقوى من استدعاء السفير وذلك للرد والتصدي للمصريين الذين لم يراعوا حق الجيرة وإعلامها المعادي الذي ظل يشن هجوما على السودان وقياداته, وعمل القاهرةعلنا ضد السودان بالمحافل الدولية.

شروط مهمة
بدوره أبدى الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء (م) د.محمد استغرابه للطلب المصري, وقال لــ(الإنتباهة) انه لا سبب منطقي يجعل السودان يخرج من التفاوض. وأشار الى وجود اتفاق سابق بان اية لجنة تتكون لمياه نهر النيل يجب ان يكون بها السودان ومصر وهي من الشروط المهمة التي اقتضت ان يكون للطرفين تفاهم استراتيجي للمصالح الخاصة بمياه النيل وبالتالي أصبحت حقيقة واقعا تحتم وجود الخرطوم باستمرار.
وتساءل عن جدوى الطلب المصري, وقال : كيف يحق للقاهرة ان تتفاوض بمياه النيل وتطلب استبعاد السودان. وزاد بالقول : طلبهم غير عملي وواقعي ويعقد من مسألة سد النهضة والتفاوض حول اي مشروع يقوم على نهر النيل، واضاف عباس الا ان السودان ظل يؤكد موقفه الثابت فيما يخص سد النهضة محترما أحقية اثيوبيا بإنشاء هذا المشروع وكذلك دور مصر, وان التقارير العلمية أثبتت أن إنشاء السد لن يؤثر على أحقية مصر بحصته بمياه النيل.

صبر السودان
النائب البرلماني عصام ميرغني قال لـ(الإنتباهة) ان ما ظل يبدر من اجهزة الإعلام المصرية فيما يتصل بسد النهضة وما رشح عن الموقف الرسمي ابان زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى اثيوبيا ونقله لمقترح التفاوض الثنائي واستبعاد الثنائي فضلا عن ما أثارته زيارة الرئيس التركي أردوغان وتوقيع حزمة من الاتفاقيات بين الخرطوم وانقرا من غيرة وغليان مصري علاوة على ذلك ما هو معلوم منذ زيارة الشيخة موزة كلها تفاصيل كانت تشير الى ان القاهرة لم تكن راضية عنها بجانب ان التوتر كان سيد الموقف، وأشار الى ان الاستدعاء هو بمثابة اعتراض رسمي على طريقة التعاطي المصري للمواقف السودانية وزاد : لست ميالا الى اتجاه القطيعة, ولكن الحكومة المصرية مطالبة بضبط إعلامها الرسمي وتحديد طريقة جديدة للتعاطي مع مصر مرجعيتها القاعدة الدبلوماسية والتعامل بالمثل.

رسالة سياسية
فيما علق الكاتب الصحفي عبد الماجد عبد الحميد لــ(الإنتباهة) بان استدعاء السفير عبد المحمود عبد الحليم من القاهرة للتشاور هو بمثابة رسالة سياسية عبر حقيبة دبلوماسية, ويؤكد ان البلاد نفد صبرها على التجاوز المصري لكل ما هو دبلوماسي وسياسي, علما انها المرة الاولى بتاريخ العلاقات باستدعاء السفير، واضاف أن السودان سيرسم خطا جديدا للتعامل مع مصر, والتي بدورها ستحتم على الأخيرة ان تقتنع بان الخرطوم باتت مؤثرة على افريقيا ولم يعد يفضل سياسة الصمت بالتعامل مع القاهرة التي ذهبت بعيدا بالتآمر على السودان, وظلت تؤمن بان السودان سيصمت، وتوقع عبد الماجد ان مصر ستعمل حسابها لكل مخططاتها بالمنطقة فيما يخص السودان وليس عليها سوى التعامل بالدبوماسية مع الخرطوم وتفتح معها أبواب التعاون باعتباره بات ورقة رابحة بالإقليم الافريقي، ولم يستبعد عبد الماجد انزلاق العلاقات الى مرحلة القطيعة وذلك بعد تصرفات مصر التي ظلت تتسم بالمؤامرات وهي سياسة لم تعد تجدي نفعاً.
الكاتب الصحفي بكري المدني ايضا علق على معرض الطرح وقال لـ(الإنتباهة) ان خطوة استدعاء السفير عبد المحمود لا شك انها عبرت عن موقف بالغ الاستياء من الحكومة السودانية بتصرفات النظام المصري بكل مؤسساته بما فيها الإعلام المصري الذي ظل يكيل الشتائم والسخرية من السودان اضافة الى ان ما تكشف مؤخرا من طلب السلطات المصرية لاثيوبيا باستبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة, بجانب ما يدور همسا عن تواجد امني مصري بدولة اريتريا الجارة للسودان من الناحية الشرقية, هذا غير استمرار الاستفزازات المصرية في منطقة حلايب المحتلة وآخرها نقل القنوات الفضائية المصرية لشعائر صلاة الجمعة من هنالك قبيل اسبوعين والتي شارك بها بعض المسؤولين المصريين. وتوقع المدني قيام مصر بخطوة مماثلة وذلك باستدعاء سفيرها من الخرطوم وذلك لانها عودتنا في الآونة الاخيرة ان شهيتها مفتوحة للتصعيد ضد السودان وشعبه.

إعلام مأجور
النائب البرلماني ورئيس لجنة الأمن والدفاع السابق بالمجلس الوطني الفريق احمد إمام التهامي قال لـ(الإنتباهة) إن ما يدور بالإعلام المصري مؤسف للغاية حيث تردى خلال الفترة الاخيرة من حيث التناول اللفظي والسخرية من المواقف السودانية، وأشار التهامي الى ان النظام المصري لديه أجندة وهو يظهر عكس ما يبطن. منوها الى ان الإعلام المصري منذ استلام السيسي للسلطة لم يتحدث بصورة سلبية, وواضح انه إعلام مأجور ومدفوع الثمن خاصة وانه في كثير من المرات من خلال المتابعة للقنوات المصرية تلتمس بأن لديه الضوء الأخضر لمهاجمة الخرطوم، ووصف بان استدعاء السفير وما يروج عن تواجد قوات مصرية على الحدود الاريترية يبطن بانهم يظهرون, ما زالوا ينظرون الينا نظرة دونية وانهم لا يبحثون عن مصالحنا وانما أسرى لهم وهذا لن يكون لأن الخرطوم باتت رقما مهما لا يستطيع اي قوى تجاوزه بالإقليم والمجتمع الدولي، وأشار الى ان انصلاح العلاقات مع القاهرة تتطلب مواجهة وإرادة سياسية من المصريين بان يتحدثوا لمصلحة الشعبين وليس لمصالح نظام السيسي. وزاد : نحن السودانيين صوتنا عالٍ وواضح, ونتحدث صراحة دونما خوف عكسهم. واي سوداني غيور ووطني ما بقبل البطلع من إعلامهم المأجور.
في الوقت الذي اعتبر فيه المراقبون التصرف السوداني باستدعاء سفيرها لدى القاهرة بالتوجه نحو تأسيس اتجاه جديد للتعامل مع القاهرة وذلك بعد ان نفد صبر الخرطوم على ما ظلت تسمعه من إعلام القاهرة ومواقفها المعادية في باطنها للسودان بالكثير من المحافل، واعتبروا أن كل التوقعات مفتوحة بما فيها قطع العلاقات مع مصر في ظل الاستفزازات المصرية مؤخرا خاصة بمدينتي حلايب وشلاتين ، مشيرين الى ان التصعيد من الجانب السوداني بدأ منذ إعلان الاعلام الإثيوبي عن طلب مصر بخصوص التفاوض الثنائي واستبعاد الخرطوم من الجولات الأمر الذي كان بمثابة استفزاز مصري واضح رغم نفي المتحدث للخارجية المصرية عن هذا الطلب.

الانتباهة.

Exit mobile version