عن سوق الكلام نحكي .. أحدهم، من ذوي الخيال الواسع، طالبوه بالمشاركة في اليوم العالمي للطفل، ف (بال في المرتبة)، كأفضل تعبير – بيان بالعمل – للمشاركة، أو كما حدثته سيجارته .. وبالتزامن مع اشتعال أسعار السلع، إشتعلت أسواق الثرثرة أيضاً.. ومنذ منتصف الشهر الفائت، يجتهد السادة بالقطاع الاقتصادي في ملاحقة تصاعد أسعار السلع بالتبريرات والخزعبلات التي لا تًسمن ولا تغني من جوع .. وعلى سبيل المثال، في مؤتمر صحفي عقده وزير المالية، شاركت وزارة التجارة الخارجية في (سوق الكلام)، ولكن بذات طريقة ذاك المشارك في اليوم العالمي للطفل..!!
:: (الانفلات الكبير في الأسعار غير مبرر، السماسرة يتلاعبون بقوت الشعب، اتخذنا ضوابط وتدابير لكبح جماح ارتفاع الأسعار، وألزمنا كافة المنتجين للسلع محلياً بوضع ديباجات الأسعار عليها، ديباجات الأسعار لاتتنافى مع حرية الأسواق)، هكذا شاركت وزارة التجارة في (سوق الكلام ).. يجب وضع ديباجات الاسعار على السلع، أوهذا ما يؤرق خاطر وزير التجارة الخارجية.. لم يتحدث عن سلبيات الحكومة وعجزها عن وضع سياسات تساهم في إستقرار الأسعار، ولم يتحدث عن فشل الحكومة وسياساتها في جذب المستثمرين، ولم يتحدث عن إحتكار شركات الحكومة للتجارة و الأسواق..!!
:: ولم يتحدث عن فشل الحكومة في مكافحة الفساد، ولا عن فشل الحكومة في توفير (مناخ الانتاج).. غض الطرف عن كل هذا، وإكتفى حاتم الوسيلة بمخاطبة التجار بأن يضعوا ديباجة الأسعار على السلع، وكأنه يريد أن يقول بأن عدم وضع الديباجات على السلع هو ( أزمة البلد).. ولعلم وزارة التجارة، إن كانت لا تعلم، فأن الدول التي تجارها يلتزمون بوضع ديباجة الأسعار على السلع هي الدول التي يتميز إقتصادها بالإستقرار..ولكن هنا، في بلاد تعمل سياستها الإقتصادية بنظرية ( رزق اليوم باليوم) و (طاقية دا في راس دا)، فان أسعار الدولار تتماوج إرتفاعاً وإنخفاضا على مدار الساعة كأمواج البحر، فأي الأسعار يُدبجها التجار في السلع ..؟؟
:: خير لوزارة التجارة أن تدع أمر الغلاء والأسعار لوزارة المالية ثم تركز هي (على ورقها)..متاعب التجارة الخارجية وأسباب عدم إنضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية وغيرها من قضايا التجارة الخارجية يجب أن تشغل خاطر هذه الوزارة..منذ نوفمبر 1994، و إلى عامنا هذا، يقدم السودان طلباً تلو آخر للإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ولا يجد طلبه القبول.. ليست هناك مؤامرة إسرائيلية أو أمريكية تمنع السودان الإستفادة من مزايا التجارة العالمية، ولكن العبث المسمى – مجازاً – بالسياسة الإقتصادية هو الذي يحول بلادنا عن الانضمام إلى تلك المنظمة العالمية، وتفاصيل هذا العبث يجب أن تجد مساحة في (سوق الكلام)..!!
:: وعلى سبيل مثال العبث الاقتصادي، فان سعر الدولار في السوق الموازي – الذي يعتمد عليه المورًد والمصنًع – يكون مع أول الفجر (26.5 جنيه)، ومنتصف النهار (27.5 جنيه )، وعند المغيرب (28.5 جنيه)، وهذا يعني أن الشركات بحاجة إلى وضع ثلاث ديباجات أسعار – أو أكثر – على كل سلعة يومياً، هذا أو تضع (ديباجات الكترونية) بحيث تتغير الأرقام فيها وتصاعد آلياً مع حركة الشمس.. كان على وزارة التجارة مطالبة الحكومة بوضع ديباجة ثابتة على الدولار أولاً، أي تطالبها بالعمل على استقرار سعر الصرف، ثم لاحقا تطالب الشركات والتجار بذات الديباجة، ولايستقيم الظل والعود أعوجاً..!!
الطاهر ساتي