للإعلام الاستبدادي نماذج لا يمكن أن تبليها السنون، فهي دائمة الحضور والظهور، كما أن أشكالها تتطور مع مرور الزمن واستحداث التقنيات، لكنه في النهاية يظل قالباً واحداً يتّسع لكل القياسات. وبالرغم من سخرية العالم المنفتح من الإعلام الشمولي في عصر تفجر المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصالات؛ فإن نموذج كوريا الشمالية يظلّ الهدف الذي تسعى إليه الحكومات الفاسدة، فتقتبس قليلاً من ظلمه وظلماته في هذا المجال. حيث تجتهد الحكومات في حجب المواقع المعارضة، وإصدار التشريعات المقيدة لاستخدام الإنترنت بقدر المستطاع.
أما كوريا الشمالية فهي لا تزال تمنع وصول الإنترنت إلى مواطنيها. وفي نفس الوقت تنفرد الحكومة ببعض المواقع التي يمكن متابعتها من خارج البلاد، وتختص فقط بأخبار الزعيم الملهم الذي يجسد الدولة بشخصه. وتكشف القائمة عن نحو 30 موقعا دعائيًّا وسياحيًّا ومصدرًا لوصفات الطَّعام الكورية الشمالية وبعض الأفلام السينمائية الشحيحة.
من أبرز أمثلة الإعلام الكوري موقع (http://korfilm.com.kp) وهو مخصص كما يدل عليه عنوانه لمهرجان بيونغ يانغ الدولي للأفلام. ويستهل الموقع بالمقدمة المتوقعة من حيث إن الفن الكوري الشمالي هو “سجل لأسطورة الرئيس” كيم إيل سونغ “الذي أنقذ البلاد حين احتلها الإمبرياليون ومزقوها، لكن شمس كوريا وبطلها الأسطوري الزعيم؛ حرر البلاد وفتح الطريق أمامها واسعًا لاستعادة الوطنية والوطن. ومنذ ذلك الحين والفن السينمائي في تطور مستمر وإثراء بطابع فريدٍ في النوع والنكهة، في ظل ظروف صعبة منذ التحرير، وتوغل الرئيس عميقا في إبراز دور الفن السينمائي في النضال الوطني، واتخذ كل الوسائل لبناء الاستوديو الوطني السينمائي في 6 فبراير/شباط 1947، وأتاح للشعب الكوري قاعدة لخلق وتطوير الفن السينمائي الثوري والشعبي، وقادهم نحو تطوير الأدب والفنون كلها”، بحسب ما يقول الموقع.
مثل هذه المواقع رغم أن الحكومة أنشأتها على عينها، فإنها لا تسعى لنشرها أبدًا، ولا يجدها باحثٌ إلَّا عن طريق الصدفة. وهناك موقع (rodong.rep.kp) الذي تخصص في أخبار الزعيم الأعلى وملهم الدولة الكورية، وهو موقع لصحيفة رودونغ التي توفر الخدمة باللغتين الكورية والإنكليزية. وتوجد بالموقع أخبار من نوعية زيارة الزعيم لمزرعة فاكهة حيث قدم النصائح الغالية للقائمين على المزرعة وحول أفضل سبل الإنتاج والزراعة، ثم حضوره لتجربة أرضية لنوع جديد من محركات الصواريخ اللازمة لإطلاق الأقمار الصناعية، وبالطبع قدم الزعيم التوجيهات للعلماء والمهندسين حول السبل الجيدة للوصول للهدف المنشود. والمهم أن الإعلام الكوري الرسمي يتعامل عبر هذه المواقع وكأنها هي الطريق للظهور كدولة عادية في مجتمع دولي متقبل لها.
في موقع الوصفات الكورية، تجد صورًا لبعض أشهر الأكلات الكورية الشمالية، وقائمة بجميع المطاعم الرئيسية، مثل أوكريوغوان الذي يشتهر بالمعكرونة الباردة، وكذلك مطاعم شهيرة تقدم لحوم الكلاب، حيث تدعو السائحين لتذوق أطعمتها.
ويميز معظم تلك المواقع بطئها وصعوبة تحميلها وتصفحها، كذلك أنظمة الحماية (الدروع) التي تضعها كوريا الشمالية على بعض الدول حتى لا تلج إلى مواقعها الرسمية وتستغلها في الدعاية ضد الزعيم، لكن بين الحين والآخر تحدث تصدعات في تلك الدروع بما يوجد منفذا لأهل التقنية أن يدخلوها ويتصفحوها.
العربي الجديد