الاستقلال ..مسيرة الحياة السياسية فى 62 عاما (1-4)
مضت (62) سنة منذ ان نلنا استقلالنا رسميا واصبحنا دولة وجمهورية سودانية حرة , وانطلقت مسيرة السودان السياسية وقد عبرت (سبع) مراحل متوالية اتخذ كما سماها المراقبون الدائرة الثلاثية والتى تبدأ بمرحلة ديمقراطية منتخبة تعقبها مرحلة انقلابية عسكرية ثم فترة انتقالية عمرها عام وتعود مرة اخرى هذه الدائرة لتبدأ دورة ثلاثية متكررة .
كانت المرحلة الاولى حينما قررالزعيم الرئيس الاسبق اسماعيل الازهري فى اواخر خمسينيات القرن الماضى ونسبة لتنامى المطالبة بالإستقلال الكامل القيام بطواف على الإقاليم الغربية للبلاد, فإنبهر الرجل بضخامة الإستقبال الذى وجده بالنهود, فى أول زيارة له بكردفان, وتيقن ألاَّ مناص من تبنى فكرة الأستقلال كهدف ثابت, ثم قادته زيارته لمدينة عد الغنم بجنوب دارفور(عد الفرسان) حاليا, كأول منطقة بدارفور يزورها فى جولته تلك, وكان قد وصل إليها قبله نائب المنطقة, عن حزب الأمة لدائرة غرب البقارة, السيد عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة فوجد الأزهري عند وصوله لمطار المدينة مئات الألوف من الفرسان يغطون الأفق على صهوات الخيول مشهرين سيوفهم ورماحهم ويهتفون “عاش السودان حراً مستقلاً” فى منظر رهيب وداوى تأثر به الأزهرى حتى سالت دمعته من فرط إحساسه بعظمة الموقف.
وبعد أن أخذ الرئيس مكانه المعد له تقدم السيد عبدالرحمن دبكة إلى المنصة وألقى كلمته مرحباً برئيس الحكومة وأعضاء وفده ترحيباً حاراً, وفى ختام كلمته هتف “عاش السودان حراً مستقلاً”، فهتفت الجماهير المحتشدة خلفه “عاش السودان حراً مستقلاً”، ورعدت السماء بالهتافات الداوية, ثمَّ نهض السيد إسماعيل الأزهرى وسط تلك التظاهرة مخاطباً الحشد الكبير وفى ختام كلمته هتف “عاش السودان حراً مستقلاً, السودان للسودانيين”، فهاجت الجماهير من الفرحة حيث إنتصرت إرادة الشعب, وإنهمرت الدموع من الفرحة, ودوت الهتافات دون توقف وتعالت لعنان السماء باعثة هديراً صاخباً إهتزت له الأرض, وتحركت الجماهير فى حركة جنونية تعانق بعضها البعض وزغردت وإبتهجت الدنيا لهذا اليوم التاريخى العظيم المشهد”.
إن هتاف عبدالرحمن دبكة في دارفور أثناء اللقاء الجماهيري للرئيس الازهري (عاش السودان حراً مستقلاً) اقتنع الأزهري باعلان الاستقلال من داخل البرلمان، وكان حدثا تاريخيا وثقته كل بلاد العالم بإذاعاته ووكالات أنباء، وكتبت عنه الصحافة البريطانية، هذه هي دارفور التي في وجدان كل سوداني شريف، وهذه هي دارفور في تاريخ السودان وفي قلبه وضميره، لم تكن يوما إلا صمام الأمان لبلادنا العزيزة وكان لا زال انسانها الرائع الوطني الجسور، فإن الموقف التاريخي للنائب البرلماني السيد عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة قد سجله التاريخ بأحرف من نور ومن ذهب لا يمكن لأحد مهما كان أن يزيله من ذاكرة الوطن لأن الأعمال الخالدة في ذاكرة الشعوب هي بمثابة الهادي لطريق الحق والمجد والكرامة، فإن عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة أول شخصية سودانية جهر بصوته عالياً مطالباً بإستقلال السودان وفى منطقته الإنتخابية, فأجبر بموقفه ذلك رئيس الحكومة المتردد ألاَّ يحذو إلاَّ حذوه, ولقد كان ذلك المشهد رهيباً وملهماً فى آن واحد تكرر مرة أخرى فى بداية الستينات عندما زار الرئيس جمال عبدالناصر السودان فصحبه الرئيس إبراهيم عبود فى زيارة لمنطقة الغزالة جاوزت بجنوب دارفور حيث تدافعت جماهير قبائل البقارة ونظارهم وقياداتهم لإستقبالهما, ويقال أنَّ قرابة ربع مليون فارس قد إحتشدوا فى تلك المناسبة يهزون حرابهم الطويلة فى منظر سدوا بها عين الأفق من كل جانب فتأثر الرئيس عبدالناصر تأثراً بالغاً وإلتفت إلى الرئيس عبود قائلاً “والله لو كان عندى مثل هؤلاء الفرسان لكنت قد دخلت إسرائيل فى يوم واحد”. (موقع دبكة على الفيسبوك)
إن الأمم الحية هي التي تحافظ على أرثها وعلى تاريخها، وعلى الذين رسموا تاريخ البلاد بدمائهم العزيزة وبنضالاتهم المشهودة، بأن تكِرم مُسواهم وأن تجعلهم في مكان التقدير والتكريم الذي يستحقونه، وكذلك الأمم الحية هي التي تصون وحدتها وتحفظ دماء شعبها وتدفع في ذلك كل غال وكل ثمين، لأن الانسان عندها يمثل ثروة وهو أغلى ما يملكه
ويقول الباحث السودانى جمال الشريف :لم يضع الاستقلال حداً لصراع القوى الخارجية ويعتبر قرار مجلس الأمن القومى الأمريكى بخصوص السودان فى 1956, والذى أشار إلى ضرورة المحافظة على استقلاله، تحذيراً مبطناً إلى القوى المتصارعة وبالأخص مصر.
” قرار مجلس الأمن القومى الأمريكى بخصوص السودان فى 1956, والذى أشار إلى ضرورة المحافظة على استقلاله، حوى تحذيراً مبطناً إلى القوى المتصارعة وبالأخص مصر
” وعلى الرغم من حصول السودان على استقلاله إلا أن احتمال العودة إلى سياسات الوحدة كان قائماً وأن الجهة الوحيدة التى يمكنها تقرير الوحدة هي الحكومة السودانية الوليدة وبذلك انتقل الصراع السياسى إلى ميدانها.
تحركت المجموعة الاستقلالية نحو السلطة بعد انشقاق الحزب الوطنى الحاكم وظهور حزب الشعب الديمقراطى المعبر عن الختمية والذى تحالف مع حزب الأمة ليسقطا حكومة الأزهرى ويكونا حكومة عبد الله خليل.
وقد كان لخليل علاقة بعدد من نواب الحزب الوطنى منذ قبل الاستقلال ويدفع لهم مرتبات ثابتة على النحو الذى انكشف فى المحاكمات وقدم فيها كشف المرتبات الأمر الذى يعنى احتمال قيام تلك المجموعة بدفع الحزب نحو التحالف مع حزب الأمة، خاصة وأن هناك نية لإسقاط الأزهرى منذ العام 1954, وفقاً للوثيقة المنشورة ضمن الوثائق السودانية المفرج عنها.
وقد كان الأزهرى تعرض إلى ضربات كبيرة قبل أن يسقط فى يوليو 1956, فقد تم حجب الثقة عن حكومته فى نوفمبر 1955, بضغوط من مجموعة ميرغنى حمزة وعاد مرة أخرى إلى الحكومة بفارق ضئيل من الأصوات 48 ضد 46, وقد كانت تلك العملية إشارة له بأنه لا يملك القرار، ومرة أخرى تم إسقاط حكومته بعد أن قرر السيدين الميرغنى والمهدى عقب اجتماعهما فى أكتوبر 1955, تكوين حكومة ائتلافية فى فبراير 1956م.
ومنذ أن أصبح خليل رئيساً للوزارة بدأ التخطيط للانتخابات القادمة ونتيجة لذلك قرر حل البرلمان فى يونيو 1956, وذلك بحجة الإعداد لانتخابات الجمعية التأسيسية، وفى غياب البرلمان أعاد عبد الله خليل تقسيم الدوائر الانتخابية بالصورة التى كفلت فوز حزب الأمة ب63 مقعداً، فى حين أن جملة الأصوات التى حصل عليها، 310019, كانت أقل من الأصوات التى حصل عليها الوطنى الاتحادى, 340410, والذى حل فى المرتبة الثانية.
وفى عهده بدأ التوتر فى العلاقات السودانية المصرية حتى قال الرئيس عبود ضمن المبررات التى ساقها فى بيان استلام السلطة, (لإزالة الجفوة المفتعلة مع مصر).
وظهر ذلك التوتر فى الطريقة التى تعاملت بها حكومة عبد الله خليل مع أزمة حلايب داخلياً وخارجياً مثل: شكوى مصر فى مجلس الأمن, رفض التوصل إلى اتفاقية لمياه النيل, رفض إنشاء السد العالى وطوافه لجميع دول الحوض, بهدف تنسيق المواقف ضد المشروع, ورفض دعوة الرئيس المصرى له بزيارة مصر.
وفى مقابل ذلك كانت العلاقات جيدة مع القوى التى كانت تعادى مصر ونتيجة لها وافق عبد الله خليل بالمعونة الأمريكية وقبل هدية الأسلحة البريطانية التى كانت مرفوضة من القوى السياسية وظهرت المساندة القوية له فى مجلس الأمن عندما تقدم بالشكوى حول حلايب, فقد تم إدراج الشكوى فى جدول المناقشات فى أقل من 24 ساعة وحددت جلسة لمناقشته إلا أن عبد الناصر أدرك ذلك وفوت فرصة وضع مصر فى مواجهة السودان.
وفى يونيو 1958, وصل الرئيس الأزهرى إلى القاهرة قادماً من بغداد بعد تهنئة حكومة عبد الكريم قاسم، وفى نفس الوقت وصل إلى القاهرة رئيس حزب الشعب الديمقراطى الذى انشق عن الأزهرى وتحالف مع حزب الأمة وبدأت الاجتماعات بين الطرفين بقيادة ناصر لتوحيد الحزبين.
تلقى الرئيس عبد الله خليل الذى كان فى زيارة خاصة إلى إثيوبيا برقية عاجلة من سفير السودان فى مصر يؤكد فيها أن عبد الناصر يسعى إلى توحيد الاتحاديين لإسقاط الحكومة عبر طرح الثقة فيها فى أول جلسة للبرلمان فى 17 نوفمبر 1958م.
وأشارت معلومات أخرى إلى أن السفير الأمريكى فى مصر هو الذى توصل إلى تلك المعلومات وطلب إيصالها إلى رئيس الحكومة السودانية وقد كان الرئيس عبد الله خليل قد ذهب إلى إثيوبيا لنفس هذا الغرض وكان متوقعاً لبرقية السفير أثناء إقامته هناك.
وتتطابق هذه المعلومات مع التحليل الذى أورده الحزب الشيوعى فى صحيفة الميدان بتاريخ 3 مارس 1958, تحت عنوان اليقظة والذى جاء فيه: ومرة أخرى نؤكد أن فى السودان اليوم تحركات وإرهاصات كثيرة تشير إلى أن هناك مؤامرة تدبر فى الخفاء وفشل أو نجاح هذه المؤامرة يتوقف على مدى يقظتنا وكشفها وهى تحاك فى مكاتب السفارة الأمريكية.
ومع تلك التطورات الخارجية كانت الساحة الداخلية تشهد تحركاً ضد الحكومة، خاصة من نواب حزب الشعب الديمقراطى والوطنى الاتحادى، حيث أعلنوا عن نيتهم لسحب الثقة عن الحكومة, ونتيجة لذلك أعلنت الحكومة تأجيل انعقاد البرلمان من نوفمبر إلى ديسمبر بحجة إجراء التعديلات الوزارية إثر الاستقالة التكتيكية التى تقدم بها أربعة من وزراء الحكومة, رفض النواب تأجيل انعقاد البرلمان واجتمعوا بتاريخ 17 نوفمبر 1958 فى ميدان عبد المنعم وأعلنوا سحب الثقة عن الحكومة وإسقاطها.
وبعد يوم واحد فقط من إعلان النواب لإسقاط الحكومة سلم عبد الله خليل السلطة إلى الجيش فى 18 نوفمبر 1958, وما هو جدير بالتوقف عنده هو المعلومات التى أدلى بها مدير المخابرات الإسرائيلى الأسبق موشى شاريت فى الفيلم الوثائقى عن الموساد عن أنه انتقل إلى إثيوبيا وبرفقة مدير الموساد السابق لمتابعة تطورات الانقلاب العسكرى الذى حدث فى السودان فى 18 نوفمبر 1958م.
الاستقلال ..مسيرة الحياة السياسية فى 62 عاما (2-4)
الخرطوم 27-12-2017م (سونا) رصد- سعيد الطيب
بعد ان نال السودان الاستقلال تم وضع أسس النظام السياسي الجديد، حيث كانت فترة الحكم الحزبي الأول، الذي تمثل في تأليف حكومة كان على رأسها الزعيم إسماعيل الأزهري العام 1956م ، غير أن هذا العهد لم يستمر طويلا بسبب الصراع على السلطة بين حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي، وهو ما انتهى بالانقلاب العسكري الأول عام 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود، حين تولى الحكم في البلاد مجلس عسكري استمر حتى العام 1964 تم فيها حل الأحزاب السياسية، وإنشاء المجلس المركزي كجهاز تشريعي.
يقول الباحث السودانى جمال الشريف أن السبب الرئيسى لتسليم السلطة للفريق عبود هو لقطع الطريق أمام المصريين، كما أشار عبد الله خليل بقوله: “حياخدها عبد الناصر”, كما أن مواقف خليل بعد تسليم السلطة توحى بأنه لم يكن راضياً عن القرار، بدليل أنه بعد أقل من عام قرر الطواف على جميع ولايات السودان وبصحبة قطب حزب الأمة أمين التوم لتحريض المواطنين ضد حكومة عبود، وكذلك لتوزيع المنشورات المعادية، كما اشترك فى تأسيس جبهة الهيئات التى استهدفت الإطاحة بالنظام من خلال المطالبة بعودة الجيش إلى ثكناته, ولكن ما حدث ان خليل سلّم السلطة للجيش لقطع للطريق أمام مصر, وهلّل مدير مكتب المخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط بقوله: لقد تلقى ناصر ضربة أخرى فى السودان.إلا أن مصر قبلت بسياسة الأمر الواقع وقررت العمل مع النظام الجديد.
وقد مهد الطريق لذلك لقاء التعارف الذى تم بين عبد الناصر وعبود فى القاهرة عام 1956, عندما كان الأخير رئيساً لهيئة الأركان ومدعواً لحضور احتفالات ثورة يوليو، وكذلك تصريحاته الإيجابية بإزالة الجفوة المفتعلة مع مصر، وكذلك جهود بعض القيادات السياسية والعسكرية لنظام عبود لصالح مصر, الأمين المقبول عضو المجلس العسكرى, وأحمد خير وزير الخارجية, كل ذلك إلى جانب رغبة ناصر القوية في الوصول إلى اتفاقية لمياه النيل بهدف بناء مشروع السد العالى.
وبالفعل توصلت الدولتان إلى اتفاقية جديدة لمياه النيل فى 1959, وتمت دعوة ناصر إلى السودان واستقبل فيها استقبالاً حاشداً خاصة من الأحزاب الموالية لمصر، بينما لجأ حزب الأمة إلى حشد أنصاره فى ميدان الخليفة إظهاراً لاحتجاجه, وانتقدت إذاعات لندن وإسرائيل والأسيوشيتد برس, التقارب السودانى المصرى الذى عكسته زيارة ناصر.
يمكن القول ان عهد الرئيس عبود (1958ـ 1964)تعتبر الفترة التى ظهرت فيها أسس وأدوات الصراع السياسى فى فترة ما بعد الاستقلال, ففى هذا الوقت حدث تغيير فى أدوات السياسة المصرية فى السودان وكذلك تغيير فى أدوات القوى الخارجية التى تحارب مصر بالسودان.فبالنسبة للتغيير فى الأدوات المصرية اتجهت مصر إلى استراتيجية بناء تنظيم سياسى وعسكرى فى السودان بدلاً عن الاعتماد على الأحزاب الاتحادية، وفى إطار هذه السياسة ظهرت المنظمات القومية العربية, مثل منظمات الاشتراكيين العرب, القوى الوحدوية, الديمقراطيين الأحرار, الجبهة الاشتراكية, وقدمت هذه المنظمات, تحليلاً شاملاً للوضع السياسى فى 1962, ولم يكن فى مضمونه بعيداً عن الاشتراكية الناصرية.
وفى هذا الوقت أيضاً ظهرتنظيم الضباط الأحرار الذى بدأ نشاطه بتوزيع المنشورات داخل القوات المسلحة تحت اسم (التنظيم), دون الإشارة إلى الأحرار.
ومنذ العام 1963, تحرك تنظيم الضباط الأحرار لإعداد انقلاب عسكرى ضد نظام عبود وبدأ فاروق عثمان حمد الله الذى يبدو أنه المسؤول العسكرى للتنظيم باستقطاب الضباط، بينما قام السيد بابكر عوض الله باستقطاب السياسيين والعسكريين بالمعاش, وقد كشف العقيد (م) محجوب برير أن بابكر عوض الله طلبه فى منزله فى 1963, وقال له: بما أنك تقوم بعمل جيد يهدف إلى وحدة مصر والسودان ولكي تتمكن من إنجاز مهامك واتصالاتك تلزمك عربة ولذلك سأعطيك 1000 جنيه لتشتريها, وقد كان تنظيم الضباط الأحرار يسعى فعلاً إلى تدبير انقلاب عسكرى فى ذلك الوقت إلا أنه تأجل بقيام أكتوبر.
ويرى حسين عبد العزيز فى تناوله للتطورات السياسية في السودان المعاصر خاصة فى المرحلة الثانية من مسيرة الحياة السياسية بالسودان أن الخطوات الاقتصادية غير العملية ترافقت مع خطوات سياسية فيما يتعلق بمشكلة الجنوب، حيث لجأت الحكومة إلى استخدام القوة بدلا من الحلول السلمية، ومن أهم الأساليب التي استخدمت تغيير يوم العطلة من يوم الأحد إلى يوم الجمعة، وحصر تأدية الصلاة في الكنيسة، وتحديد عمل الهيئات التبشيرية الذي انتهى بطرد التبشيريات من البلاد.
في 21 أكتوبر 1964م. عقد طلاب في جامعة الخرطوم ندوة لبحث مشكلة الجنوب متحدين بذلك قرار السلطات منع إقامة الندوات، وهو ما دفع السلطة إلى التدخل لفض الندوة بالقوة فاستشهد على أثر ذلك طالب وجرح العديد.
حصل الطلاب على دعم من أساتذة الجامعات والمنظمات والنقابات المهنية، وبعد ثلاثة أيام قرر المحامون والقضاة الإضراب والتظاهر احتجاجا على استخدام الحكومة الرصاص ضد الطلاب، وطالب القضاة بإجراء تحقيق حول الحادثة، وهو ما رفضته الحكومة، وكان من نتيجة ذلك إعلان الإضراب السياسي العام والعصيان المدني حتى سقوط النظام.
الخطوات الاقتصادية غير العملية ترافقت مع خطوات سياسية فيما يتعلق بمشكلة الجنوب، حيث لجأت الحكومة إلى استخدام القوة بدلا من الحلول السلمية”وإزاء تصاعد الإضراب وازدياد المصادمات أصدر الفريق إبراهيم عبود في 26 أكتوبر 1964م بيانا أعلن فيه حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء.
وأعقب ذلك اجتماع بين عدد كبير من الضباط وممثلي الجبهة الوطنية المتحدة لبحث سبل نقل السلطة للمدنيين، وانتهى الاجتماع بميثاق وطني يدعو إلى تصفية الحكم العسكري، وإطلاق الحريات العامة للشعب، ورفع حالة الطوارئ. وفي ضوء هذه المبادئ تم تأليف حكومة انتقالية برئاسة رئيس وزراء محايد هو سر الختم خليفة.
الاستقلال ..مسيرة الحياة السياسية فى 62 عاما (3-4)
الخرطوم 28-12-2017م (سونا) رصد- سعيد الطيب
المرحلة الثالثة فى مسيرة الحياة السياسية بدأت عشية انتصار الشعب السودانى فى تورات الربيع السودانى حينما انتفض كأول شعب عربى افريقى ينتمى لمنظمومة الدول النامية 1964م على نظام عسكرى شمولى ويزيله من الحكم وكانت مرحلة الانتقال من الثورة إلى الحكم المدني، وأصبح أمام حكومة الثورة مهمة إعداد البلاد لانتخابات عامة، لكن حصل خلاف في مجلس الوزراء حول تنفيذ بنود الميثاق الوطني.وفى ذلك الزمن الستينى من القرن العشرين لجأت الأحزاب التقليدية إلى ممارسة أساليب غير ديمقراطية في الحكم بسبب تشابك المصالح، فضلا عن أن حجم تأثير هذه الأحزاب داخل الحكومة أكبر مقارنة بالأحزاب العقائدية وممثلي النقابات المهنية.
لذا مارست هذه الأحزاب الضغط على الحكومة الانتقالية من أجل إعادة تشكيلها، وهذا ما حصل فعلا، حيث ضغط حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي (الصادق المهدي ومحمد أحمد محجوب وإسماعيل الأزهري) على رئيس الوزراء سر الختم خليفة لتقديم استقالته.
انتهت مسؤولية سر الختم بعد قيامه بأعمال كبيرة في مجال التشريع، لكن حكومته فشلت في تحقيق مطالب وطموحات القوى الوطنية المساهمة فيها.وبعد استقالة سر الختم، انتخب الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة في البرلمان إسماعيل الأزهري رئيسا لمجلس السيادة، ومحمد أحمد محجوب رئيسا للوزراء، أما المعارضة في البرلمان فقادها حزب الشعب.
وفي هذه المرحلة الرابعة من مسيرة الحياة السياسية فى السودان 1965-1969م شهد حزب الأمة انقساما حادا داخل أسرة المهدي بين الصادق المهدي وعمه الهادي المهدي، تحول إلى صراع على السلطة انتهى بضغوط قام بها الصادق على محجوب لتقديم استقالته من رئاسة الحكومة عام 1966.وبهذا أصبح الصادق رئيسا للوزراء بعد التحالف مع الحزب الوطني الاتحادي، لكن حكومته واجهت آثار الصراع الذي دار داخل الحزبين، حيث ضعفت أغلبية الحكومة في البرلمان، فضلا عن شخصية الصادق غير المستقرة، والنتيجة كانت سقوط حكومة الصادق عام 1967.أدت هذه التطورات إلى عودة الائتلاف السابق بزعامة المحجوب إلى السلطة وتشكيل وزارته الثانية بائتلاف حزب الأمة جناح الهادي والحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، على حساب الصادق الذي أصبح في المعارضة.بعد ذلك اندمج الحزب الوطني الاتحادي بزعامة الأزهري، وحزب الشعب الديمقراطي بقيادة الشيخ علي عبد الرحمن الأمين، وسميا الحزب الجديد حزب الاتحاد الديمقراطي، واشترطت قيادتا الحزبين لإتمام اتحادهما حل البرلمان وإجراء انتخابات بين 18 و25 أبريل 1968.وحفزت هذه الأحداث بعض الضباط الأحرار على القيام بعمل عسكري، وسرعان ما قرر تنفيذ انقلاب بقيادة جعفر النميري.
المرحلة الخامسة من مسيرة الحياة السياسية فى السودان بدأت فى الخامس والعشرين من مايو 1969م حينما تمكن تنظيم الضباط الأحرار من الوصول إلى السلطة عبر واجهة اليسار العريض وفى أجواء محاولات إجازة الدستور الإسلامى وأجواء حل الحزب الشيوعى وطرده من البرلمان.ومع أن نفس المجموعة التى كانت تخطط للانقلاب فى1963, هي نفسها قادت انقلاب مايو, بابكر عوض الله, فاروق عثمان حمد الله, جعفر النميرى, مع أنه ليس عضواً فى التنظيم إلا أنه توفرت في ما بعد دلائل كثيرة أكدت صلة النتظيم الناصرى بمايو والمعلومات فى هذا الشأن كثيرة, (صحيفة الحياة البيروتية 1970, محمد أحمد محجوب: الديمقرطية فى الميزان: محمد عبد الطيف الخيار الصعب: محمود قلندر: سنوات مايو . أحمد حمروش: زيارة جديدة لهيكل. محجوب عمر باشري: مختصر تاريخ السودان)، هذا إلى جانب الدعم السياسى والمعنوى والمادى الذى قدمه عبد الناصر منذ أول يوم للانقلاب حتى الاتفاق على الوحدة الثلاثية فى ميثاق طرابلس عام 1970م.
وفى تناوله للتطورات السياسية في السودان المعاصر استعرض
الاستاذ المراقب والمحلل حسين عبد العزيز المسيرة وقال : عبر المجموعة التى سميت آنذاك بأصدقاء أمريكا والذين أصبحوا جزءاً من مايو بدأت خطوات احتواء وتصفية التوجهات اليسارية لمايو، خاصة وأنه إلى جانب يساريتها أعلنت عن أنها جاءت أيضاً لوقف التسلل الصهيونى والإمبريالى إلى السودان وأفريقيا.
عبد الناصر أرسل خطاب إلى نميرى وكشف فيه أن المستر كوقان زعيم المجموعة يهودي الجنسية ويعمل بالمخابرات الأمريكية، مما أدى بالنميرى إلى طرده من السودان
وقد كانت المجموعة تأخذ فى نفسها الخطاب الذى أرسله عبد الناصر إلى نميرى وكشف فيه أن المستر كوقان زعيم المجموعة يهودي الجنسية ويعمل بالمخابرات الأمريكية، مما أدى بالنميرى إلى طرده من السودان.
ولم يمض سوى وقت قليل حتى توترت العلاقات مع القاهرة, طلب السودان بعد أن أعاد علاقته بالولايات المتحدة فى 1972 تقليل حجم البعثة التعليمية المصرية وسحب الكتيبة السودانية من الإسكندرية واتهام مصر بتدبير محاولة انقلاب ضد النظام بقيادة محمد خير شنان.
وردت مصر بالمقابل بطلب إبعاد الجالية السودانية، كما قررت فى نفس الوقت استضافة المعارضة وسحب قواتها الرمزية من جبل أولياء وتطورت الأمور إلى الحرب الكلامية بين رئيسي البلدين ولا تزال كلمات الرئيس السادات القوية ضد النميرى معلقة فى الأذهان: “إن الرئيس النميرى سوف لن تطأ قدماه أرض مصر بعد الآن”.
ولما كان السودان قد عزز علاقاته مع الولايات المتحدة، خاصة بعد إجهاض المحتويات الناصرية واليسارية لمايو وأن الرئيس السادات قد قرر الاتجاه نحو الولايات المتحدة بدلا عن الشرق وبعد أن توصل إلى أن 95% من أوراق اللعبة بيد أمريكا, أصبح الجو مهيأ لإعادة العلاقات السودانية المصرية نتيجة لالتقاء الطرفين على الساحة الأمريكية, وتعززت العلاقات بعد ذلك عبر قيام مؤسسات التكامل ومشاريع التنمية المشتركة إلى جانب الدعم السياسى والمعنوى الذى وفره السودان لمصر عقب عزلتها بعد كامب ديفد.
ولالتقاء مصالح الجميع, خاصة الولايات المتحدة التى ضمنت ابتعاد السودان من المحور الاشتراكى الذى تمثله اليمن وأثيوبيا وليبيا، ومصالح إسرائيل التى تمثلت فى نقل اليهود الفلاشا، ومصر التى فكت عزلتها بالسودان، انكسرت حدة الصراع السياسى الذى كان سائداً منذ قبل المهدية ولم يتجدد إلا فى عهد الإنقاذ الحالى.
أما التغيير الآخر الذى تشكلت أدواته فى عهد عبود هو التغيير المتعلق بالصراع حول الهوية السياسية للدولة, فإذا كانت الصراعات السابقة هي حول السيطرة على الحكومات السودانية فإن الصراع الجديد هو حول هوية الدولة .
الاستقلال ..مسيرة الحياة السياسية فى 62 عاما (4-4)
الخرطوم 31-12-2017م (سونا) رصد – سعيد الطيب
المرحلة السادسة فى مسيرة الحياة السياسية بالسودان اعقبت نهاية الحقبة المايوية والتى انتهت بانتفاضة رجب ابريل فى العام 1985م وتولى المشير عبدالرحمن سوار الذهب مقاليد السلطة لماوقفت إلى جانب الانتفاضة قيادة الجيش العامة , واصدر سوار الذهب ميثاق التجمع لإنقاذ الوطن للمرحلة الانتقالية التي حددت بعام واحد فقط (85-1986م) لكن هذه المرحلة فشلت، كما فشلت القوى المشاركة في الانتفاضة في تحقيق أهدافها، خاصة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات عام 1986م التي تمخض عنها قيام الجمعية التأسيسية وتشكيل حكومة برئاسة الصادق المهدي راعي حزب الأمة.وبمجلس سيادة ترأسه احمد الميرغنى .
المرحلة الثامنة والاخيرة فى مسيرة الحياة السياسية بالبلاد بدأت فى الثلاثين من يونيو1989م حينما تمكنت الجبهة الإسلامية القومية من السيطرة على الحكم بانقلاب عسكري هو الأول من نوعه بقيادة حزب سياسي على سلطة منتخبة.
أصدر العميد عمر البشير فى تلك المرحلة الاولى من الانقاذ قرارين، الأول أن ثورة الإنقاذ الوطني تعبير عن الشعب، والثاني حل جميع الأحزاب والتشكيلات السياسية وحل الحكومات الإقليمية وجميع النقابات إلى حين صدور قانون جديد.
كما أصدر مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني برنامجه الذي أكد على:
بناء القوات المسلحة. إيلاء أسبقية لتأمين الحاجات الأساسية. تحسين الخدمات في القرى. دفع التنمية والإنتاج. العمل العاجل على تقوية العلاقات مع الجوار العربي الأفريقي. تأكيد مبدأ سياسة عدم الانحياز. اعتبار فلسطين قضية الوطن العربي الكبرى.
كان أول رد فعل على النظام الجديد من جانب النقابات المهنية المطالبة بإعادة الشرعية لنقاباتهم، وقام نقابيون بتقديم مذكرة للسلطة التي قامت بحملة اعتقالات في صفوف القيادات النقابية، وجرت إلى جانب ذلك محاولة انقلاب لقلب نظام الحكم عام 1990، وترافق ذلك مع استمرار الحرب في الجنوب.وعلى مستوى المعارضة الخارجية تشكل في أسمرة التجمع الوطني الديمقراطي عام 1995، وإزاء هذا الضغط تراجعت حكومة الإنقاذ عن موقفها من الجنوب، ثم عادت إلى المفاوضات وصولا إلى توقيع إعلان مبادئ إيغاد عام 1997.
واتخذت الحكومة بعد العام 2001 الكثير من المواقف، منها المبادرة المصرية الليبية لإحلال السلام في السودان بعد موافقة الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق.وعلى إثر ذلك بدأت عام 2002 مفاوضات ماشاكوس في كينيا بشأن الجنوب، ثم اتفاقيات نيفاشا عام 2003 ومن ثم توقيع اتفاقيتي اقتسام السلطة والثروة في نفس العام، قبل أن توقع الحكومة والحركة الشعبية على الاتفاق النهائي في 9 يناير 2005 بشأن السلام الشامل وحق تقرير المصير للجنوب.
مقابل ذلك، تسارع وقع الأحداث في دارفور، وبرزت حركة تمرد عسكرية وسياسية، أبرزها حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.ونتج عن الأحداث في دارفور صدور قرارات من مجلس الأمن الدولي في العام 2004 و2009، مع استمرار مفاوضات السلام برعاية أفريقية لاسيما مفاوضات أبوجا ومساعي مصر وليبيا عام 2007 و2009. وفي هذه الفترة قام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عام 2008 بعد تفاقم الوضع السياسي في دارفور، بإصدار أمر اعتقال الرئيس البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، ومنها جريمة الإبادة الجماعية.ثم حلت مشكلة دارفور بالتوقيع على اتفاقية سلام الدوحة 2011م وانشاء السلطة الاقليمية لدارفور وانتهت العام الماضى , ودعت الحكومة الى حوار وطنى شامل يشارك فيه الجميع دونما اقصاء الا من ابى العام 2014م وانتهى الحوار فى اكتوبر 2016م وخرج بنوصيات بلغت (902) كان من ابرزها تشكيل حكومة قومية برئاسة رئيس وزراء وتم اختيار الفريق اول ركن بكرى حسن صالح النائب الاول لرئيس الجمهورية , وفى مطلع يناير الماضى نفذت حملة جمع السلاح من كل انحاء السودان لتبقى فى ايدى القوات النظامية وانطلقت الحملة من ولايات دارفور الخمسة مرورا بكردفان .
يقول الباحث السودانى جمال الشريف ان الحرب ليست هى ما يجب الانتباه إليه فى استراتيجية محاربة المخططات الجهوية والأجنبية، فعن طريق الخداع تمت هزيمة كل السياسات والاستراتيجيات المصرية فى السودان. لقد انخدعت مصر عندما أشركت الأوربيين فى حكم السودان لضبط الأوضاع فى حين أنهم وظفوا المشاركة لإقناع الرأي العام البريطانى بمساوئ مصر, وخدعت عام 1884 عندما أمرت بإخلاء السودان حيث تبين بعد ذلك أن هدف الإخلاء كان لخلق واقع فى السودان يسمح بتطبيق نظرية الأرض الخلاء التى تتيح انتقال سيادة السودان إلى أول جهة غازية وبموجب هذه العملية شاركت بريطانيا فى حكم السودان.
وخدعت مرة أخرى عندما أقنعت بتمويل حملة إعادة فتح السودان على اعتبار أن الفتح هو لإعادة السودان لمصر أو كما قال رئيس الوزراء البريطانى “لإعادة زرع القدم المصرية فى السودان”, ليتضح بعد ذلك أن طلب التمويل المصرى جاء نتيجة لأن الجهة التى خططت لإعادة الفتح لم تكن تملك خياراً آخر فى ظل رفض بريطانيا.”
مصر خُدعت فى اتفاقية الحكم الثنائي عندما لم يتم الإشارة إلى وضع السودان السيادي، والأزهرى نفسه خدع مصر فى إعلانه للاستقلال بدلاً عن الوحدة
وخدعت كذلك فى اتفاقية الحكم الثنائي عندما لم يتم الإشارة إلى وضع السودان السيادي والتى فسرتها مصر بسبب عودة السودان إليها، بينما اتضحت فى النهاية أن الهدف كان لبناء الدولة والقومية السودانية التى عن طريقها سيتم حسم موضوع السيادة.
وإذا أضفنا إلى ذلك التفسير الذى يقول به البعض من أن الأزهرى نفسه قد خدع مصر فى إعلانه للاستقلال بدلاً عن الوحدة، وكذلك خدعة الحركة الشعبية بأن السودان الجديد ليس له علاقة بالسياسة الخارجية وأنه لا يستهدف مصر، وكذلك خدعة الإنقاذ فى سنواتها الأولى لمصر إلى درجة بذل الجهود الدبلوماسية لاستقطاب الدعم للنظام الجديد والتصريح بأن (دول أولادنا), يتضح حجم وخطورة سلاح الخداع والتضليل.
فالتضليل هنا واضح لكون أن الموارد لا يمكن أن تشكل نزاعاً مع الجهة التى تملكها وإنما بين القوى المتنافسة حول الجهة المالكة، كما أن الجهة المالكة نفسها لم ترفض الاستثمار حتى تضطر الولايات المتحدة لشن حرب للحصول عليها.
كذلك لا يشكل الاحتلال العسكرى المناخ الآمن الذى يتطلبه الاستثمار هذا، بالإضافة إلى أن الموارد موضوع النزاع لم يثبت أنها متوفرة وأن الأقمار الصناعية التى فشلت فى التقاط صور القوافل المتحركة لبن لادن وطالبان وتحركات الزرقاوى فى العراق والبرنامج النووى لكوريا الشمالية من على ظهر الأرض لا يمكن الوثوق فى أنها يمكن أن تلتقط صوراً من باطن الأرض للثروات المعدنية والنفطية التى توجد فى الصور المتحولة.
الخرطوم 25-12-2017م (سونا) رصد- سعيد الطيب