السودان ورغم إمتلاكه منظومة تسلح متقدمة جداً لا يميل إلى إستعراض القوة والنفوذ

في العصر الحديث ظلّ التسلّح أهم وسيلة تستخدمها الدول للدفاع عن رؤاها وتوجهاتها وسياساتها، وتفنن العلماء والخبراء في براعة التصنيع العسكري وبراعة الإستراتيجيات في توظيفه وتحديد الحاجات منه، وقررت المصالح التوجهات الأنجع والصرف الأنفع عليه، سواءً في الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو في الحرب الباردة أو في غيرها من الصراعات الأصغر، وقد إستثنت بعض الدول الكبرى والصغرى نفقات التسليح من الميزانيات العامة، وتعاملت معها بشكل خاص.

– وبالرغم من أن الصناعات العسكرية في أي دولة من دول العالم تصب مباشرة في سلة دعم قدراتها التسليحية والقتالية والعملياتية فإن هذا الدعم النوعي لا يعني بالضرورة ميل هذه الدولة إلى تبني سياسات عدوانية تجاه الآخرين ولا يعني أيضاً “عسكرة السياسة” سواءً من خلال فكرة الإعتداد بالقوة العسكرية المتوافرة لدى الدولة أو بروز نفوذ مجمعات التصنيع العسكري هائلة الإستثمار في صناعة القرار السياسي وتوجيهه لخدمة مصالح هذه الصناعات، فهناك العديد من الدول التي تمتلك قاعدة تصنيع عسكري قوية وتتمسك بسياساتها السلمية وتحرص على دعم الأمن والاستقرار العالمي.

– وبالتالي يبقى من البديهي القول إن الإنجازات التنموية المحققة تحتاج إلى داعم رديف من الصناعات العسكرية وأيضاً بالدرجة ذاتها من الأهمية إلى غطاء قوي يردع الآخرين عن أي تفكير في النيل من مصالح السودان أو التأثير فيها سلباً بأي طريقة من الطرق.

– وهناك العديد من البراهين والدلائل على ذلك منها أن السودان ورغم إمتلاكه منظومة تسلح متقدمة جداً لا يميل إلى إستعراض القوة والنفوذ مثلما يحدث بشكل معتاد من جانب بعض الدول وتجري مناورات أو تدريبات خارج الأطر المهنية الإحترافية التي تستهدف تطوير القدرات العملياتية والخططية والتكتيكية للقوات المسلحة، حيث يلاحظ المراقب أن السياسات في هذا الشأن لا تنفصل، فالهدوء والكياسة والرصانة التي تميز السياسة الخارجية للدولة هي أيضاً ما يحكم توجهات ومبادئ الفكر القتالي والتنظيمي والعقيدة العسكرية المطبقة في القوات المسلحة.

– وشهدت الصناعات العسكرية الوطنية تطورات فارقة في السنوات الأخيرة وبدأت في الدخول في منافسة حقيقية مع نظيراتها على المستوى الإقليمي، وفي هذا الإطار تحديداً يشار إلىمجمع الشجرة ومجمع الزرقاء ومجمع إبراهيم شمس الدين، ومجمع اليرموك ومجمع الصافات للطيران.

– وقد يكون من باب المفارقة أن غالبية هذه الشركات يمكن أن تكون معروفة عالمياً خصوصاً للمهتمين والخبراء في هذا المجال، ولكنها قد لا تكون على المستوى ذاته من السمعة والشهرة على المستوى المحلي بسبب تخصصية إنتاجها، ولكن هذا لا ينفي قدراتها ومكانتها التصنيعية المتنامية، والتي وضعتها في مضمار المنافسة الإقليمية بمعايير عالمية بين كبريات شركات التصنيع العسكري.

– نقول أن تطوير صناعة الأسلحة يعفي صانع القرار من أي اشتراطاتٍ أو محاولات للتدخل في القرار السياسي والعسكري، من قبل الدول المصنعة والمصدرة للأسلحة في الأساس، بمعنى أن قرار السلم والحرب يصبح محمياً بالكامل من أي تدخلات خارجية، ومهما إضطربت التوازنات الدولية ومهما إختلت صناعة القرار في أي بلد مصدر، فإن القرار النهائي يصبح بيد القيادة السياسية، التي طوّرت صناعتها العسكرية، مما يمنحها قوةً فوق قوتها وإستقلالاً أكبر في قراراتها، خصوصا حين يتعلق الأمر بخوض الحروب والدفاع عن المصالح العليا للوطن.

– ويبقى التصنيع العسكري بكل أشكاله واحداً من أهم مقومات الدولة الحديثة الساعية لإثبات مكانتها والمصرة على حماية مصالحها، وهو حلمٌ لازم القيادات السياسية على الدوام، فكلما تمت تغطية هذه الصناعات ذاتياً، زاد ذلك في معدلات القوة والقدرة على التصدي للتحديات بكل أشكالها، ولا يستلزم الأمر أن تكون خبيراً في التصنيع العسكري لتفهم المغزى الإستراتيجي الكبير الذي يقود مثل هذا التوجه.

بقلم
أسد البراري

Exit mobile version