البشير يهرب إلى مصر، والسيسي يهرب إلى السودان، لكن غداً ستعود لقاءات الأحضان من جديد!

السيسي يهرب إلى السودان!

بدخول اللواء متقاعد “سمير فرج” على الخط، فإن الرؤية تكون قد اتضحت، وأن الأزمة مع السودان تأخذ شكلها الرسمي، فالسيسي هو من يدق طبول الحرب إذن!

فاللواء “فرج” ليس واحداً من عموم اللواءات المتقاعدين، ولكنه يتحدث كثيراً باسم السيسي، ويردد في جلساته الخاصة أنه وقع عليه الاختيار ليكون مسؤولاً عن حملته الانتخابية، في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى خلال عدة شهور. ودخل “فرج” على خط النار، بإعلانه أن منح جزيرة “سواكن” لتركيا تحول كبير، وإعلان حرب على مصر، وأن مصر تستعد للرد على هذا العمل الذي يهدد أمنها القومي!

“فرج”، وبصفته يمثل عبد الفتاح السيسي شخصياً، تحول إلى “مكوك فضائي”؛ حيث تنقل خلال الأيام الأخيرة، ومنذ زيارة الرئيس التركي للسودان، من قناة إلى أخرى، ومن قناة “تن” إلى “صدى البلد”، ومن “المحور” إلى “سي بي سي”، ومن ضيافة “عمرو عبد الحميد” إلى برنامج “لميس الحديدي، ومن لقاء مطول مع “محمد الباز”، إلى مداخلة قصيرة مع “أحمد موسى”، وهو حضور لا تخطئ العين دلالته!

وفي الحقيقة، لم نكن بحاجة إلى هذا الحضور لـ”كليم” السيسي، لنتأكد أنه من يقف ضد الحملة على السودان، فيكفي هذا الحشد الإعلامي، ليؤدي الغرض في فهم من يقف وراء دق طبول الحرب، وتصوير الأمر على أنه إعلان حرب ضد مصر. وكما هى العادة، فقد استخدمت عبارات قاسية ضد السودانيين، وباعتبار أن منح أردوغان جزيرة “سواكن” يعني تمكينه من البحر الأحمر. وفي هجومه قال الإعلام السيساوي، إن الجزيرة لم تكن مملوكة لجد البشير، فملكيتها للشعب السوداني، كما تحدثوا عن أهمية البحر الأحمر بالنسبة لمصر.. انظر من يتكلم؟!

فالسيسي فرط في جزيرتين – وليس في جزيرة واحدة – تقعا على البحر الأحمر، وللجزيرتين أهمية استراتيجية كبرى، وقد فرط فيهما مع وجود حكم قضائي نهائي يؤكد مصريتهما. وتنازل عنهما لمحمد بن سلمان على الورق، ولإسرائيل في الحقيقة، ولم يهتز له رمش، مع أنه لم يثبت أن الجزيرتين كانتا ضمن أملاك جد السيسي “الحاج حسين سعيد”!

السيسي فرط في جزيرتين – وليس في جزيرة واحدة – تقعا على البحر الأحمر، وللجزيرتين أهمية استراتيجية كبرى

هذا الحضور التركي على البحر الأحمر لا بد أن يقلق مصر السيسي؛ لأنه ضد مشروعه وضد محوره الذي ينخرط فيه، والذي يضم الإمارات والسعودية، وفي القلب منه إسرائيل، لا سيما وأن زيارة أردوغان تخللها توقيع اتفاقات عسكرية مع الجانب السوداني!

ولا ينكر السودان أنه أقدم على هذه الخطوة نكاية في القاهرة والرياض، بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة وتجاهل السودان، وأكدا في الاتفاق على مصرية “حلايب” و”شلاتين”، وقد سبق هذا شكوى من الخرطوم للمنظمات الدولية لاحتلال مصر للمنطقتين!

والشاهد هنا، أنه تحرك متأخر. فترسيم الحدود وقع قبل فترة، وبشكل يدفع قبيلة من الفئران لأن تلعب في صدري، لا سيما وأن التحرك دفع النظام العسكري في مصر لممارسة المزيد من الاستفزاز، وقد تم الإعلان عن نقل شعائر صلاة الجمعة اليوم من شلاتين، لتأكيد الولاية المصرية عليها!

إعلان السودان ملكيته لحلايب وشلاتين، لم يتوقف أبداً منذ الانقلاب العسكري في مصر، ومع ذلك لم يفسد هذا الإعلان للود بين الحكمين العسكريين في الخرطوم والقاهرة؛ قضية

وكما أن ترسيم الحدود لم يتم اليوم، فإعلان السودان ملكيته لحلايب وشلاتين، لم يتوقف أبداً منذ الانقلاب العسكري في مصر، ومع ذلك لم يفسد هذا الإعلان للود بين الحكمين العسكريين في الخرطوم والقاهرة؛ قضية. وكان اللافت أنه رغم الزيارات المتبادلة بين السيسي والبشير، فإن الأخير لم يتوقف عن هذا الإعلان. وكان نظام السيسي حريصاً على ألا يرد على هذه التصريحات المتواترة، على نحو دفع المصريين لتوقع إعلان حاكمهم العسكري التنازل عن “حلايب” و”شلاتين”، إكراما لخاطر البشير، الذي يبدو واضحاً أنه يعاني أزمة داخلية تدفعه للسعي لتحقيق انتصار على الحدود المصرية، في وقت تعيش فيه مصر أضعف حالاتها!

ويبدو أن “الحال من بعضه”.. فالسيسي، وقد فشل في البر والبحر، حتى صار يفزعه أن يعلن أي عابر سبيل ترشحه للرئاسة، وأصبح يخشى من الهواء العليل أن يعصف بحكمه، فإنه يهرب الآن إلى السودان، حد التلويح بالحرب. وفي كل أزماته الداخلية فإنه يريد أن يهرب للخارج، فقد فكر في الهروب إلى ليبيا، لكنه فوجئ أنها ليست بلداً بلا صاحب، ليمارس فيه الحروب التلفزيونية. فدول في الإقليم ترى أن ليبيا من اختصاصها المنعقد بحكم الجوار والاهتمام والمصير المشترك، كما أن دولا كبرى لن تسمح للسيسي، وكيل الإمارات، بأن يلعب دوراً يفوق حجمه في هذه المستعمرة الفرنسية القديمة.. والمستعمر القديم هو من قتل القذافي، ومثل بجثته، وإن نسب الجرم إلى الثورة الليبية!

لأنه كان لا بد من الهروب للخارج، للتغطية على الفشل، وإعادة استدعاء المصريين حول قضية مرتبطة بالأمن القومي، فكان التلويج بالحرب ضد السودان

ولأنه كان لا بد من الهروب للخارج، للتغطية على الفشل، وإعادة استدعاء المصريين حول قضية مرتبطة بالأمن القومي، فكان التلويج بالحرب ضد السودان، وهو يتصور أن المصريين سيؤوبون معه. وبعيداً الاحتكاكات المصرية السودانية التي يتسبب فيها سوء الظن، أو بسبب نكتة طائسة هنا أو هناك، فإن المصريين لا يمكن أن يعادوا السودانيين، وأن ينحرفوا وراء حاكم فاشل، يدق طبول الحرب، تماشياً مع الحكم العسكري الذي يهرب من أزماته الداخلية لحروب خارجية، يرفع حينها شعاره الأثير: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، فلم يؤب الشعب المصري مع قيادته عندما اشتركت في الحرب ضد العراق، وظل صدام حسين رمزاً لدى قطاع كبير من المصريين، رغم حجم الدعاية السلبية ضده، حيث فقد الحكم العسكري أهمية استخدام الحروب، لإعادة حشد الناس حوله. ومنذ أن تكشفت نتائج حرب اليمن، والتي رغم فداحة الخسائر في الأموال والأنفس، فقد حققت إنجازاً واحداً مهما، بأنها مكنت مصر من باب المندب ومن البحر الأحمر، على النحو الذي ذكره الفريق سعد الدين الشاذلي.

حكم السيسي يهدد بالحرب، لكنه لن يحارب، هو فقط يريد أن يهرب بعيداً، لا سيما وأن القادم للسودان هو أردوغان، والسيسي من مهامه الوظيفية معاداة أنقرة، باعتباره وكيل محمد بن زايد في المنطقة، الوكيل بدوره لإسرائيل.. ويقلقهم جميعا هذا الحضور التركي للمنطقة، لكنه قلق لن يمتد لخوض غمار الحروب، ولا نتوقع أن يستمر قرع الطبول طويلا، فلن نفاجأ إذا وجدنا السيسي في الخرطوم، أو البشير في القاهرة، “فياما دقت على الرأس طبول”!

فهذه ليست المعركة الأولى، فقد سبقها معارك انتهت إلى الأخذ بالأحضان، وقد كانت هناك أزمة بين الطرفين، انتهت بزيارة البشير إلى القاهرة وتكريمه باعتباره كان من الوحدات السودانية التي شاركت في حرب أكتوبر!

البشير يهرب إلى مصر، والسيسي يهرب إلى السودان، لكن غداً ستعود لقاءات الأحضان من جديد!

إنهم العسكر إذا فشلوا.

سليم عزوز
عربي21

Exit mobile version