في الطريق

أول من أمس في ضحاه وسحابة نهاره، احتوتنا دار الريح بشمال كردفان، بغبار كثيف غطى السماء والأفق، ورغم ذلك لم يكن النائب الأول ورئيس مجلس الوزراء ليتخلف عن وعد مضروب وغير مكذوب، مع أهالي مناطق دار الريح في محلية (جبرة الشيخ) بشمال كردفان،

هبطنا في مناطق (الحجاب) و (رهيد النوبة) و (الرويانة) شمال (أنضرابة) وغيرها من المناطق التي يمر عبرها طريق الصادرات أم درمان ــ بارا، وهو الطريق الذي تعلق عليه آمال عراض في أن يحدث التحول الاقتصادي والاجتماعي والتنموي ليس لهذه المناطق ولهاتيك الأصقاع وحدها، ولكن لكل ولايات دارفور وكردفان وبقية أرجاء السودان المختلفة.

> عندما كانت الطائرتان العموديتان تحلقان فوق تلال الرمال وسافية التراب الناصع والقرى المتناثرة التي تعيش على هامش التنمية والزمن، كانت الأفكار والأذهان تذهب بعيداً إلى الواقع المرير الذي عاشته دار الريح وهذا الجزء من ولاية شمال كردفان في الماضي، حيث كان الطريق حلماً بعيد المنال كالغول والعنقاء والخل الوفي، فالتفكير فيه بدأ منذ أربعينيات القرن الماضي في عهد الاستعمار، وعاشت أجيال وراء أجيال تحلم به، ولم يكن أحد يتصوره واقعاً ماثلاً كما تبدت لنا قطاعاته من نافذ الطائرة وقد وصل العمل فيه إلى الكيلو (155) من ناحية وعشرة كيلومترات في قطاع آخر وحوالى (32) كيلومتراً في القطاع الأخير من جهة أم درمان، ويبلغ الطريق ((340 كيلومتراً، يشق الرمال والوديان الوعرة، وله أربعة عشر جسراً وعدد من الجسور والمصارف المائية الصغيرة، وتحيطه الرمال من كل جانب، مثلما أحاطت به تطلعات الأهالي وترقبته عيونهم وأفئدتهم وأحلامهم وخالط أمنياتهم.

> في زيارته حرص النائب الأول ورئيس مجلس الوزراء القومي على أن تكون زيارة تنفيذية رسمية لا علاقة لها بالحشود والتجمعات الجماهيرية والعمل السياسي، وحرص على أن يزور قطاعات الطريق ليتفقد العمل ومعه وزير الطرق والجسور المهندس مكاوي محمد عوض ووالي الولاية مولانا أحمد محمد هارون ومجدي يس وزير الدولة بوزارة المالية وأبو القاسم إمام وزير الدولة بديوان الحكم الاتحادي وعدد من كبار المسؤولين في وزارة الطرق والجسور والهيئة القومية للطرق والجسور، وأحمد الشايقي المدير العام لشركة (زادنا) المنفذة للقطاعات الأخيرة المتبقية من الطريق، وعدد من رؤساء تحرير الصحف والصحافيين، وكانت الزيارة بغرض الوقوف على مستوى التنفيذ ومناقشة المهندسين والشركات المنفذة حول ما تم وما تبقى من الطريق والمدى الزمني لنهاية العمل، وغير بعيد أن النائب الأول ظل يبدي اهتماماً بهذا الطريق وتبناه بالكامل كأنه جزء منه منذ بدء العمل فيه قبل عامين، ويتابع كل صغيرة وكبيرة حوله، وقد زاره من قبل وزار المناطق التي يمر بها عدة مرات.

> كل شيء كان هادئاً في الميدان غربي أم درمان من قطاع نادك حتى منطقة الحجاب، العمل يسير بوتيرة متسارعة للحاق بالموعد المضروب لانتهاء الطريق والاحتفال به في نهاية يونيو المقبل، وكان أسلوب المتابعة الذي ابتدر به النائب الأول ورئيس الوزراء أسلوباً ناجعاً وفاعلاً، فهو لن يستمع إلى التقارير في مكتبه أو من تنوير الوالي أو الوزير مكاوي، فقد ذهب بنفسه ليطمئن هو ويطمئِن الأهالي وكل السودانيين إلى أن واحداً من أهم الطرق القومية سينجز في موعده وسيسهم في بناء السودان الحديث، لتتغير الحياة ووجهها في مناطق عاشت في عرى التخلف التنموي وانعدام الخدمات والتخلف عن ركب التقدم الذي طرأ على السودان كله.

> كانت توجيهات النائب الأول واضحة ومناقشته للمهندسين والشركات المنفذة دقيقة وحاسمة، مع تأكيده أن الدولة خاصة وزارة المالية ملتزمة بكل ما عليها من التزامات حتى اكتمال الطريق، كنا نشاهد الأهالي يتجمعون في المناطق التي هبطنا فيها وأقلعنا منها وهم يلوحون بأياديهم غير مصدقين، ولم نكن نتصور أن الطريق وصل الحجاب، وأن المواطنين بعرباتهم الصغيرة ووسائل النقل كالدراجات البخارية للنقل تصل الى هناك وتجوب المناطق وتختال كما الطواويس.

> في منطقة الحجاب تجمع عدد من قيادات المنطقة وزعمائها وكبارها مثل الخليفة الشيخ عبد الوهاب الكباشي الذي وصل قبل يوم أو يومين من الخرطوم في انتظار الزيارة، وتحدث خلال اللقاء التنويري كل من معتمد الملي أحمد عبد المجيد ونائب رئيس المؤتمر الوطني هناك الأمين النور الكباشي والسيد والي شمال كردفان والنائب الأول رئيس الوزراء.. وكل ما هناك أن المسافة تقاصرت إلى الأبيض، وأن فجراً جديداً من التنمية والخدمات أطل على دار الريح، وأن بُدلت من بعد المسغبة خيراً وفيراً ورغداً.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version