زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “سواكن”، على ساحل البحر الأحمر بشرقي السودان، مقتفيا بذلك خطى “أجداده العثمانيين” الذين حكموا المدينة أيام الخلافة.
وزار أردوغان وقرينته “أمينة” المنطقة بضيافة الرئيس السوداني عمر البشير، واعتبرت بالنسبة لمراقبين زيارة ملهمة ومثيرة، يتوقع أن تجعل جغرافيا وتاريج جزيرة “سواكن” أكثر إثارة، بعد أن أصبحت آثارها موعوده بالترميم من جانب أنقرة.
تقع “جزيرة سواكن”، على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، عند خطي عرض 19,5 درجة شمال، وطول 37,5 درجة شرق، وترتفع عن البحر 66 متراً، وتبعد عن الخرطوم بحوالي 560 كيلومترا، وزهاء 70 كيلومتر عن مدينة بورتسودان ميناء السودان الرئيس حاليا.
وهي “جزيرة مرجانية”، انهارت منازلها وعمرانها، وتحولت إلى أطلال وحجارة تحكي ثراء تاريخ غابر ودارس، أما سواكن المدينة فمنطقة واسعة يدخلها لسان بحري، يجعل منها ميناء طبيعياً.
تختلف الرويات حول تسميتها، يرجع البعض اسمها إلى “سكن” وتعني مكان الإقامة أو السكنى، فيما يرد أخرون لفظة سواكن إلى اللغة المصرية، وأنها تحرفت من “شواخن” إلى”شواكن” ثم “سواكن”، لأن لغات البجا السودانية تخلو من “حرف الخاء”.
ويقول البعض أن المفردة مشتقة من “سجون”، لأنها كانت سجناً للخارجين عن القانون من “الإنس والجن”، في عهد النبي سليمان وبلقيس ملكة سبأ.
وتحيط بها هالة “سحرية” على الدوام، صدقها الخيال الشعبي، فأطلق “سوا – جن”، أي شيدها الجن، فمبانيها الضخمة لا يستطيع بنائها إلاّ “الجن”.
ويؤكد وجود القطط الضخمة الأساطير والمرويات الشعبية، حيث يتداول السكان أن “قطط سواكن” تناجي بعضها ليلاً، وتحادث الناس، وتضئ بعيونها الضخمة عتمة الليل، وهي تصطاد الأسماك.
للأسطورة فوائدها، فهي تلهب وتثير خيال السياح والزوار، وتنثر أجواء من الرهبة والغموض، استغلها العقل الشعبي لـ”حماية أسطورته مصدر رزقه”.
و”سواكن” منطقة موغلة في القدم، شهدت عصور البطالسة واليونانيين والمصريين، والعثمانيين، حيث عبروها إلى “بلاد بنط” أو الصومال الحالية.
وذكرت كتابات المؤرخ الهمداني في القرن العاشر، أن هناك “بلدة قديمة” صغيرة “سواكن” إزدهرت بعد التخلي عن ميناء “باضع”، مصوع الحالية في دولة إرتريا.
استولى عليها الملك المملوكي الظاهر بيبرس عام 1264م، ولم يبق فيها طويلاً، لكن رجاله عادوا واعتمدوها ميناء بعد أن دمروا ميناء “عيذاب” إلى الجنوب.
واختارها السلطان العثماني سليم الأول في 1517، مقراً لحاكم “مديرية الحبشة العثمانية”، التي تشمل مدن “حرقيقو ومصوع” في إريتريا الحالية.
ولاحقاً ضمها لولاية الحجاز العثمانية تحت إدارة “والي جدة”، ثم رفضت الدولة العثمانية ضمها إلى مصر في عهد محمد علي باشا، بل أجرتها له مقابل مبلغ سنوي، ثم تنازلت له عنها مقابل جزية سنوية في 1865.
لاذت بها جيوش “لورد كتشنر” البريطانية، بمواجهة هجمات جيوش القائد المهدوي “عثمان دقنة”، إبان عهد الحكم الثنائي الانكليزي المصري للسودان.
بعد هزيمة الثورة المهدية، واسترداد البريطانيين للسودان سنة 1899، أنشأوا ميناء بديل في بورتسودان، وزعموا أنها مينائها غير ملائم للسفن الكبيرة.
مبانيها مشيدة على طابقين أو ثلاثة، ومبنية بالحجر المرجاني، المطلي بالأبيض، وبشرفات ونوافذ كبيرة، بطراز معماري يشتبك فيه التركي، بالمملوكي، ثم بالبريطاني.
أخذ الرئيس التركي رجب طيب زمام المبادرة فتعهد بإعادتها سيرتها الأولى، وهو ما لقي ترحيبا من مضيفه الرئيس عمر البشير.
زارها رحالة كثر، من بينهم “ابن بطوطة”، “صمويل بيكر” وغيرهما، كما زارها قادة وزعماء، من بينهم خديوي مصر عباس حلمي، واللورد اللنبي المندوب السامي البريطاني في مصر.
كان مقرراً منذ أعوام، ترميم المدينة التاريخية بتمويل تركي، لكن التمويل تأخر إلى أن قدح زناده زيارة الرئيس رجب أردوغان، أمس الإثنين.
الرئيس أردوغان تعهد بإعادة بناء “الجزيرة التاريخية”، وعلى الفور وجه الرئيس البشير، بتكوين لجنة لمناقشة وضع الجزيرة مع أصحاب المنازل، وشراء الأرض منها وتعويضهم من قبل الحكومة الإتحادية.
وأيدت السلطات المحلية قرار “ترميم جزيرة سواكن”، وقال معتمد سواكن، خالد سعدان، في تصريحات أثناء الزيارة، إن “إعادة بناء المدينة التاريخية ينشط السياحة والاستثمارات”.
وحمل سعدان المسؤولة عن دمار سواكن للإستعمار البريطاني، الذي هدم معالمها لإخفاء هويتها الإسلامية، بقوله: “سواكن كانت جزيرة إسلامية، أهملت ودمرت من المستعمر، للقضاء على معالمها الإسلامية”.
وتبلغ مساحة “جزيرة سواكن” 20 كيلومتر، وفيها أكثر من 370 قطعة أرض سكنية وحكومية، ستقوم الحكومة التركية بإعادة ترميمها، وجعلها منطقة سياحية.
وقال عمدة “سواكن والارتيقا” محمود الأمين: “سواكن كانت عاصمة الديار الإسلامية، على ساحل البحر الأحمر وشرق أفريقيا”.
ونقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية “سونا”، الإثنين، أن الأسطول التركي المرابط على طول ساحل البحر الأحمر، وقت الدولة العثمانية، كان هدفه الأساسي حماية هذه المدينة الإسلامية، من الإعتداءات، بتنسيق بين الباب العالي وأمير قبيلة “الأرتيقا” التي سكنتها.
وأضاف: “شهدت الجزيرة أيام الحماية التركية ، استقراراً تنموياً و تجارياً واقتصادياً”.
وقال والي البحر الاحمر علي أحمد حامد، لضيفيه أردوغان والبشير: “سواكن ظلت فترة طويلة أرضاً للخلافة الإسلامية العثمانية”.
ووقع وزير السياحة والآثار السوداني محمد أبوزيد مصطفى، مع نظيره التركي، اتفاقيات لتنمية السياحة، والآثار من ضمنها ترميم “الآثار العثمانية بسواكن”.
وزار الرئيس أردوغان السودان، الأحد، مستهلاً زيارة إفريقية، تشمل أيضا تشاد وتونس، كأول رئيس تركي يزور السودان منذ استقلاله في 1956.
الخرطوم/ أحمد يونس/ الأناضول