حذّر بشير الشريف، أستاذ علم النفس السياسي في جامعة “أم درمان” الإسلامية بالسودان، من تسويات أمريكية – عربية محتملة تعتمد “لغة المصالح” على حساب القضية الفلسطينية، وفي القلب منها مدينة القدس المحتلة.
وفجر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 ديسمبر/ كانون أول الجاري، غضبا عربيا وإسلاميا وقلقا وتحذيرات دولية بإعلانه اعتراف بلاده رسميا بالقدس (بشطريها الشرقي والغربي) عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، والبدء بنقل سفارة بلاده إلى القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967.
لكن الشريف رأى، في مقابلة مع الأناضول، أن هناك امكانية أن تتراجع واشنطن في حالة واحدة، وهي “تزايد الضغوط الشعبية، وتحولها إلى قوة تهدد مصالحها في المنطقة”.
واعتبر الأكاديمي السوداني أن الزيارة المؤجلة التي يعتزم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، أن يجريها إلى الشرق الأوسط، “ستكشف ما إن كانت هناك عملية سلام فعلية أم أن المنطقة ستنزلق إلى حالة من اللا استقرار”.
وأعلن “بنس” أمس الثلاثاء في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، تأجيل زيارته للشرق الأوسط، حتى منتصف يناير/كانون ثان المقبل، والتي كان من المفترض أن يجريها اليوم الثلاثاء، وتشمل مصر وإسرائيل.
ومنذ أبريل/ نيسان 2014 والمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي متوقفة؛ جراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحدود ما قبل 1967 كأساس لحل الدولتين.
– لغة المصالح
واعتبر الأكاديمي السوداني أن قرار نقل السفارة إلى القدس الشرقية هو “محاولة لدفع المواقف الفلسطينية بعيداً عن حل الدولتين، ليتنازلوا (الفلسطينيون) عن شروط تراها إسرائيل صعبة”.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات المجتمع الدولي، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة، عام 1967، ولا ضمها إليها عام 1980، واعتبارها مع القدس الغربية “عاصمة موحدة وأبدية” لها.
ورجح الشريف أن يعمل الطاقم المساعد لترامب على “لغة المصالح مع الدول العربية، بما يفتح أبواب تسويات جديدة، تغلب عليها مصالح الدول منفردة، على حساب مركزية القضية الفلسطينية”.
– القمة الإسلامية
وبدعوة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استضافت مدينة إسطنبول، في 13 ديسمبر/ كانون أول الجاري، قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي، أعلنت رفضها لقرار ترامب، ودعت دول العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
ووصف الأكاديمي السوداني نتائج هذه القمة بأنها “جيدة مقارنة بقمم إسلامية وعربية سابقة، لكنها ستواجه معضلة التنفيذ والالتزام بمقرراتها، فالمصالح تحدد المواقف، فضلاً عن الضغوط عن طريق المساعدات الأمريكية لبعض الدول”.
وأرجع الشريف ما أسماه “التمثيل الضعيف لبعض الدول العربية” في القمة الإسلامية إلى أن هذه الدول “تعاني من مشاكل داخلية، ومن خلافات بين بعضها البعض، ما أثر على اهتمامها بالقضية الفلسطينية”.
– الرهان على الشعوب
واستبعد الأكاديمي السوداني احتمال حدوث تقارب بين “الشيعة والسنة” في وجه العداون الإسرائيلي على القدس، بقوله “لا توجد إمكانية لتطابق وجهات النظر بين السعودية وإيران في الوقت الحالي على الأقل”.
وأضاف “الحديث عن خلافات سنية – شيعية ليس دقيقاُ، فالهوية الدينية ليست عنصراً في الخلافات حالياً، بل تقوم الخلافات على تضارب المصالح بين هذه الدول”.
ولا يعير الشريف أهمية لمواقف الدول، ويراهن على المواقف الشعبية بقوله “رد الفعل الشعبي متقدم دائماً ومختلف مع الحكومات، وقد وضعها أمام خيارين، إما الاستمرار في الرفض الخجول لتخفيف حدة الغضب، أو اللجوء للصمت اللامبالي”.
ودعا إلى تنظيم الشعوب العربية والإسلامية، وإلى ابتكار وسائل جديدة ومطورة “لتضغط على قياداتها، لتتخذ موقفاً واضحاً ضد أمريكا وإسرائيل”.
وأردف “يظل الرهان على الشعوب قائماً، وليس على الحكومات التي تبحث عن مصالحها مع أمريكا قبل كل شئ”.
ورأى الشريف أن “واشنطن يمكن أن تتراجع في حالة واحدة، وهي تزايد الضغوط الشعبية، وتحولها إلى قوة تهدد مصالحها في المنطقة.. الضغط القوي على ترامب سيضطره إلى التراجع، خاصة وأن دوافع اتخاذ قراره بشأن القدس تبدو جميعها مرتبطة بأسباب أمريكية داخلية”.
smc