طلبت السفارة الأمريكية بالخرطوم من الحكومة السودانية تعديل أو إلغاء المادة 152 من القانون الجنائي المتعلقة بارتداء الزي الفاضح حتى تتواءم مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وانتقدت السفارة في بيان صدر الأحد، بشدة استمرار اعتقال الآلاف من النساء بموجب تلك المادة، ورأت أنه يمثل انتهاكا لسلامة المواطنين وكرامتهم والحريات المدنية، وأبدى البيان قلقا أمريكيا لاعتقال ومحاكمة الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان وعضو منحة مانديلا لعام 2017 ويني عمر المتهمة بارتداء زي فاضح، وفي ذات الوقت أثنت السفارة على قرار محكمة سودانية بإسقاط تهمة ارتداء الزي الفاضح عن 24 من النساء قبل أيام.
وكانت محكمة النظام العام برأت يوم الأحد الماضي 24 فتاة، من هذه التهمة بعد أن داهمت قوات شرطية حفلا نسائيا بحي المعمورة شرقي الخرطوم.
(1)
يأتي طلب السفارة الأمريكية في خضم جدل مستمر حول قانون النظام العام في البلاد والذي يعتبره البعض أداة تستخدمها الحكومة لتصفية الحسابات السياسية ضد الناشطين والناشطات، بينما يؤكد المشرعون أنه ضرورة واجبة لضبط المظهر العام وحماية المجتمع على الرغم من الآراء المنتقده للقانون والتي تصفه بأنه يصادر أبسط الحقوق من المواطنين خاصة المادة 152 التي يرون أنها تنتهك خصوصية المرأة.
ويحتوي القانون على عدة مواد تتعلق بالمظهر العام ومن أبرز القضايا المرتبطة بهذا القانون قضية الصحفية لبنى أحمد حسين والناشطة أميرة عثمان بسبب غطاء الرأس ومؤخرا قضية الناشطة ويني عمر التي تجري محاكمتها في محكمة النظام العام بحي الديم والمتهمة بالإخلال بالمادة 152 من القانون.
(2)
ويجيء طلب السفارة عقب حديث للمجلس التشريعي بولاية الخرطوم الولاية التي تعد الأكثر تمسكا بتطبيق قانون النظام العام والذي قطع فيه المجلس بعدم وجود أي اتجاه لإلغاء قانون النظام العام بالعاصمة الخرطوم، وأقر بحاجة مادة الزي الفاضح الواردة في القانون للمراجعة، وقالت رئيسة لجنة التشريع والحكم المحلي وحقوق الإنسان بتشريعي الخرطوم، ستنا آدم يحيى إن “قانون النظام العام يحتاج إلى مراجعة وليس إلغاء والمراجعة والتعديل للمواد التي يثبت انتهاكها لكرامة الإنسان وحريته أو تلغيها، لكن لا نتحدث عن إلغاء كامل”، وأضافت: كل من ينادي بإلغاء قانون النظام العام ينادي بالفوضى، لأن القانون فيه نصوص قوية تزن وتضبط الشارع العام، وأردفت: “قد تكون هنالك بعض المواد فيها عيوب تحتاج إلى إعادة جراحة وتعديل، وإذا ثبت لنا بأن هنالك موادا أخرى ليس لديها معنى، فسوف نقوم بإلغائها”.
وبشأن مادة الزي الفاضح المثيرة للجدل أقرت ستنا بوجود لبس في ما يخص المادة، وقالت: “نعد بأن نضع المادة المتعلقة به موضع المراجعة”، وأضافت “ليس هناك ما يمنع أن يخضع القانون لبعض التعديل إذا كان فيه إخفاق أو تجاوز وأي قانون يحتاج للتعديل أو الحذف والإضافة ويهمنا الحفاظ على كرامة الإنسان وآدميته وأي عمل يسعى لذلك لن نقف نضده”، وأقرت بوقوع ممارسات خاطئة في تنفيذ قانون النظام العام وتابعت: أي مكان فيه ممارسة بشر فيه أخطاء.
(3)
وبحسب مراقبين فإن تسليط الضوء والتركيز على قانون النظام العام ومواده مرتبط في الأساس بالمآخذ والسلبيات التي تصاحب تنفيذ القانون والتي تصنف بأنها منتهكة لحقوق الإنسان، باعتبار أن القانون نفسه يوصف بأنه مفصل ضد النساء وأغلب المحاكمات تتم بصورة إيجازية ولا تسمح للسلطة الاستئنافية تبين الجرم ولا تمنح المتهم فرصة لإحضار دفاع كما أن القانون تم وضعه بلغة فضفاضة وغير مفهومة مع عقوبات رادعة.
وفي السياق يرى البعض أن قانون النظام العام مفصل للنيل من المرأة السودانية والحد من نشاطها وعملها وتقييد الحريات الشخصية بدعاوى الأمن المجتمعي والمحافظة على المجتمع معافى من الظواهر السالبة حسب رؤية الحكومة التي شرعت القانون وتركت للولايات حرية تنفيذه من عدمه.
وللقانوني نبيل اديب رأي في هذا الشأن ويصف أحكام القانون بأنها تبدو وكأنها تهدف إلى حماية المرأة من التحرش الجنسي للرجل، ولكنها في واقع الأمر تتعامل مع فعل شاذ باعتباره الأمر الطبيعي فالتحرش الجنسي بالنساء هو فعل إجرامي يستحق من قام به عقوبة رادعة ويجب أن يعامل باعتباره كذلك، وليس بحسبان أنه أمر متوقع الوقوع كلما اجتمع الرجال بالنساء.
ويرى أديب أن المعالجة التشريعية للتحرش بالنساء سواء في المواصلات أم في ساحات العمل أو في غيرها من المحلات التي يجتمع فيها الرجال والنساء لا يتم بالفصل بين الجنسين بل بعقاب الأفعال التي يرتكبها الجناة استغلالاً لذلك، أما إقصاء النساء وقصر وجودهن على أماكن محددة فهو بالإضافة لما يؤدي إليه من عرقلة أداء أعمالهن ينطوي على تقليل من شأنهن بالتعامل معهن كمجرد فريسات للقنص الجنسي.
بينما سبق وأن اعترض عضو البرلمان القانوني الفاضل حاج سليمان، على توزع القانون بين عدة جهات، وقال إن قانون النظام العام قانون ولائي تنفذه المحليات وهو ليس ملزماً وكل ولاية مسؤولة عن وضع قانونها، ونبه إلى أن بعض الولايات لا يوجد فيها قانون للنظام العام وفي نفس الوقت كل ولاية مسؤولة عن الحفاظ عن النظام العام، أما كيفية المحافظة على القانون فمتروكة ـ حسب الفاضل ـ للولاية التي قد لا تحتاج لأن تسن قانونا، ويمكن أن تقوم عبر طرق أخرى بالتوعية والنصح والإرشاد والتنظيم، وقال إن النظام العام ليس (الكشة والتهجم على الناس) معتبرا أن العيب في التنفيذ وليس القانون.
اليوم التالي.