لم تتطور اللغة العربية وقفاً على يد أبناء العرب، وحسب، بل على أيدي الذين عاشوا في كنف الحياة العربية والإسلامية. فألفوا فيها ما ألّفوا من كتب أصبحت في ما بعد، أصلاً من أصول هذه اللغة، وتثبيتاً لقواعدها سواء في النحو أو الإعراب أو المعاجم أو رواية الشعر.
يشار في هذا السياق، إلى أسماء كثيرة من غير العرب، ساهمت في حمل اللغة العربية عبر تاريخها، ولعل أبرز تلك الأسماء، هي سيبويه، عالم اللغة الكبير الذي جعل اسمه مطبوعاً على قواعد اللغة العربية، بحيث لا تذكر إلا ويذكر اسمه، خصوصا بعد كتابه الشهير في النحو، والذي يعتبره المصنّفون الأول في نوعه، وحمل اسم “الكتاب” لأن مؤلفه لم يضع اسماً له.
رائحة التفاح
وسيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر، فارسي الأصل، مولى بني الحارث بن كعب، حسب “معجم الأدباء” لياقوت الحموي الذي يوضح لقب سيبويه الذي لازمه بأن معناه “ثلاثون رائحة” طيبة.
وإذ تحدد الروايات أكثر من زمن لوفاته، إلا أن وفاته سنة 180 للهجرة، هي المرجّحة بالنسبة لكثيرين، وفق ما ينقل الحموي عن المرزباني. ويميل الحموي إلى تأكيد عمره الذي عاشه بأنه أربعون سنة ونيّف، على خلاف روايات تتحدث عن أن عمره لما مات كان اثنين وثلاثين سنة “ومات على مظالم فارس” كما ينقل صاحب معجم الأدباء.
وقيل بسيبويه ما لم يقل في سواه، من أبناء صنعته. وقال محمد بن سلام عنه: “كان سيبويه النحوي غاية في الخلق، وكتابه في النحو هو الإمام فيه”.
أما المازني الشهير، وهو بكر بن محمد، فقد قال فيه: “من أراد أن يعمل كتاباً كبيراً في النحو، بعد كتاب سيبويه، فليستحِ!”. وكذلك فعل السيرافي، الحسن بن عبد الله، فقال عنه: “وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده”، وهي العبارة التي كررها حرفياً صاحب كتاب “الفهرست” ابن النديم.
أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي
هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، بن أبان الفارسي، يعتبره “معجم الأدباء” بأنه “أوحد زمانه في علم العربية” وينقل أن عدداً من النحاة يعظّمه أكثر من المبرّد.
مات الفارسي سنة 377 للهجرة عن تسعين سنة، كما يؤكد الحموي، ومن أشهر كتبه “التذكرة في علوم العربية” و”جواهر النحو” و”المقصور والممدود” و”التعليقة على كتاب سيبويه” و”المسائل البصريات” و”كتاب الشعر”. وكتب أخرى عديدة.
ابن جني الموصلي
هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، من أصل رومي، نحوي شهير وكان “إماماً في علم العربية” بحسب “وفيات الأعيان”. ويجمع مصنفو الأدب على أنه من “أئمة الأدب والنحو”. ووضع كتباً كثيرة أشهرها “اللمع في العربية” و”الخصائص” و”المنصف” و”سر صناعة الإعراب”. وعرفت له كتب عديدة أخرى، أيضاً، من مثل “المبهج في تفسير أسماء شعراء ديوان الحماسة” و”عقود الهمز” وغيرها. وتوفي سنة 392 للهجرة.
ابن فارس
هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد الرازي، القزويني الأصل، الشهير بابن فارس، يعتبره مصنّفو الأدب من أئمة اللغة، وأشهر مصنفاته هي “معجم مقاييس اللغة” و”المجمل” و”جامع التأويل” و”الفصيح” وكتب أخرى كثيرة.
وسنة وفاته كانت قريبة من سنة وفاة ابن جني، إذ تشير المصادر المختلفة إلى أنه توفي عام 395 للهجرة، إلا أن “وفيات الأعيان” يذكر أكثر من تاريخ لوفاته.
الزمخشري
وهو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمرو الخوارزمي الزمخشري، صاحب مصنف “الكشاف” و”أساس البلاغة” و”المفصل في النحو (أو صنعة الإعراب)” و”متشابه أسماء الرواة” وغيرها الكثير. ويعتبر من أئمة اللغة والنحو والحديث، وقيل إنه لم يكن هناك أعلم منه في أوانه.
توفي الزمخشري سنة 538 للهجرة، بخوارزم، بحسب “وفيات الأعيان”.
العربي الجديد