تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لأكبر تغيير تقوم به حكومة الانقاذ طوال تاريخها، وحفل ديسمبر 2013 بإعفاء واستقالة السبعة الكبار الذين صنعوا الانقاذ مع الرئيس عمر البشير . وكان ذهاب علي عثمان النائب الأول وقتها للرئيس ومساعد الرئيس نافع علي نافع، أسامة عبدالله، عوض الجاز، كمال عبداللطيف، عبدالحليم المتعافي وأحمد إبراهيم الطاهر، مفاجئاً للأوساط السياسية، لكون القيادات التي غادرت كابينة القيادة ذات وزن وثقل سياسيين فضلاً عن بقائها في المشهد السياسي طيلة سنوات الانقاذ. الساحة السياسية تقبلت التغييرات وقتها بشئ من الدهشة وشئ من الريبة، وراجت الأحاديث، هنا وهناك، تنبت خلافات من رحم التحليليات وتلصقها بالحزب الحاكم، للدرجة التي استدعت القيادي بالمؤتمر الوطني وأحد أبرز المغادرين، نافع علي نافع للخروج للعلن بتصريحات توضح أن التغيير الذي تم الغرض منه تقديم شباب خضعوا للتجربة والاختبار في المركز والولايات، ضمن سياسة تواصل الأجيال التي أنتهجها المؤتمر الوطني.
التقرير هذا ليس معنياً بالطبع، اذا ماكانت تلك التغييرات نتيجة لخلافات داخل الحزب الحاكم أم اصلاحات حقيقية مارسها المؤتمر الوطني بشجاعة كمن يتجرح دواءاً مراً، وإنما السؤال الأكثر الحاحاً هنا، مالذي خسره الحزب الحاكم وكسبه بعد أربع سنوات من غياب السبعة الكبار عن المشهد؟
حريُ بالقول، أن خروج (7) من أبرز القيادات في الحكومة، يخلق هزة من نوع ما داخل دولاب العمل، خصوصاً في الوزارات التي لديها صلة مباشرة بمعاش الناس، وبدا هذا جلياً في أزمة الغاز وقطوعات الكهرباء التي لم تصنف كأزمة قبيل ديسمبر 2013، للدرجة التي جعلت متابعين يربطون بين غياب أسامة عبدالله وبين هذه الأزمات، الربكة هذه كانت بحاجة لوقت طويل لاختفائها عن المشهد الحكومي، في وقت يجزم فيه مراقبون أن دولاب العمل في الوزارات التي شهدت تغييرات ديسمبر 2013 ، مازال مهتزاً جراء تلك التغيرات.
*مكسب أم خسارة؟*
يرى مناصرو الحزب الحاكم، أن التغيرات التي طالت أبرز القيادات ــ وقتهاــ تكشف عن مرونة داخل المؤتمر الوطني، وتوضح سعي الحزب المخلص لانتهاج اصلاحات حقيقية، وأن ترجل السبعة الكبار، فاتورة دفعها المؤتمر الوطني مهراً لهذه الاصلاحات..
لكن القيادي بحزب المؤتمر الوطني، ربيع عبدالعاطي ينظر للتغيرات من زاوية مغايرة تماماً، فعبدالعاطي يرى أن الحزب الحاكم لم يتعامل بحنكة في ابتداره الاصلاحات، لكونه تخلى دفعةً واحدة عن (7) من أبرز القيادات في الحكومة، بقامة الرجل الثاني والرابع في الحكومة (علي عثمان ونافع) فضلاً عن وزراء نشطون، دون الدفع بقيادات جديدة على وزن القيادات المُغادرة.
وقال عبدالعاطي لـ(مصادر) أمس، أن الخطوة لم تراع التسلسل وجانبها الكثير من سوء التوفيق، داعياً حزبه إلى مراجعة الأمر، وجزم عبدالعاطي أن خلفاء السبعة المُغادرين لم يكونوا بذات الفاعلية، وهو أمر أعتبره خصم كثيراً من حركة الحزب والدولة، ولفت ربيع إلى أن قاعدة الاحلال والإبدال بالمؤتمر الوطني لم تكن مستوية، بحيث أن الانتقال يتم بسلاسة دون تأثر طرف من الأطراف، وأضاف ( ماأقوله حقاً هو ان المؤتمر الوطني خسر كثيراً بهذه الغيابات).
القيادي بحركة الاصلاح الآن، أسامة توفيق، يرى أن مسلسل انهيار المؤتمر الوطني لم يبدأ من غياب (السبعة الكبار) وإنما من المفاصلة التي حولت الأب المؤسس حسن الترابي إلى الضفة الأخرى زعيماً لحزب هو الأشرس في معارضته، لكن توفيق يعود ويؤكد لـ(مصادر) أن غياب قيادات بوزن علي عثمان ونافع، عن المشهد السياسي حول المؤتمر الوطني لـ(خيال ميت) وخلق منه حزب خامل ليس له دور يذكر في الساحة السياسية، لافتاً إلى أن المؤتمر الوطني الآن يعمل بكاريزما الرئيس البشير.
وأكد توفيق افتقار خطوة اعفاء (السبعة الكبار) لأي مكسب. ولفت إلى أن المؤتمر الوطني فقد قيادات كثيرة من أصحاب الجلد والرأس، وماتبقى منه خليط من بعض المخلصين وأغلب المنتفعين، وبسؤاله حول المكاسب، أضاف (مافي مكسب، الحزب ضاع والحركة ضاعت).
*مكاسب وخسائر معاً*
ليس بعيداً عن آراء عبدالعاطي وتوفيق، وليس بذات القرب الذي يستدعي تطابق الرؤى، يرى المستشار الإعلامي السابق لرئيس الجمهورية، والقيادي الشاب بالحزب الحاكم، أُبي عزالدين، أن الخطوة كأي خطوة، لديها مكاسب وخسائر، وعد أُبي في إفادة لـ(مصادر) أمس، أن الحزب أثبت أن لديه إرادة للتغيير بهذه التغييرات التي نفذها وطالت قيادات لها وزن، وبإمكانه تغيير قيادات مهما كان وزنها وتستمر المسيرة في تداول سلمي للسلطة، وهو ما لا يوجد لدى الأحزاب الأخرى، وكمثال ما حدث في الجبهة الثورية حين كان متوجباً انتقال السلطة فيها من الفريق مالك عقار إلى الدكتور جبريل إبراهيم.
ومن المكاسب والحديث لأوبي، فتح نوافذ لأجيال جديدة، لتحس بالأمل في الإصلاح والتطوير وبإمكانية استعادة الروح.
وأما بخصوص الخسائر، قال أُبي عزالدين إن أبرزها هو انقطاع سلسلة الخبرة التراكمية، لأن المجموعة تم إعفاؤها بضربة واحدة بدل التدرج في إدارة التغيير، في ظل عدم وجود آليات توريث للخبرات والمعارف والمهارات السياسية، وعدم انتقال هذه القامات السامقة لمراكز الدراسات الحزبية أو الحركية، لتقديم وتقييم تجربتها مع الأجيال الجديدة التي تواصل المسيرة.
*ختاماً*
إن الغياب المفاجئ لقيادات المؤتمر الوطني، في تعديلات ديسمبر 2013، قد ترك فراغاً هائلاً، بحسب متابعون في دولاب الحزب الحاكم، وبعد مرور أربع أعوام على التعديل الوزاري الأشهر في حكومة الانقاذ، عاد عوض الجاز مساعداً للرئيس مسؤولاً من ملف العلاقات مع الصين، بينما اكتفى نافع علي نافع بعضوية الحزب الحاكم ونائباً برلمانياً، وتوارى كلاً من المتعافي وأحمد ابراهيم الطاهر وأسامة عبدالله وكمال عبداللطيف عن المشهد السياسي، في وقت كرس فيه النائب الأول السابق للرئيس، علي عثمان محمد طه وقته وجهده لأدوار انسانية من خلال ترؤس مجلس ادارة المؤسسة السودانية لذوي الاعاقة بعيداً عن (ساس يسوس).
تقرير: الطيب إبراهيم
صحيفة مصادر