السيد مبارك الفاضل المهدي وزير الاستثمار نقلتْ عنه الصحف أمس قوله أمام لجنة الاستثمار بالبرلمان، إنَّ )وزارة الاستثمار عبارة عن “شباك” يمنح التصديقات(.. واعترف بوجود مشكلات في الأراضي المرتبطة بالاستثمار. خلاصة إفادات الوزير تعني أنَّ الاستثمار في السودان لا يزال مجرد )وزارة والسلام(..
طبعاً، يُشكر الوزير مبارك على شجاعته وجرأته في الصدع بالحقيقة، ولكن في المقابل يطل سؤال حتمي، وما معنى )ملتقيات الاستثمار( التي تقام خارجياً مثل الذي في لندن الآن..
في إحدى زياراتنا الخارجية التقينا بسفيرنا في الدولة التي زرناها وحدثنا بحماس أنه يخطط لحملة ترويج للاستثمار في السودان، فقلت له أي مستثمر أجنبي يصل السودان في ظل البيئة الاستثمارية الحالية يتحول تلقائياً لـ)مضاد حيوي( ضد الاستثمار في السودان، ويضخ مزيداً من الحكاوي المحبطة خارجياً عن بيئة الاستثمار في بلدنا.
جذب الاستثمار الأجنبي لن يتحقق بهذه الملتقيات – مثل المقامة حالياً في لندن- البداية من هنا في الخرطوم، ولا أقول إصلاح بيئة الاستثمار بل )مفاهيم( الاستثمار.. فالقاعدة الاقتصادية تقول )لا يمكن تصدير منتج لا يستهلك داخلياً(.. لا يمكن الترويج للمستثمر الأجنبي في ظل هروب المستثمر الوطني..
وعندما أقول )المستثمر الوطني( لا أعني أعمالاً بحجم مجموعة “دال” أو “النفيدي” أو “سي تي سي”.. بل من أصغر مستثمر وطني يجلس خلف “طبلية” في السوق العربي.. فالاستثمار بيئة واحدة تتعدَّد درجاتها..
)مفهوم الاستثمار( لدى الحكومة هو كم من المال تحصَّلَ بطريقة مباشرة من جيب المستثمر.. مهما كان حجم استثماره من الصاروخ إلى الإبرة.. هل تذكرون ما كتبته هنا قبل سنوات عندما اتصلتُ بمعتمد محلية “الكاملين” بولاية الجزيرة وقلتُ له، إنَّ جبايات محليته للمصانع في منطقة “الباقير” ستؤدي إلى إغلاقها.. رد علي بمنتهى الأريحية )لا يهمني فلتغلق كلها.. كل الذي يهمني أن تدفع لي الرسوم المقررة(.. ليست “وقاحة” بل “صراحة” تكشف الحال بصورة سافرة..
كلما رأيتُ وفداً حكومياً يسافر إلى الخارج بحجة الترويج للاستثمار أو إقامة معارض لجذب الاستثمار الأجنبي وغيرها من العناوين .. أدركُ أنَّها سفريات من أجل )الاستثمار في السفر(.. فالوفود الحكومية تعمل بمبدأ معتمد الكاملين.. طائر في الكف، ولا عشرة في الشجرة..
الأجدر، أن لا نخسر مرتين، مرة بضياع فرص الاستثمار وأخرى بوفود السفريات الخارجية الباحثة عن الدولار لا الاستثمار..
لنبدأ من هنا.. أصل المشكلة سياسية لا اقتصادية، نصلح السياسة سينصلح الاقتصاد والاستثمار والتجارة والصناعة والزراعة.. والتعليم والصحة..
المشكلة سياسيَّة، لا اقتصاديَّة..!!
حديث المدينة
عثمان ميرغني